سوليوود «متابعات»
الفيلم الأول على قائمة أكثر الأفلام مبيعاً حاليًا هو النسخة المرممة والجديدة من فيلم،The Good The Bad and the Ugly، من شغل سيرجيو ليوني سنة 1966 وبطولة كلينت إيستوود ولي ڤن كليف وإيلاي والاك، وفقًا لما نشره موقع الشرق الأوسط.
هذه القفزة لفيلم يعود تاريخه إلى 46 سنة ليست مسألة يمكن للناقد المرور عليها على أساس أنها مسألة تجارية بحتة لا تتعلّق به، أو على نحو أن الأفلام تعلو وتهبط على قوائم «البوكس أوفيس» فلمَ العجب؟.
الواقع هناك سببان للعجب وليس سببًا واحدًا، الأول أن الفيلم الذي تطلقه الآن شركة أمازون ليس مجرد أسطوانة بلو – راي الأكثر انتشارًا، بل أسطوانة بنظام 4k Ultra HD Audio and Video ما يعني أن الزبائن «في أميركا الشمالية على الأقل» سعوا لاستحواذ هذه النسخة قبل نفادها وربما حتى ولو أن عديدين منهم لا يملكون الشاشة المنزلية المثلى لهذا النظام.
السبب الثاني يقترح أن الفيلم منتشر بين أبناء جيل لم يكن وُلد زمن الفيلم ولا حتى بعد عشرين أو خمس وعشرين سنة بعده، كما ما زال مرغوبًا من قبل جيل عاصر تلك الفترة وشاهد الفيلم مرارًا وتكرارًا في مناسبات عديدة وفي صالات السينما أو على أنظمة عرض مختلفة.
سيتطلّب الأمر إحصاءً، لن يقوم به أحد، لمعرفة ما إذا كان الدافع الأول لاقتناء هذا الفيلم اليوم يعود إلى مخرجه، ليوني «الذي توفي سنة 1989»، أو إلى بطله كلينت إيستووود أو إلى حكايته، شهرة سيرجيو ليوني تبلورت بسبب الثلاثية التي بدأها بفيلم «حفنة دولارات» «A Fistful of Dollars سنة 1964» و«لأجل حفنة دولارات أكثر» «For a Few Dollars More، سنة 1965» وانتهت بـ«الجيد والسيء والبشع»، هي ذاتها التي صنعت نجومية إيستوود العالمية بعدما كانت شهرته محدودة في الولايات المتحدة ومعدومة خارجها.
فجأة: ليوني
في الواقع، لم يكن الجمهور الأميركي يعلم من هو إيستوود إلا بفضل المسلسل التلفزيوني Rawhide لاعبًا دور راعي البقر، لم يكن بطل الحلقات بل كان أحد ممثليها، البطولة، تقنيًا، كانت لإريك فليمنغ الذي توفى بعد عام واحد من آخر حلقة بُثّت من المسلسل سنة 1965.
ليوني كان يبحث عن ممثل أميركي لبطولة «حفنة دولارات» أول والميزانية لم تكن تسمح بممثل مشهور وحدث أن شاهد بعض حلقات هذا المسلسل وطلبه للعمل، لم يتأخر إيستوود وحط أمام مخرج لا يتحدّث الإنجليزية جيّدًا، هذا لا يهم، لا ليوني كان معروفًا إلى حد الشهرة ولا إيستوود أيضًا ومن الصعب تصوّر أن أحدهما كان واثقًا من النجاح الذي حققه ذلك الفيلم الأول من الثلاثية أو ما تلاها.
اقتبس ليوني «حفنة دولارات» من فيلم «يوجمبو» لأكيرا كورساوا «1961» حول ذلك الساموراي «توشيرو مفيوني» الذي يدخل بلدة يتنازع على سلطتها وقهر الفلاحين المساكين فيها زعيمان وعصابتيهما، فيوقع الساموراي بينهما والقضاء عليهما، لكن عندما خرج «حفنة دولارات» للعلن ووجه ليوني بدعوى قضائية باختلاس قصّة الفيلم من دون إذن ما فرض عليه تسوية المسألة قبل إتمامه الفيلم التالي «لأجل حفنة دولارات أكثر».
في نسخة ليوني، نتعرّف على إيستوود كشاب بلا اسم، قليل الكلام، منفرد يتحلّى بالبرودة والثقة، ذكي أو على الأقل، أذكى من سواه، قاس لكنه أقل قسوة أيضًا، يصل إلى البلدة المتنازع عليها بين عصابتين، يجد نزلاً عند صاحب حانة طيّب، يحذّره ذاك من التدخّل في شؤون البلدة، لكن هذا الغريب الذي لا اسم له «يناديه البعض جو، لكنه لا يفصح هو عن اسمه» يعمد إلى إشعال حرب بينهما، وينتقل بين المعسكرين قابلاً العمل حينًا هنا وحينًا هناك، يعرّضه هذا لضرب مبرح يُعتقد بعده أنه مات، لكنه يعود إلى الحياة من جديد وللانتقام من الذين ضربوه حتى التهلكة.
من هذا الفيلم وصاعدًا هناك لازمة في عدد من أعمال إيستوود بعد مرحلة ليوني نراه فيها يعود من موت مفترض لينقذ أو ليحقق عدالة مفقودة «أشنقهم عاليًا»، «الفارس الشاحب» إلخ، تخيّل إيستوود هذه الشخصية على النحو الذي تظهر عليه، هو الذي ركّبها في الفيلم متخلصًا من معظم الحوار الوارد في السيناريو وجسّد الملامح التي اختارها للشخصية كما أراد ليوني لم يوجّه إيستوود في هذا المضمار لكنه كان سعيدًا بإسهام الممثل لخلق شخصية مبتكرة.
عاد إيستوود، في الفيلم التالي من ثلاثية الدولارات إلى تقديم الشخصية ذاتها في حكاية مختلفة، الرجل بلا اسم ما زال يجوب الغرب ويوقع برئيس عصابة «جان ماريا فولونتي» بقبضة القانون أعوان الرئيس يساعدونه في الهرب فيتعرض إيستوود للتعذيب لكنه ينجو من الموت، لاحقًا ما يشترك مع صديقه مورتيمر «لي فان كليف» بالإيقاع بالعصابة التي وصلت إلى بلدة بهدف سرقة مصرفها.
وجود إيستوود كان أمرًا متوقعًا، لكن وجود الأميركي لي فان كليف كان العنصر الجديد في هذه الثلاثية في هوليوود، ومنذ الخمسينات، اشتهر الممثل بأدوار الشر، عيناه الثاقبتان تكاد تخترقان الشاشة، متوتر وينقل بعضًا منه إلى المشهد والمُشاهد أيضًا، في «لأجل حفنة دولارات أكثر» هو ليس شريرًا بالكامل بل شريكًا متعاونًا لإيستوود في عمليات احتيال بسيطة ثم شريكًا له في السعي للانتقام من رئيس العصابة، إيستوود بسبب ما تلقاه منه من تعذيب وكليف لأن رئيس العصابة اغتصب شقيقته قبل سنوات.
على خلفية الحرب
يتحرّك الفيلم الثالث بعيدًا عن الفيلمين السابقين ولو أنه يبقى مرتبطًا بهما كثلاثية إيستوودوية – ليونيّة.
في الجزء الثالث، «الجيد والسيء والبشع»، أضاف ليوني وجهًا أميركيًا آخر هو إيلاي والاك، كان يبحث عن ممثل أميركي آخر يجسد شخصية الجشع الذي لا يؤتمن، شاهده في فيلم «الرائعون السبعة» «The Maginifecint Seve» لجون ستيرجز «1960» والذي، للمفارقة، كان اقتباسًا «مُرخصًا» عن فيلم آخر لأكيرا كوروساوا هو «الساموراي السبعة»«1954».
هذه المرّة إيستوود في إطار حكاية أوسع محيطًا وشأنًا وأكبر حجمًا إنتاجيًا كذلك، خلق ليوني في «الجيد والسيء والبشع» ملحمة من قصة في أساسها بسيطة، البطولة ثلاثية، الجيد أو الطيّب إيستوود يعرف مكان كنز من الذهب أخفاه جندي شمالي خلال الحرب العالمية الثانية في قبر داخل مقبرة، لا أحد سواه يعرف المكان، البشع «إيلاي والاك» ينقذ إيستوود من الموت على أمل أن يدلّه على المكان ليتقاسم الثروة معه أو ليقتله وينفرد بالثروة، السيء «لي فان كليف» لا يقل شرًّا ويريد الثروة لنفسه، ضابط عسكري عنيف وقاسٍ ويسعى لحتفه من دون علمه.
الثلاثة يلتقون في فصل رائع التصميم في منازلة مسدسات أخيرة، هناك قبر مفتوح يسقط فيه لي فان كليف تلقائيًا مات حيث ليس من الضروري نقله، والاك يكتشف أن إيستوود فرّغ مسدسه من الرصاص ويخطط لاستعماله كحفّار، حين يتم استخراج الذهب، يقيد إيستوود يدي والاك وراء ظهره ويربط عنقه بحبل متدلٍ من شجرة ميّتة ويضعه فوق صليب نصف مغروس، الصليب الخشبي يهتز تحت ثقل والاك والكوميديا التراجيدية هنا هي أنه إذا ما وقع الصليب شد الحبل على عنقه وقتله، إذا لم يقع الصليب – ولم يمر أحد بالمكان – مات الرجل واقفًا إنها فكرة لم تخطر على بال فيلم من قبل ولم أرها في فيلم من بعد ولو من باب التقليد.
ليوني في فيلمه اللاحق «حدث ذات مرة في الغرب» يستخدم الفكرة مرة أخرى لكن عوض الصليب يضع الرجل المشنوق فوق كتفي شقيقه الصغير الذي يكاد يسقط من الإعياء «وسيسقط!».