سوليوود «متابعات»
كل منا مدين لعادل إمام لأنه أنعش قلوبنا يوما وصالحنا على الحياة دوما، ستة عقود من الزمان عمر مشواره الفني، بينها 40 عاماً أمضاها على القمة متربعاً على كرسى العرش، مستحوذا على قلوب الناس، بالأرقام هو الفنان الأول في عالمنا العربى، موهبة استثنائية صعدت به لمكانة استثنائية.
الحضور الطاغي هو سر عادل إمام، منحة إلهية من الصعب أن تضعها فى إطار علمي لتقبض بيديك على كل أسبابها.
في تصويت ديمقراطي تم تعميده زعيماً، على مدى 40 عاماً وصندوق شباك التذاكر يضعه على سدة الحكم، في سابقة ليست فقط غير متكررة، ولكنها عاصية أيضا على التكرار، حسب موقع العربية نت.
اختلف معه كما شئت، فأنا كثيراً ما اختلفت، تحفظ على اختياراته كما يحلو لك فأنا كثيراً ما تحفظت، انظر بريبة إلى مواقفه السياسية، فأنا كثيراً ما استهجنت، وكتبت ذلك في زمن مبارك.
لم أكن يوماً من هؤلاء الذين يدورون في كوكبه ولا من حوارييه الذين يتحلقون حوله، كنت ومازلت أنتقد أعماله الفنية وأكتب ما يمليه علىّ ضميري النقدي بلا حسابات ولا حساسيات، إلا أن هذا لم يمنعني أن أرى أن ما حققه عادل إمام من شعبية بكل المقاييس ورغم كل التحفظات، هو إنجاز لم يسبقه فيه أحد، ولن يلاحقه فيه أحد.
بدأت رحلة عادل إمام في عالم الاحتراف عندما ذهب، في مطلع الستينيات، إلى المخرج حسين كمال وطلب منه أن يمثل أحد الأدوار في مسرحية (ثورة القرية) التي كتبها عزت العلايلي وهي من المرات القليلة التي مارس فيها العلايلي التأليف الدرامي، كان عادل يحلم في مطلع الستينيات بأداء دور تراجيدي، ولكن حسين كمال قام بتغيير المؤشر قائلاً له أنت ولدت كوميديانا، فاخترع له دوراً هامشياً رجل في السوق يبيع العسلية ولا يقول أكثر من جملة (معايا عسلية بمليم الوقية)، بمجرد صعود عادل إمام على خشبة المسرح، تتجدد الضحكات، وبدأت العلاقة بين عادل إمام وجمهوره تجد طريقها وتحفر لنفسها مجرى يتسع مع مرور السنوات حتى استقر في قلوبهم.
أمسك عادل إمام بأول دور له مساحة درامية في مسرحية (أنا وهو وهي) شخصية «دسوقى أفندي» وكيل المحامي فؤاد المهندس بطل المسرحية إخراج عبد المنعم مدبولي، وكانت الشرارة الأولى، حيث ردد له الناس كلمته المشهورة (بلد شهادات صحيح)، التليفزيون المصري الوليد في تلك السنوات سمح بتحقيق الانتشار لعادل إمام ومعه الضيف أحمد في دورين صغيرين أشعرا الناس بدرجة من الارتياح والبهجة.
عادل بطبيعته يميل إلى التفرد، هو يرى أن مكانته ليست أن يقف في الطابور حتى لو كان (الألفة) في الصف، ولهذا مثلاً رفض أن يصبح بديلاً للضيف أحمد بعد رحيله عام 1970، فهو لا يرضى لنفسه أن يصبح واحدا من ثلاثة يشكلون فرقة (ثلاثي أضواء المسرح)، الطفرة الكبرى جاءت مع (مدرسة المشاغبين) 1973 النجاح يستند هذه المرة إلى تغيير اجتماعي بدأت معالمه تتأكد بعد هزيمة 1967، والتغيير طرح مفردات ولغة تخاطب مختلفة وعلى الفور ولدت شفرة الضحك الجديدة، يلتقطها عادل إمام ورفاقه ويتراجع جيل فؤاد المهندس ومدبولي، ويبدأ جيل عادل في التقدم لأنهم يعبرون أكثر عن الشباب، وبينما كان من المفترض أن ينتقل عادل مثل رفاقه من (مدرسة المشاغبين) إلى (العيال كبرت) مع سعيد صالح وأحمد زكي ويونس شلبى، ولكنه رفض فكرة اقتسام البطولة، بدأت رحلته المسرحية بطلا مطلقا في (شاهد ما شافش حاجة)، وفي 79 جاءت أفلام مثل (المحفظة معايا)، (احنا بتوع الأتوبيس)، (خلى بالك من جيرانك) ثم (رجب فوق صفيح ساخن).
وفي التليفزيون (أحلام الفتى الطائر) وفي الإذاعة (على باب الوزير) ويصبح هو النجم الجماهيري الأول في المجالات الأربعة، سينما ومسرح وتليفزيون وإذاعة، الناس تختاره بإرادتها وهو يحقق أعلى أرقام في شباك التذاكر، وهذا النجاح بقدر ما يمنحه قوة يصيبه أيضاً بـ(فوبيا) الخوف من الفشل، إيرادات شباك التذاكر مثل رأسمال رجل الأعمال يخشى على ضياعها أو حتى تناقصها، فهو لا يتحمس إلا للعمل الفني الذى يضمن من خلاله استمراره على القمة، وعودة رأس المال وفوقه الأرباح، وكثيراً ما تراجع عن مشروعات سينمائية مليئة بالطموح الإبداعي، لكنها غير مطمئنة تجارياً، تلعب الأرقام دور البطولة على خريطة عادل إمام، دائماً هي مرجعيته الأولى ودستوره الذي يحافظ على بنوده وميثاق شرفه الفني، لهذا نادراً ما تجد في أفلامه قبل 1991 ما تستطيع أن تلمح فيه روح المغامرة الفنية ولو بهامش محدد إلا في حالات نادرة جداً، مثل (الإنسان يعيش مرة واحدة) تأليف وحيد حامد وإخراج سيمون صالح، (الأفوكاتو) تأليف وإخراج رأفت الميهي (الحريف) تأليف بشير الديك إخراج محمد خان، (الهلفوت) تأليف وحيد حامد إخراج سمير سيف، بدأ الرحلة مع المخرج شريف عرفة وارتباط مؤثر مع الكاتب وحيد حامد والذى كان له حضوره الطاغى على سينما عادل إمام قبل هذا التاريخ، إلا أنه منذ (اللعب مع الكبار) 1991 شكل هو وشريف عرفة مذاقاً خاصاً في سينما عادل إمام، وتتابعت بعد ذلك الأفلام (الإرهاب والكباب)، (المنسى)، (طيور الظلام)، (النوم في العسل)، عادل في هذه الأفلام يستند إلى قيمة فكرية وإلى رؤية سينمائية، ليس فقط النجم الجماهيري صاحب «الكاريزما»، ولكن هناك توافقا بين العناصر الثلاثة جماهيرية نجم وفكر كاتب ورؤية مخرج، والثلاثة التقوا في نقطة مشتركة، أفلام استثنائية في مشوار عادل توقفت عام 1996.
جاء عام 1997 وهو يحمل بالأرقام مفاجأة غير سارة لعادل إمام، ويؤكد صعود جيل جديد كانت البداية فيلم (إسماعيلية رايح جاي) بقيادة محمد هنيدي.
أكدت الإيرادات أن هناك جمهوراً جديداً بدأ يذهب إلى دور العرض، وله نجومه من الشباب الذين تخرج زعيمهم محمد هنيدي في مدرسة عادل، وتتابعت أسماء عدد من النجوم الشباب وتغيرت الأسماء وظل عادل ولم يتنازل أبداً عن القمة. فهو لا يزال نجم بإرادة جمهور مختلف، وكأن (جينات) الآباء الذين كانوا يقطعون له تذاكر الدخول للسينما وهم شباب في السبعينيات والثمانينيات، انتقلت الجينات إلى أبنائهم، الفكر الجديد الذي سيطر على عادل إمام في تلك المرحلة هو ما يقدمه يوسف معاطي وأرى أن معاطي منح نوعا من العصرية لسينما عادل، لا يقدم معاطي عمقاً إبداعياً على مستوى بناء السيناريو، بقدر ما تلمح فى أفلامه مع عادل نبض وروح هذا الزمن، ولهذا اصطحبه معه تليفزيونيا منذ فرقة (ناجى عطالله) 2012، وتبعه بخمسة أعمال، وبعدها توجه لجيل جديد من الكتاب، عادل مازال يمسك بكل مفردات العمل الفنى منذ اختيار الممثلين المشاركين والمخرج بل ومصور الفوتوغرافيا الذى يرشحه للعمل أيضاً عادل إمام، ناهيك حتى عن (عم سيد) عامل البوفيه!!
المطلوب من عادل إمام أن يسمح في المرحلة القادمة برأى آخر ورؤية تتقابل معه، وألا يُصبح مشروعا أسريا، ولكن ملكية عامة، فلكل منا نصيب في (الزعيم).
سر عادل إمام وهو يخطو إلى عامه 82 فى تلك (الكاريزما) التي تزيدها الأيام حضورا وألقا ووهجا، كل عام وأنت بيننا تصنع فرحتنا وتُبهج أيامنا وتُنعش ليالينا.