فهد الأسطاء
في الرابع من فبراير 2020 وضمن مخططات تحقيق رؤية 2030 وبرنامج جودة الحياة، أعلنت «وزارة الثقافة» عن إنشاء 11 هيئة تتولى مسؤولية إدارة القطاع الثقافي السعودي بمختلف تخصصاته واتجاهاته، حيث ستكون كل هيئة مسؤولة عن تطوير قطاع محدد، وتتمتع بالشخصية الاعتبارية العامة والاستقلال المالي والإداري، وترتبط تنظيميا بـ«وزارة الثقافة». كان من بينها بطبيعة الحال «هيئة الأفلام»، وقبل ذلك بسنتين عام 2018، وفي العشرين من مارس كان هناك «المجلس السعودي للأفلام» الذي جاء حينها دعما للتنمية المستدامة لقطاع صناعة الأفلام في المملكة، ودعم المواهب، وتطوير القدرات الاستثمارية، لخلق قطاع حيوي ومزدهر لصناعة الأفلام والمحتوى الإبداعي.
لنقل أولا إنه لا جدال لحد كبير باعتبار «السينما» جزءا من الثقافة، وربما يمتد دورها لنوع من التثقيف أيضا، فهي تحسن من وضع الإنسان وتساعده على مواكبة التغيرات، وهي تدخل أيضا ضمن نظام متكامل يشتمل على كل من المعرفة، والفن، والقانون، والعادات والتقاليد، والأخلاق، وغيرها من الأمور التي يكتسبها الإنسان بوصفه أحد أفراد المجتمع.
وهي مجموعة من الأفكار التي تدور حول الحياة والاتجاهات العامة ومظاهر الحضارة التي يتميز بها شعب ما، بحسب تعريفات «مالينوفسكي» و«تايلور» و«سابير» و«ليزلي هوايت» وغيرهم لمفهوم الثقافة، ما يدفعنا لاعتبار «السينما» جزءا أساسيا في الثقافة، بل ويمتد بشكل أكبر لاعتبارها فلسفة خاصة، كما يشير «توماس إي» و«ارتينبيرغ» حينما ذكر «أن هذا القرن شهد اعترافا متزايدا من كل من الفلاسفة ودارسي السينما بأن أفلاما عديدة من مجموعة متنوعة من الأنماط الفيلمية والفترات التاريخية تستحق الاهتمام الفلسفي».
لكن من جهة أخرى يبقى هذا التنظير المعرفي ليس عمليا بدرجة كافية، فهو بقدر ما يعطي «السينما» دورا ثقافيا جيدا، بقدر ما يجعلها تفريعا داخل التكوين الأم «وزارة الثقافة» بجانب هيئات أخرى لا تمتلك القدر ذاته من الأهمية والتأثير. وبمعنى أدق فإننا في هذه الحالة نبدو وكأننا غير واقعيين بدرجة كافية لمفهوم «السينما» ودورها وتأثيرها المتزايد على مستويات عدة تتعلق بالصناعة والتجارة والترفيه والسياسة والتبشير وصناعة الرأي وترسيخ الأفكار وتعزيزها.
ولا شك أن من المسلم به أن هناك نوايا صالحة وجادة أيضا لتطويع «السينما» وبنائها في البلد وتحويلها لصناعة مستديمة، ويتبعها جهد ملموس بدعم مادي ملحوظ ومقبول حتى الآن، لكن هذا لن يكفي وسط غياب الوعي اللازم بـ«السينما» ككيان عصري هائل يستلزم التغاضي عن التعامل معها كرافد ثقافي وبالتالي غياب الإستراتيجية السليمة والفاعلة بشكل عملي كما هي تجارب الدول الحديثة سينمائيا بحضورها العالمي مثل «كوريا الجنوبية، رومانيا).
ومن جهة أخرى، وإذا ما أردنا أن نكون أكثر تعاطيا مع الواقع الحالي والنظر صوب «هيئة الأفلام» على وجه التحديد كصاحبة المسؤولية الأولى في موضوع «السينما في السعودية»، فإننا يمكن أن نلتمس عدة مقترحات وأفكار من المهتمين بهذا الشأن يمكن أن تساعد على تأدية الدور الأفضل وتحقيق نجاح فعلي وحقيقي.
ومجمل هذه المقترحات والمطالب تتمحور حول ثلاثة أمور: ترسيخ الفيلم السعودي كمادة تجارية ترفيهية عبر صالات السينما والمنصات الرقمية، تعزيز الفيلم السعودي كمادة فنية تسجل حضورها اللافت في المهرجانات الدولية، وأخيرا العمل على تكوين بيئة وأرضية صلبة للصناعة ذاتها بتهيئة الكوادر المؤهلة في مختلف مجالات صناعة الأفلام، سواء عبرالابتعاثات والانتدابات، أو عبرالدورات المكثفة المستمرة، والاستعانة بالخبرات التدريبية الجيدة، وإقامة المسابقات والفعاليات، والتعويل على خريجي الجامعات الغربية المبتعثين منذ سنوات.
إن مجمل هذه المقترحات العامة يهدف إلى تحقيق معادلة الكم والكيف حيث من المعلوم أن التطور الفني هو أيضا حالة تراكمية بالضرورة سعيا وراء تكريس الأنموذج الناجح فيلميا.
المجلة العربية