سوليوود «متابعات»
سجلت أيام عام 1814م البدايات الأولى للرسام الياباني التاريخي كاتسوشيكا هوكوساي، والذي يعد أول مَن أطلق على رسوماته مصطلح قصص «المانجا»، ولا تزال واحدة من أشهر حكاياته بعنوان «الموجة العظيمة قبالة كناجاوا» في حفظ وصون متحف «غيميه» الباريسي؛ لتتحول القصص المرسومة بعد «هوكوساي» بفترة ليست بالقصيرة، وتحديداً في منتصف القرن الماضي، إلى تجارة فنية رائجة تُدر على منتجيها ملايين الدولارات، وقوة ناعمة شغفت قلوب الملايين من مراهقي العالم حباً.
وبحسب ما أشار موقع كيو بوست، لقد ارتبطت ذاكرتنا الغضة منذ الثمانينيات الميلادية بمسلسلاتِ الرسوم المتحركة «الإنمي»، والتي كانت ولا تزال تستند في محتواها إلى حكايات «المانجا»، وأصبح لرسامين من أمثال «أوسامو تيزوكا»، مبتكر شخصية «الأسد كينبا» وشخصية «الفتى أستروا»، ومَن جعل الشخصيات الكرتونية اليابانية بعيون واسعة وجريئة على غير المعروف عنها؛ وذلك تأثراً بموجة رسومات ديزني، كما لا يمكن تجاهل اسم الرسام الياباني «كاتزاوا راكوتين» الذي اختلط مجهوده الفني ورسوماته بذكريات ورائحة الحروب والبارود والسياسة، أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية.
أثناء وبعد تلك الفترة، كانت جداتنا في الخليج العربي يتقاسمن مع «التليفزيونات» بساعات بثها القصيرة وظيفة ترفيه أحفادهن عبر سرد السباحين؛ وهي قصص وحكايات شعبية تُروى للأطفال؛ ولكنها ليست عن حذاء الأميرة سندريلا، أو الدجاج الذي يبيض الذهب، وليس للغابة مكان في تفاصيل تلك السباحين! وهنا ربما يحضر في ذاكرة مَن عاشوا تلك الفترة شخصية «الجدة حبابة»، التي قامت بأدائها الممثلة الكويتية الراحلة مريم الغضبان رحمها الله ضمن برنامج تليفزيوني من إنتاج مسرح السلام في الكويت 1977م، حين كانت الأم العود «حبابة» تروي حكاياتها الشعبية لأطفالها عن قيم الصبر والفرج الذي يأتي دائماً بعد ضيق الحال؛ وهي من الموضوعات الرائجة في الحكاية الشعبية الخليجية التي يفضي بها العقل الجمعي عبر قيم تناسب العصر والمكان الذي نشأت فيه، فمن حكايات الريف التي تدور حول صراع الزوجات وظلم الأقارب، وقصص الجن والعفاريت، إلى حكايات المدينة التي تعج بتفاصيل الثراء السريع، والصراع من أجل المكانة والسلطة.
تأتي مناسبة حديثي اليوم والتنقل السريع بين تاريخ السرد القصصي لـ«المانجا» و«الإنمي» اليابانية، وبين التجوال في ذاكرة «سباحين» الجدات في الخليج، وأنا أقرأ في حسابات التواصل الاجتماعي عبر «تويتر» خبر تدشين عرض فيلم «الرحلة»؛ وهو ثمرة تعاون بين الشركة اليابانية العملاقة في إنتاج الرسوم المتحركة «توئي إنيميشن» و«مسك الخيرية»، إحدى مؤسسات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وذلك عبر ذراعها الإنتاجية شركة «مانجا» العالمية لإنتاج الرسوم المتحركة، بمحتوى شعبي أسطوري صنعته المواهب السعودية، بقالب سرد عالمي.
اليوم الحكاية الشعبية تعد مرآة لعادات وتقاليد الشعوب، وتعكس شخصية الجماعة، وتعد ناقلاً للمعارف والمعتقدات، وتسهم بدروها في تنمية طاقة الخيال للعبور نحو المستقبل، ولا أخفيكم شخصياً، لم أستطع ومن الصعوبة عليَّ أن أقاوم «نستولوجيا» أسلوب حكايات سباحين جدتي عن الزناتي وبطولات «أبو زيد الهلالي»، أو قيم الفروسية لقصة «عرار وعمير»، أو عن فانتازيا الأخلاق العظيمة في سبحانية «بقرة اليتمان» بلهجة قصيمية وسرد مثير ومحكم، لم أجد له مثيلاً إلا في حكايات «فايبل» جان دي لافونتين، لكنني اليوم أمام مسؤولية هذا الكم الهائل من صراع الهويات الذي أنتج لنا مجتمعات حداثية هجينة لا يسعني إلا انتظار أن تسنح لي الفرصة لحضور فيلم «الرحلة» بفضول وقلة صبر؛ لأعرف كيف ستكون مساهمتنا وحصتنا في هذا السوق التراثي والثقافي الهائ