سوليوود «متابعات»
«المرآة» فيلم من إنتاج عام 1975 للمخرج الروسي آندريه تاركوفسكي؛ وهو سيرة ذاتية للمخرج، يتناول فيه سنوات الطفولة، والأحلام والحرب والثقافة الروسية، جرى تصوير الفيلم في الاتحاد السوفييتي آنذاك، واعتمد الأسلوب التجريبي، وتخللته قصائد بصوت والد المخرج، وفي عام 1990 صنف واحداً من أفضل 12 فيلماً في تاريخ السينما، ووضعته إحدى المجلات في المرتبة 19 ضمن أعظم 100 فيلم في التاريخ.
وبحسب صحيفة الخليج لد تاركوفسكي عام 1932(توفي في 29 ديسمبر/ كانون الأول 1986) في مدينة روسية واقعة على ضفاف نهر الفولغا وفي عام 1939 بدأ التعليم في المدرسة الابتدائية بموسكو، وعند بداية الحرب قطع دراسته، ورجع إلى قريته، وأبدى اهتماماً مبكراً بالرسم والموسيقى، ودرس العربية، لكن بسبب إصابته بارتجاج في الدماغ قطع دراسته.
لفت عمله السينمائي «طفولة إيفان» الأنظار، وقد استند فيه إلى لغة مغايرة في بناء المشهد السينمائي؛ إذ كان يؤكد دوماً أن «الإيقاع هو العنصر الأساسي المكون للسينما»، وينهض فيلمه الأخير «القربان» على قناعة بأن «هدف الفن الارتقاء بروح الإنسان، حتى تكون قادرة على فعل الخير».
وتحت عنوان: «النحت في الزمن» كتب تاركوفسكي مذكراته، وقد ترجمها إلى العربية أمين صالح على شكل يوميات ومحاضرات حول منجزه، وهو يؤمن بأن الإبداع الفني ليس خاضعاً لقوانين مطلقة، سارية المفعول من عصر إلى آخر، بما أنه متصل بالهدف العام، أي فهم العالم فهماً كاملاً، حتى لو كان الطريق نحو المعرفة بلا نهاية، فإن أية خطوة تقرب الإنسان من الفهم الكلي لمعنى وجوده، لا يمكن أن تكون محدودة؛ بحيث لا تؤخذ بعين الاعتبار.
يقول: «ليس الغرض من الكتاب تعليم الآخرين أو فرض وجهة نظري عليهم، غايته الرئيسية أن يساعدني في إيجاد طريقي عبر متاهة من الإمكانات والاحتمالات المتضمنة في هذا الشكل الفني الشاب والجميل، الذي لم يسر جوهرياً إلا في حدود ضيقة، ولكي أكون قادراً على إيجاد نفسي ضمنه، على نحو كامل ومستقل».
لقاءات تاركوفسكي المتكررة مع الجمهور، جعلته يشعر بضرورة تقديم بيان كامل ومفصل قدر الإمكان، الجمهور كان يرغب في فهم كيفية وسبب تأثير السينما وأفلامه بوجه خاص، وقدرتها على تحريك المشاعر، كانوا يبحثون عن أجوبة عن أسئلة لا تحصى، من أجل إيجاد قاسم مشترك مع أفكارهم العشوائية والمضطربة بشأن السينما والفن عموماً.
كان يقرأ بعناية واهتمام كل الرسائل التي تصله من أفراد شاهدوا أفلامه، بعضها كان يثير في نفسه الأسى، وبعضها كان مشجعاً إلى حد كبير، ويستشهد المخرج الكبير بنماذج من تلك الرسائل، ليوضح طبيعة الاتصال الذي تحقق بينه وبين جمهوره، هذا الاتصال الذي شابه عدم فهم لما يفعله، خاصة بعد عرض فيلمه «المرآة».
مهندس معدات عبر في رسالة له عن سخطه البالغ: «بعد نصف ساعة من مشاهدة (المرآة) غادرت الصالة أيها الرفيق المخرج هل شاهدته؟ أظن أنه يحتوي على شيء ضار وغير صحي، أتمنى لك كل النجاح في عملك، لكننا لا نحتاج إلى فيلم كهذا» مهندس آخر قال: «كم هو مبتذل فيلمك، كم هو مقزز، أي هراء وتفاهة، فيلمك مجرد صور فارغة وعقيمة على أية حال، هو لم يصل إلى الجمهور بالتأكيد، وهذا هو المهم».
صمد تاركوفسكي أمام هذا الهجوم لاقتناعه بأن ثمة أفراداً يهتمون بأعماله، ويترقبون رؤيتها، امرأة كتبت له: «أشكرك على (المرآة) طفولتي كانت كذلك، كم هو جميل تصوير فيلمك ليقظة الوعي عند الطفل، لمشاعره وأفكاره، يا إلهي كم هو صادق، كم هو بسيط فيلمك، أتعلم، في الصالة المظلمة، وأنا أنظر إلى قطعة القماش (الشاشة) المضاءة بموهبتك، شعرت للمرة الأولى في حياتي بأنني لست وحيدة؟!».
وكتب مدرس يقول له: «الفيلم يساعد المرء على تحرير نفسه من حالات القلق والضغوطات، التي تثقل كاهله، لقد حضرت إحدى المناقشات حول الفيلم، وكل من تكلم صرح قائلاً: الفيلم يتحدث عني» وكتب رجل عجوز: «إنه شيء يدعو للأسف أنك نادراً ما تظهر في الصحافة، أنا واثق من أن لديك الكثير لتقوله».