سوليوود «خاص»
شهدت الساحة الفنية السعودية على مدار تاريخها الممتد لعشرات السنوات وجود الكثير من الشخصيات التي أثرت المجال الفني السعودي وساهمت في تقدمه بشكل كبير، وكان المخرج والمنتج السعودي «سعد الفريح»، من بين هذه الشخصيات التي ساهمت بقوة في إعلاء قيمة الفن السعودي، حيث يعد أول المُخرجين السعوديين في التلفزيون السعودي، ولم يكتفي بذلك بل كان مدرسة إبداعية مكّنت العديد من الوجوه الفنية من تَسيُّد الشاشة لعقود، فهو صانع التحوّل نحو توطين التلفزيون واستقطاب الكوادر المحلية.
قدم المخرج والمنتج السعودي «سعد الفريح» على مدى 50 عامًا، العديد من الأعمال الفنية المتنوعة بين المسرح والسينما والدراما التلفزيونية، كما تعدّدت بصماته في فضاء الإخراج، فهو يعتبر المؤسس لدخول المخرجين السعوديين للمجال التلفزيوني، في زمن كانت البرامج والأعمال الدرامية تُصنَع بأيدٍ غير سعودية.
حصل «الفريح» على شهادة دبلوم في الإنتاج والإخراج من الولايات المتحدة، وتقلد منصبًا في وزارة الإعلام، وحصد العديد من الجوائز، وكان أيقونة في التلفزيون السعودي، كما شكّل علامة مميزة في تاريخ الإخراج السعودي.
ولد «سعد الفريح محمد عفنان التميمي» عام 1360 في إحدى قُرى مدينة حائل، ودرس في قريته مراحل تعليمه الأولى، وأظهر منذ الصغر رغبته في التعلم والاطلاع، مما جعله مميزًا بين أقرانه.
والتحق الراحل بشركة أرامكو، ليكمل دراسته في مدارسها إلى جانب دراسته للغة الإنجليزية، ليتعين بعدها في مستشفى أرامكو متقلدًا العديد من المناصب، وفي فترة عمله كان تلفزيون أرامكو ينوي عمل برنامج عن التثقيف الصحي، وبمحض الصدفة وقع الاختيار على القسم الذي كان يعمل فيه «سعد» لتصوير بعض المشاهد، لينطلق بعدها شغفه بالسينما والتلفزيون، فيتدرب على الإخراج في قناة الشركة لمدة سنة، ومنها تبدأ مسيرته الإخراجية عبر العديد من البرامج من أبرزها: برنامج «المباراة الثقافية» من تقديم فهمي بصراوي، وبرنامج «فنجان قهوة» من تقديم محمد عبدالوهاب سلامة، كما أخرج برنامج «سهرة الإثنين» حيث استضاف بالبرنامج العديد من الأسماء اللامعة في الفن والشعر أمثال: بكر يونس، طلال مداح، طارق عبدالحكيم.
وتشكلت موهبة «الفريح» من خلال أعماله، حيث كان سببًا في توطين الإخراج التلفزيوني في السعودية، واضعًا بصمته التي لن تمحى في صناعة الفنون في بلده، ومُسطّرًا تجربة طويلة امتدت لنحو 50 عامًا، تعامل الراحل خلالها بمنتهى التفاني والإبداع، حتى أصبح من أهم المخرجين العرب.
الأستاذ «علي الهويريني» قال عن تلك التجربة الثرية: «كان سعد الفريح أيقونة التلفزيون، حيث تدرب على يديه العديد من نخبة رواد الإخراج السعودي، منهم عبد الكريم السيف، محمد الشقاوي، خالد الطخيم، سعد الوثلان، محمد العتيبي، وعبد الله العتيبي».
بدأ مشوار «الفريح» في التلفزيون السعودي عام 1964م، وذلك حين عينه وزير الإعلام «جميل الحجيلان» في الوزارة، مع تعيينه لمدير مشروع إنشاء التلفزيون السعودي، ليقدم بعدها العديد من الأعمال الإخراجية سواءً السينمائية أو الدرامية.
وفي منتصف الستينيات استعان التلفزيون السعودي بـ«الفريح» للمساهمة بأعماله، فأخرج له في عام 1966 أول مسلسل بعنوان «العيادة» الكوميدي من بطولة «حسن دردير»، «لطفي زيني» كما أخرج مسلسل «البرهان المفقود».
وفي عام 1967 أخرج أول مسرحية بعنوان «أنا أخوك أمين» من تأليف الفنان «طلال مداح»، ومن بطولة «حسن دردير» و«لطفي زيني» أيضًا، كما أنه أخرج أول مسرحية مونودرامية للفنان «ناصر القصبي» عام 1984 بعنوان «حلم الحياة».
كما كان له دور في إخراج أول فيلم سينمائي بعدسة كاميرا 16 ملم، وهو فيلم «تأنيب الضمير» من بطولة حسن دردير، ودور في إخراج سهرتين تلفزيونيتين عام 1980 هما: سهرة «بلا ضفاف» وسهرة «بطاقة عودة من الغربة»، كما أخرج أيضًا سهرة بعنوان «نورة» من بطولة «محمد العلي»، «أسمهان توفيق».
كما كان للأفلام الوثائقية دورًا في مسيرته الحافلة، حيث أخرج الفيلم الوثائقي «الغيث والليث»، وفيلم «نفحات شذا عطر» من ملحمة «عيد الرياض»، وفيلم «أسماء في الذاكرة.. هذا هو عبدالعزيز» من تأليفه ورؤيته.
ومن البرامج التي أخرجها برنامج «العيون الساهرة»، وبرنامج المسابقات «ألعاب مفتوحة»، كما أخرج أول «سينما كليب» للفنان «محمد عبده» لأغنية «حبيبي مرني في جدة».
وقدم «الفريح» للشاشة العديد من الوجوه السعودية من أبرزهم: «سعد خضر»، «محمد العلي»، «عبدالله السدحان»، «بكر الشدي»، «علي الهويريني».
المذيع «عبدالله الشّهري» قال عن الراحل: «كان علامة مميزة في تاريخ الإخراج السعودي، وقد أثرت تجربته في لندن في موهبته وقدرته بشكل استثنائي، مما انعكس على الأعمال التي انتهجها بعد ذلك، سواءً فيما يتعلق بالسينما أو الأعمال التلفزيونية.
كما قدم «الفريح» الكثير للساحة الفنية السعودية ما جعله يستحق التكريم والاحتفاء به في العديد من المناسبات، نال جائزة من جهاز التلفزيون عام 1979، وكُرم في كثير من المهرجانات والملتقيات الفنية والثقافية، منها مهرجان الإنتاج التلفزيوني لدول مجلس التعاون الخليجي كرائد من رواد الحركة الفنية في المنطقة، كما اُختير مرارًا للقب أفضل مخرج سعودي.
وفي عام 2006م، كُلِّف «سعد الفريح» بالإشراف العام على أوبريت حفل استقبال أهالي مدينة حائل، لزيارة الملك «عبدالله بن عبدالعزيز» الأولى للمنطقة من بعد توليه الحكم، وخلال الترتيبات والتجهيزات للعمل الفني أصابه الإرهاق من شدة اهتمامه بعمله، فاجتمع بآخر فريق كان يعمل معه وأوصى كل واحد منهم بالاهتمام بعمله، ليذهب بعدها إلى النوم وقد كانت تلك نومته الأخيرة، التي أفقدت الساحة السعودية أحد أهم روادها.