سوليوود «متابعات»
على الرغم من أن الصناعات السينمائية قائمة على السوق وكسب الربح، إلا أنها لم تتخلص من قيود الهياكل السياسية أو الأيديولوجية، أو أنظمة القيم الثقافية التي تقع فيها، كما إنه لا يمكن استبعادها من العلاقات الدبلوماسية والجيوسياسية، ولذلك فمع وصول العلاقات بين الولايات المتحدة والصين إلى أبرد نقطة لها منذ عقود، فإن هوليوود والسينما الصينية عالقتان في المنتصف، وفقا لـ«Eastasiaforum».
تناوبت العلاقة بين هوليوود والسينما الصينية، بين الأجواء التنافسية والتعاونية على مدى العقود الأربعة الماضية، وفي التسعينيات تسبب احتكار هوليوود لسوق الأفلام الصينية، لحدوث أزمة في صناعة السينما المحلية في الصين، حيث قرر صانعو الأفلام المشهورين في دار الفن أمثال زانج ييمو وكايج تشن، اتباع نهج هوليوود والبدء في إنتاج أفلام من النوع القابل للتطبيق تجاريا، وأدى ذلك إلى تحقيق الأفلام الصينية المحلية لعائدات قياسية ومرتفعة في شباك التذاكر.
بحلول أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، استعانت الصين بموارد هوليوود لتحديث صناعة السينما لديها، وحتى منتصف عام 2017 دخلت الشراكة فترة ممتازة وغير مسبوقة، تتميز بتدفق عكسي لتدفق رأس المال الصيني، وبالاستحواذ على أسهم من استوديوهات هوليوود وعلى عدد قياسي من الإنتاج المشترك للأفلام، وقد بلغ هذا الاتجاه إلى ذروته في النصف الأول من العام 2017، حيث موّل رأس المال الصيني 25% من صادرات هوليوود إلى الصين.
ولكن عام 2017 كان بمثابة نقطة تحول في العلاقة بين هوليوود والسينما الصينية، وفي خضم الحرب التجارية التي شنتها إدارة ترمب، وانتقادات السياسيين الجمهوريين الشديدة لـ «خضوع» هوليوود لبكين، سقطت الأفلام والإنتاج المشترك مثل إعادة تصوير فيلم ديزني الجديدة لعام 2020 «مولان» فريسة للسياسة، كما أدّت جائحة «COVID- 19» إلى مزيد من الدمار في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، وجلبت مخاوفًا بشأن انفصال شامل محتمل بين البلدين.
وبعيدًا عن السياسة فقد تغير ذوق الجمهور الصيني أيضًا، بالإضافة إلى أن الصين قد تفوقت على الولايات المتحدة، وأصبح صاحبة أكبر شباك تذاكر في العالم في العام 2020، وتمثل الأفلام المستوردة الآن حوالي سدس إجمالي شباك التذاكر في الصين، وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة %55 تقريبًا في العام، مع تفوق أفلام الصين محلية الصنع على واردات هوليوود مثل فيلم: تينت، المرأة الخارقة، مولان.
يبدأ المتشائمون في التساؤل عن مستقبل هوليوود بدون السينما الصينية، أو السينما الصينية بدون هوليوود.
تواجه هوليوود أكبر تحدٍ لها منذ عودتها إلى الصين عام 1994، حيث لم يعد الجمهور الصيني مفتونًا بأفلام هوليود كما كان قبل عشرين عامًا، وأصبح يُفضل بشكل متزايد الأفلام المحلية، كما لعبت مكانة الصين المتصاعدة على المسرح الدولي، وتغير ميزان القوى العالمي دورًا رئيسيًا في هذا التحول، مدعومًا بنجاح احتواء الصين الناجح لوباء «COVID- 19» وبالإنتعاش الاقتصادي السريع، وعندما عادت أفلام هوليوود التي تشارك العائدات إلى الصين للمرة الأولى، رحب بها الجمهور الصيني بحماس وتوق إلى الإصلاح والحداثة، وقد كانت أفلام هوليوود رمزًا لأسلوب الحياة الأميركي في مجتمع ديمقراطي ليبرالي ومثالي، وارتبطت بالمكانة التي تتمتع بها أفلام هوليوود في الصين ارتباطًا وثيقًا بمكانة الولايات المتحدة، باعتبارها «مدينة منورة على التل» ومنارة للديمقراطية.
ولكن بعد 25 عامًا من الانخراط الكامل، لم يعد الجمهور الصيني مهووسًا بالأفلام الرائجة المتكررة، كما أدى فشل الولايات المتحدة في السيطرة على الوباء إلى خيبة أمل الجمهور الصيني إلى حد كبير، مما أدى إلى تحطيم نواياهم الحسنة الموجودة مسبقًا في نظام الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه فقد تضاءل انخراط الجمهور الكامل بالأفلام والثقافة والقيم الأميركية.
ما الذي يحمله المستقبل للعلاقة بين هوليوود والسينما الصينية؟
ستظل هوليوود لها مكان في الصين، ويكمن السبب الرئيسي في الطبيعة الأساسية لصناعة الأفلام، كعمل تجاري قائم على السوق ومدفوع بالربح، كما أن السياسيون يأتون ويذهبون والسياسة الدولية تتدخل وتنسحب لكن الجماهير موجودة باقية، وفي نهاية المطاف فالذي يحكم العلاقة هو منطق السوق، والذي يعمل كأساس يدعم الشراكة بين هوليوود والسينما الصينية.
كما توفر المؤثرات الخاصة والقيمة المسلية لأفلام هوليوود متعة بصرية لا مثيل لها، وتنفيسًا نفسيًا للجماهير الصينية التي تعمل بجد، وخاصة الشباب الصينيين المحصورين في صراعات الحياة الواقعية.
أحدث نجاح السوق لفيلم الأكشن والمغامرة «السرعة والغضب 9»، وفيلم «جودزيلا ضد كونج»، كما أن إعادة إصدار فيلمي «أفاتار» و«سيد الخواتم» قد أثار الحنين إلى ماضي هوليوود القديمة، كما تشهد متابعة الجمهور الصيني الحماسية لمسلسل «فريندز: لم الشمل» على التأثير والروعة المستمرة لأفلام هوليوود في الصين، وإذا خففت الصين من رقابتها بشكل أكبر وأنتجت مجموعة متنوعة من الأفلام التي تستغل الحساسيات المحلية- مثل بوليوود والموجة الكورية- فقد حان الوقت لذلك مع ظهور أزمة هوليوود التي تلوح في الأفق بالصين.
وبالنظر إلى المستقبل سيكون التحدي الرئيسي هو إدارة الأزمات الثنائية الحالية، والتي قد تخلق حواجز أمام دخول رأس المال الصيني إلى السوق الأميركية والإنتاج المشترك، كما أن الحظر الصيني الحالي لفيلم «نوماد لاند» للفائزة بجائزة الأوسكار «كلوي تشاو»، والذي يبعث برسائل سلبية إلى صناع الأفلام في الخارج، بالإضافة إلى أنهم محبطون من السعي إلى التعاون مع الصين، أو توقع نجاح شباك التذاكر في سوق عرضة للتيارات القومية والتوترات الجيوسياسية.