سوليوود «متابعات»
يتناول الكتاب الجديد لأمير العمري «أفلامكم تشهد عليكم» مشكلات السينما العربية عبر الأفلام نفسها، أي من خلال أفلام ذات أوجه متعددة من فلسطين ومصر وتونس ولبنان والمغرب والجزائر وسوريا والسعودية. وقد استهدف تناول الفيلم الروائي تحديدا، وينطلق من مستقبل الفيلم الروائي في سياق الصراع الدائر بين الثقافات، وأيضا في خضم ما يطرأ يوميا من ابتكارات واختراعات جديدة توفرها تكنولوجيا الصورة، حسب موقع العرب.
يشكل كتاب الناقد السينمائي المصري أمير العمري «أفلامكم تشهد عليكم» قراءة مهمة في اهتمامات السينما العربية ومشكلاتها وطرق تعبيرها، حيث يتطرّق عن قرب بالتحليل إلى العديد من القضايا من بينها علاقة السينما بالأدب وعلاقتها بالعالم، وموضوع التمويل الفرنسي للأفلام العربية وتأثيره على السينمائيين في المشرق والمغرب، ومراحل تطوّر السينما الفلسطينية وصولا إلى أحدث ما أنتجته، بالإضافة إلى مثلث الجنس والدين والسياسة من منظور سينما «التركيبة» أو الوصفة السائدة، وكذلك منظور السينما الأكثر طموحا.
ويرى العمري في كتابه الجديد الصادر عن دار “خطوط وظلال” الأردنية أن أهم العقبات التي أعاقت حتى الآن البحث الجاد في موضوع السينما العربية، أننا في الوطن العربي، ربما دون سائر الكيانات القومية في العالم، لا نمتلك أرشيفا سينمائيا حقيقيا للأفلام العربية، ولا مركزا واحدا للدراسات السينمائية يتخصّص في إصدار الكتب والدوريات السينمائية ويؤرشف لجميع الإصدارات باللغات المختلفة في العالم، ويضم مكتبة للأفلام.
ويضيف كما أن الاهتمام بالسينما من الناحية الثقافية لا يلقى ما يستحقه من اهتمام من جانب المؤسسات الثقافية الرسمية، وتكاد المكتبة العربية تنأى بنفسها تماما عن نشر الرسائل والأبحاث الجامعية التي أعدّها باحثون عرب حول الجوانب المختلفة للسينما في هذا البلد العربي أو ذاك، وحول أعمال هذا المخرج أو ذاك.
تذمّر مكرّر
يؤكّد العمري أن الحديث المتواصل عن الأزمة التي تعاني منها السينما العربية هو حديث متكرّر ومعاد منذ أن بدأنا نعي وندرك، نقرأ ونشاهد ونسمع”. وهو بالتأكيد حديث يبالغ فيه منتجو السينما العربية بغرض لفت الأنظار إلى أهمية دعم المهنة التي يشتغلون بها.
والمقصود التباكي على قلة ما هو متاح من إمكانات للإنتاج السينمائي في الدول العربية. وحديث الإمكانات والموارد المالية المحدودة المستثمرة في الإنتاج السينمائي العربي، يهدف في الكثير من الأحيان، إلى التغاضي عن ضعف المواهب الشخصية للمخرجين. وكأنهم يرهنون تطوّر الموهبة أو حتى بزوغها، بتوفر الحالة المثالية التي يطالبون بتحقّقها في مجال الإنتاج السينمائي.
وإضافة إلى ما في هذا التصوّر من رومانسية بعيدة عن الواقع تعزل ظاهرة النشاط السينمائي عن النشاط الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي عموما، هناك أيضا خطورة تكمن في تكريس الوضع الراهن وتثبيته مع تغليب الدعوة إلى «الإصلاح السينمائي الشامل» على الدعوة إلى الكشف عن الموهبة الحقيقية الكامنة والموجودة بالفعل، ودفعها إلى الأمام وتبنيها بروح موضوعية بناءة تتغلب على حالة «القمع» الثقافي والفكري التي يمارسها «قطيع» من أشباه المثقفين ضد كل موهبة جديدة ناشئة، كونها فقط مختلفة عن التيار السائد، أو رافضة لأنماط التقولب التي يرتضيها الجميع ويتشبثون بها حتى النهاية.
ويؤكّد الناقد السينمائي المصري أن تطوير الفيلم العربي، أي الفيلم الذي ينتج في الدول العربية على تباين ظروفها وخلفياتها الثقافية، لن يتحقق إلاّ إذا ترسّخت فكرة أن الفن السينمائي هو في الأصل والأساس إبداع يعتمد على الخيال الفردي، ووسيلة من وسائل التعبير الفردي يشترك في إنتاجها مع صاحبها فنانون أفراد كثيرون، وليست مجرد وسيلة لتحقيق الشهرة والجاه.
وهو في ذلك يقول ولكي يتحقّق هذا، لسنا في حاجة إلى الانتظار طويلا إلى أن تتحقّق الظروف المثالية، وهي ظروف لا تتوفر على أي حال، في أي مكان من العالم.
ويلفت إلى أنه ليس صحيحا القول إن الفيلم المصري السائد في أدنى طبعاته، يحقّق شيوعه وانتشاره نتيجة ارتكازه على مفاهيم وأنساق علاقات وبنى تجد لها صدى كبيرا عند جمهور المشاهدين الذين يفكّرون ويعيشون ويتكلمون مثل أبطال هذه الأفلام، فهذه نظرة عقيمة تماما بل وكاذبة.
ويتابع العمري إن نجاح الفيلم الروائي المصري في الوصول إلى طبقة عريضة من الجمهور العربي، يعود أساسا إلى استناد هذا الفيلم إلى تقاليد الحكي الشعبي ذي النهاية الوعظية.
ولم لا؟ أليس هذا الشكل مستمد من كل حكايات الجدة وقصص الأطفال والحكايات التراثية بل والقصص التي تحفل بها الكتب المقدسة أيضا؟ هذه التقاليد تستطيع أن تصنع فيلما عظيما كما تستطيع أن تولد فيلما محدود القيمة والأثر.
والعبرة هنا بقدرات المخرج وموهبته واتساع خياله واستناده من الأصل، على نص سينمائي متين ومتسق ومقنع. إن أفلاما مثل «شباب امرأة» لصلاح أبوسيف، و«رجب فوق صفيح ساخن» لأحمد فؤاد، و«للحب قصة أخيرة» لرأفت الميهي، و«الجوع» لعلي بدرخان، و«ليه يا بنفسج» لرضوان الكاشف، و«أحلام هند وكاميليا» لمحمد خان، و«الصعاليك» لداود عبدالسيد، و«البريء» لعاطف الطيب و«يا دنيا يا غرامي» لمجدي أحمد علي، هي أفلام تدور حول عدد من المحاور الجوهرية المستقرة في الضمير الشعبي، ضمير المشاهدين.
ثنائيات مثل الخير والشر، الدين والدنيا، الحياة والموت، وبعض المعاني والتأملات عن مغزى الشرف، ومفهوم الحب والصداقة والرجولة الحقّة، والتضحية الكبيرة التي تقدّمها المرأة من أجل مواصلة مشوار الحياة،
وكيف تنتهك المدينة براءة الريفي الساذج، وكيف يتفرّق الأصدقاء أو الأشقاء بسبب الطمع والإغراء.
وقد نجحت هذه الأفلام دون ادعاءات في الوصول إلى الجمهور دون تشويش ودون تشويه، واعتبرت امتدادا للتيار الشعبي الأصيل في الفيلم الروائي المصري.
ويوضّح نستطيع مقارنة هذه الأفلام مع أفلام أخرى استخدمت الثيمات نفسها على مستوى آخر وفي إطار مختلف تماما، مثل «الأب الشرعي» و«الوداع يا حبيب العمر» «الفاتنة والصعلوك» و«شعبان تحت الصفر» و«البيه البواب» واشتباه’.. إلخ، وهي أفلام تقوم بتشويه الحكايات الشعبية وابتذالها في ميلودرامات سخيفة أو هزليات دخيلة على الكوميديا الساخرة الرفيعة بالطبع.
سؤال الهوية
في إطار تساؤلاته حول هوية السينما العربية، يوضّح العمري أن التراث السينمائي تراث إنساني ينتمي إلى البشرية بأسرها، يساهم في صنعه فنانو السينما في الشرق والغرب، يتبادلون التأثيرات والمؤثرات دون كهنوت أو وصاية.
لكن السؤال الأهم والمطروح بشدة في عالمنا العربي في مواجهة شتى أشكال الغزو الثقافي الفكري والسياسي منذ أوائل هذا القرن وحتى اليوم، هو سؤال الهوية، فإننا نطرح باستمرار موضوع «هوية السينما العربية» وبالتالي «هوية النقد السينمائي العربي» أحيانا دون أن نعي أن السينما فن حداثي متعدد الهوية في الحقيقة والواقع، وأنه لا يستطيع أن ينشأ ويستمر في إطار ثقافة معينة، دون أن يتأثر بالإبداع السينمائي الذي ينتمي إلى الثقافات الأخرى.
وطرح سؤال الهوية مشروع فقط في إطار البحث عن خصوصية الإنجاز السينمائي العربي على مستوى الرؤية والإبداع والتعبير المتنوّع والثري والأصالة في الطرح والمعالجة.. وإلاّ فإن البديل يصبح الدعوة إلى «سلفية» سينمائية لا وجود لها بالطبع لحسن الحظ.
ويتساءل العمري عن مغزى التمويل الفرنسي للأفلام العربية، وهل يخفي هذا التمويل وراءه أغراضا خفية، أم أنه وسيلة بريئة يلجأ إليها السينمائيون العرب للخروج من مأزق الإنتاج في بلادهم؟
ويقول شهدت السينما العربية ظهور أفلام عديدة، في تونس والجزائر والمغرب ولبنان وسوريا وفلسطين، من التمويل الفرنسي، منها أفلام حقّقت سمعة طيبة للفيلم العربي في الكثير من المهرجانات الدولية واستطاعت أن تطوّر جماليات الفيلم العربي، إلاّ أن هذه الأفلام لم تمر مرور الكرام عند الكثير من النقاد، بل تعرّضت لهجوم شديد وصل إلى حد اتهام المخرج بالعمالة والخيانة على المستوى الثقافي والخضوع للأفكار المغرضة التي يفرضها الطرف الفرنسي القوي على الطرف العربي الضعيف الذي يضطر لقبول شروط الممّول الرئيسي.
لكن موجة الإنتاج المشترك مع فرنسا لم تتراجع بل ازدادت وامتدت أيضا إلى السينما المصرية بعد سينما شمال أفريقيا العربية، فغالبية الأفلام التي أخرجها يسري نصرالله من التمويل الفرنسي ومن أشهرها “سرقات صيفية”، مرسيدس، المدينة، باب الشمس، جنينة الأسماك، وبعد الواقعة، وأخرجت أسماء البكري فيلميها شحاذون ونبلاء، وكونشرتو درب سعادة، من التمويل الفرنسي أيضا، ثم أخرج رضوان الكاشف فيلمه المرجعي عرق البلح من التمويل الفرنسي، ويوسف شاهين رائد الحصول على التمويل الفرنسي في مصر منذ فيلمه الوداع يا بونابرت عام 1985 حتى آخر أفلامه.
ويواصل العمري تحليله لقضية التمويل الفرنسي خاصة والأجنبي عامة متناولا أبرز أفلامها والقضايا التي طرحتها وطرائق معالجتها، لينطلق بعد ذلك على امتداد الكتاب البالغ عدد صفحات 330 صفحة في تحليل ونقد 22 فيلما لمخرجين من مختلف الدول العربية منها أفلام بابيشا للجزائرية مونيا مدور، وآدم للمغربية مريم توزاني، وغزة حبي للمخرجين طرزان وعرب ناصر، وتل أبيب ع نار، ومفك للمخرج سامح زغبي، والصدمة، أو قضية 23، للبناني زياد الدويري، وكفر ناحوم للمخرجة نادين لبكي، والرجل الذي باع ظهره للتونسية كوثر بن هنية.
وأيضا فيلم سيدي المجهول للمغربي علاءالدين الجم، وطلاسم للتونسي علاءالدين سليم، أريكة في تونس للتونسية منال العبيدي، ومريم للسوري الفلسطيني باسل الخطيب، والساحر للمصري رضوان الكاشف، والخروج من القاهرة للمخرج هشام عيسوي.. إلخ.