سوليوود «متابعات»
بقدر ما يبدو فيلم Promising Young Woman «امرأة شابة واعدة» للمخرجة إيمرالد فينيلل مألوفاً وتقليدياً، بقدر ما يبدو جديداً ومبتكراً، كما لو أن هناك لمسة من السحر قد مسته، شابة تعرضت صديقتها للاغتصاب، تسعى للانتقام من الرجال، فكرة سبق أن شاهدناها في عشرات الأفلام القديمة والحديثة، ولكن لماذا يبدو كل شيء مختلفاً هنا؟ هل هو السيناريو البارع الذي كتبته فينيل، وحصلت عنه على جائزة أوسكار مستحقة بجدارة؟ أم هو بطلة الفيلم كاري موليجان، التي رشحت للأوسكار وكانت قاب قوسين أو أدنى من الحصول عليه؟ أم أن هذا السحر منبعه تضافر عناصره الفنية كلها، التي رشحته للفوز بخمس جوائز أوسكار بالإضافة إلى فوزه بعدد آخر من أكبر الجوائز البريطانية والأمريكية؟، وفقًا لما ذكره موقع الرؤية.
هناك شيء ساحر في «امرأة شابة واعدة» لا يمكن الإمساك به، ولكنه نتاج كل ما سبق معاً، وهذا في الحقيقة سر الأعمال الفنية المتميزة التي يصعب على المرء أن يحدد سبب تميزها.
هو فيلم كوميدي، لكن للكوميديا فيه طعماً مراً كالحنظل، وهو فيلم «بوليسي» مشوق، لكن التشويق فيه ينقلب إلى مأساة، وهو فيلم اجتماعي يناقش واحدة من أسخن القضايا المعاصرة، لكن الواقع فيه أشبه بكابوس يعجز المرء عن الخروج منه.
بداية الفيلم تدل عليه: امرأة تستلقي على أريكة في ملهى ليلي، تترنح، متعبة، ومجموعة من الشبان ينظرون نحوها بطمع، لكن ألطفهم يتقدم لمساعدتها ويعرض عليها أن يصطحبها إلى منزلها، في التاكسي يعرض عليها أن يمران لبعض الوقت على بيته، حيث يدعوها لتناول أي مشروب، ويبدأ في التقرب منها رغم أنها غير واعية بما يحدث فجأة، في اللحظة الحاسمة تنهض في كامل وعيها وتنظر إليه نظرة مرعبة، في اللقطة التالية تسير صباحاً ويسيل من يدها لون أحمر قانٍ يشبه الدم، أو ربما لون «كاتشاب» شطيرة هامبورجر تقوم بالتهامها، تتعرض لتحرش بعض العمال المارين، فتنهرهم ببسالة، ثم تعود إلى البيت الذي تعيش فيه بصحبة والديها.
في ما بعد سنعرف بالتدريج أنها مكتئبة وتعرضت للعلاج النفسي بعد انتحار أعز صديقاتها، التي تعرضت لاغتصاب جماعي على يد زملائها في كلية الطب وفشلت في إثبات حقها ومعاقبة المغتصبين، كما نعلم أن الفتاة، كاسي، وصديقتها، نينا، قد تركتا كلية الطب بعد الحادث، الذي مرت عليه 8 سنوات.
كاسي الآن تعمل نادلة في كافيتريا نهاراً، وفي الليل تتنكر للانتقام من المتحرشين، ولكن انتقامها لا يزيد على بث الرعب في نفوسهم وتلقينهم درساً لا ينسونه.. إلى أن تلتقي زميلاً قديماً من الكلية يخبرها بأن مغتصب صديقتها على وشك الزواج، فتقرر أن تثأر بادئة بالذين تواطؤوا مع الشاب: زميلة شاهدت الواقعة ورفضت أن تُدلي بشهادتها، عميدة الكلية التي تبنت موقف الشاب، محامي الشاب الذي نجح في تشويه سمعة الفتاة المغتصبة وإبراء سمعة المتهم.. وهنا تبدأ سلسلة من المفاجآت المشوقة.
أقوى ما ينجح الفيلم في إثباته أن الاغتصاب والتحرش لا يرتبطان بالفظاظة أو المظهر العنيف، وكثيراً ما يأتيان من قبل رجال شديدي الجاذبية واللطف والدماثة، وكما تقول إحدى شخصيات الفيلم فإن الرجال الذين يتبنون قضايا النسوية هم الأكثر انحرافاً في علاقاتهم، النقطة الأخرى هي إثبات أن المحيطين بمثل هذه الوقائع يتحملون مسؤولية مماثلة بسكوتهم وتبريراتهم ودفاعهم عن الجناة.
يسبح «امرأة شابة واعدة» في صورة أيقونية غريبة، من خلال الديكورات والألوان وملابس وماكياج الشخصيات، كما لو أن الفيلم هو حلم طويل تعيش داخله كاسي، حيث تتحول بمرور الوقت إلى قديسة تضحي بنفسها لتحقيق العدالة.
إيمرالد فينيل مؤلفة ومخرجة العمل هي ممثلة بريطانية معروفة «واحد من أحدث أدوارها لعب دور كاميلا عشيقة الأمير تشارلز في مسلسل «التاج»»، ومن المدهش أن «امرأة شابة واعدة» هو أول عمل لها كمخرجة، ومن المؤكد أنه لن يكون الأخير!