من حسنات المنصات الرقمية اهتمامها بالأفلام الوثائقية والقصيرة، خاصة تلك التي تعالج قضايا وقصصاً اجتماعية مهمة لا تتناولها السينما التجارية عادة، ومن الأفلام الروائية القصيرة الجديدة التي تعرضها منصة «نتفليكس» فيلم «الهدية» الفلسطيني للمخرجة الشابة فرح نابلسي، الذي رشح للأوسكار وحصل على أفضل فيلم قصير في جوائز «بافتا» البريطانية، وفيلم «غريبان متباعدان» Tow Distant Strangers الذي حصل على أوسكار أفضل فيلم روائي قصير.
فيلم «الهدية» يلعب بطولته صالح بكري، ابن الممثل الفلسطيني المعروف محمد بكري، وهو يدور حول زوج وأب بسيط يصطحب ابنته لعبور الحاجز الفاصل في غزة لشراء ثلاجة جديدة لزوجته، والمعاناة التي يمر بها الاثنان في هذه الرحلة التي لا تزيد على عدة أمتار ولكنها محفوفة بالمخاطر والمعوقات. وجدير بالذكر أن الحاجز كان خلفية لعدد من الأفلام القصيرة والطويلة التي صنعت في السنوات الأخيرة ومنها فيلمان للمخرج أمين نايفة هما الفيلم القصير «العبور»، 2017، والفيلم الطويل «200 متر»، وكلاهما عرض في العديد من المهرجانات العربية والدولية وحصلا على جوائز عديدة.
من ناحية أخرى يتناول فيلم «غريبان متباعدان» الأمريكي، إخراج ترافون فري ومارتن ديزموند رو، وجهاً آخر للعنصرية التي يعانيها الأمريكيون الأفارقة، ومن مظاهرها المؤسفة تعرض الكثير منهم للفتل على يد رجال الشرطة، كما حدث لجورج فلويد العام الماضي، وهو الحادث الذي تسبب في قيام مظاهرات وأحداث عنف كثيرة في الولايات المتحدة وبعض دول العالم.
يستلهم «غريبان متباعدان» فكرة الفيلم الكلاسيكي «يوم الجراوند هوج» Groundhog day، إخراج هارولد راميس، وبطولة بيل موراي وآندي ماكدويل، 1993، الذي يدور حول رجل يجد نفسه عالقاً في يوم واحد لا يستطيع الخروج منه، تتكرر أحداثه بلا نهاية. ويروي «غريبان متباعدان» قصة شاب أفريقي أمريكي (جوي بادا) يستيقظ ذات صباح في منزل شابة تعرف عليها مؤخراً، ويغادر منزلها ليعود إلى بيته، ولكنه يتعرض لتحرش رجل شرطة عنصري يقوم بمهاجمة الشاب بمهاجمته وقتله خنقاً مثل جورج فلويد، ليكتشف أنه كان كابوساً، ولكن عندما يستيقظ يتكرر الكابوس بطريقة أخرى، ويظل عالقاً في هذا الكابوس، ويقتل في كل مرة مهما فعل، لأكثر من 100 مرة. وفي أحد المشاهد يسقط الشاب مضرجاً في بحيرة من الدم ترسم خريطة أفريقيا، وينتهي الفيلم بسرد لأسماء عدد كبير من الأمريكيين الأفارقة الذين قتلوا على أيدي رجال الشرطة خلال السنوات الماضية، وجدير بالذكر أن أحد مخرجي الفيلم، وهو ترافون فري، حضر حفل توزيع جوائز الأوسكار مرتدياً سترة مبطنة بأسماء هؤلاء الضحايا، الذين يهدى الفيلم لذكراهم.
فيلم قصير آخر على «نتفليكس» يتناول الموضوع نفسه، ولكن في قالب وثائقي، هو «أغنية حب من أجل لاتاشا» A Love song for Latasha، إخراج صوفيا ناهل أليسون. الفيلم الذي رشح لأوسكار أفضل فيلم قصير لعام 2019 يروي قصة مقتل لاتاشا هارلينز، وهي فتاة لم تكن تتجاوز الـ15، برصاص شرطة لوس أنجلوس منذ 30 عاماً، في 1991، وينتمي الفيلم لنوعية «الوثائقي الابداعي»، حيث لا تكتفي المخرجة بسرد الوقائع، ولكن تضعها في قالب فني جمالي من خلال صورة تستدعي صورة فيديو التسعينيات واستخدام فني للمونتاج والرسوم المتحركة والمؤثرات الخاصة.