سوليوود «متابعات»
انتقد مشاهدون على وسائل التواصل الاجتماعي الحلقات الأولى من مسلسل «كوفيد-25»، مشيرين إلى أن العمل أصابهم ببعض الذعر، ومنوهين بأنهم منعوا صغارهم من متابعة حلقات المسلسل، تجنباً لتأثر حالتهم النفسية سلباً، خاصة وأن فكرة العمل تقوم على أعراض فيروس غامض، يصيب الجهاز العصبي ويجعله مشوشاً، ويحرم المصاب به من النوم، ويفقده القدرة على تحريك العينين، فضلاً عن عدم تفاعل المصاب مع المؤثرات الخارجية، ما يدفعه للانتحار، بحسب ما ذكره موقع جريدة الرؤية الإماراتية.
وأكد أطباء وخبراء نفسيون أن الأعمال الدرامية التي تتطرق إلى عالم الأوبئة أو الفيروسات في الوقت الحالي بالتزامن مع جائحة كوفيد-19 يمكن أن تصيب المشاهدين بالتوهم المرضي وأعراض جسمانية، نتيجة لسيطرة الشعور بالقلق عليهم، خاصة تلك التي تعتمد على تسليط الضوء على أعراض المرض ومضاعفاته التي تتسبب في موت المريض.
فيما رفض المبدعون والكتاب فكرة التأثير السلبي على الحالة النفسية للمشاهد، مؤكدين أن المتلقي يمتلك الوعي الكافي للتمييز بين الخيال والحبكات الدرامية والواقع، لافتين إلى أن جمهور اليوم في حاجة لهذه النوعية من الموضوعات التي تدفعه للتفكير والتأمل، والتي تخاطب العقل من خلال العمل الدرامي، مشيرين إلى أن الساحة الأدبية والدرامية ستشهد مزيداً من الأعمال التي تركز على أدب المستقبل والخيال العلمي.
التوهم المرضي
يرى استشاري الطب النفسي الدكتور نادر ياغي أننا لسنا في حاجة لهذه الدراما التي تتنبأ بأن القادم سيكون أسوأ، خاصة وأننا ما زلنا نعالج المشاكل التي خلقها نفسياً فيروس كوفيد-19، على كل أفراد المجتمع، بسبب القلق وعدم التأقلم مع الإجراءات التي فرضتها الجائحة من إغلاق وحظر وإصابات.
وأضاف أن: المشاهد في الوقت الحالي يحتاج إلى أعمال درامية كوميدية فيها جرعة ضحك مضاعفة، ولا يقصد بذلك أعمالاً تافهة تسطح العقل وتغيبه عن الواقع، ولكن يحتاج إلى دراما تبعده قليلًا عن الحالة المزاجية السيئة التي فرضتها الجائحة على المجتمعات.
وأشار إلى أن «هذه النوعية من الدراما يمكن أن تصيب الناس بالفزع والخوف، فالبشر يثير انتباههم أمران أولهما: المعلومات التي تتعلق بالمستقبل، وثانيهما ما له علاقة بالأمراض خاصة عندما يكون المرض جديداً، وأن اختيار المسلسل لهذا الاسم كوفيد-25 قادر على جذب انتباه المتلقي بقوة».
لكنه حذر من أن المشاهد قد يصاب بالوهم المرضي عندما يتابع هذه النوعية من الأعمال الدرامية، ويتملكه هاجس الخوف ويسيطر عليه، حيث يتوجب إبعاد المصابين بالضغط النفسي عن أي شيء يمكن يثير أعصابهم.
ذعر وقلق
ويتفق استشاري الطب النفسي بالأكاديمية الطبية العسكرية بمصر جمال فرويز مع ياغي في تأثر المشاهد سلباً بهذا النوع من الدراما، قائلاً: إن تأثر المتلقي يتباين من شخصية لأخرى، وإن الأكثر تأثراً هم الشخصيات العصبية الوسواسية، مشيراً إلى أن الفترة المقبلة يمكن أن تزداد حالات التوهم المرضي ويسيطر الذعر والقلق على الكثيرين من هذه الشخصيات.
وتابع: أما الشخصيات القلقة فستجد لديها أعراضاً جسمانية ناتجة عن تملك الشعور بالقلق، لذلك لا ينصح بمتابعة الأطفال لهذه النوعية من الدراما.
رقابة أبوية
ترى الاستشارية النفسية الدكتورة هبة شركس أن المشاهد في حاجة لموضوعات عمادها التفكير والتأمل، ومخاطبة عقله من خلال الدراما، والخروج بالمشاهدة الدرامية من مجرد التسلية إلى إثارة التفكير والتأمل، والنقد والتحليل مطلوبان بالطبع، حتى يتمكن المشاهد من الحكم على المحتوى.
ومن الناحية النفسية، تعتقد شركس أن اسم المسلسل اعتمد على عنصر الجذب ومخاطبة المشاهد بما يعاني منه الآن، ويسعى لأخذه إلى أبعد من ذلك، ومن الصعب أن يثير مسلسل الذعر بين الناس، لأن أحداث كوفيد-19 جعلت المشاهد على وعي بمعنى الجائحة وكيف تؤثر على العالم.
وأضافت أن «المسلسل قد يكون له أهداف وأبعاد وإسقاطات على الواقع قد تظهر عند متابعة الأحداث في الحلقات المتبقية، حيث عادة ما تتناول أحداث مثل هذا النوع من الدراما رسائل من المستقبل ممزوجة بخيال علمي، بالإضافة إلى إسقاطات من الواقع تستنهض تفكير المشاهد وتساعده على النقد والتحليل».
واستبعدت شركس فكرة أن يكون العمل الدرامي مؤثراً سلبياً على نفسية الأطفال، فمن المؤكد أنه إذا كان عملاً غير ملائم للأطفال فإن المصنفات الفنية ستضع عليه العمر المناسب لمتابعة مثل هذا العمل.
وتنصح بضرورة أن يحمي الآباء صغارهم من مشاهدة الدراما المخصصة للكبار، وأن يختاروا لهم ما يناسب أعمارهم وعقليتهم.
أدب المستقبل
يرى الكاتب الدكتور محمد حمدان بن جرش أنه «في ظل جائحة كورونا عاشت شعوب العالم كافة ظروفاً صعبة، وسيطر عليهم شعور الخوف من العدوى وما فرضته الجائحة من تباعد اجتماعي، كما أنها شكلت أزمات متشابكة اجتماعية واقتصادية ونفسية وصحية وعطلت جميع مناحي الحياة.
ومع عودة الحياة إلى طبيعتها تدريجياً بدأ أصحاب الخيال من الأدباء والسينمائيين وصناع الدراما في معالجة القضية أدبياً أو درامياً، والسجل الفني كما يقول محمد حمدان حافل بهذه الأعمال التي تطرقت إلى أوبئة عالمية مثل الطاعون والكوليرا، وكان لها تأثير على المتلقي، حيث تنبأت بعض الأعمال الأدبية والسينمائية بما لم يتنبأ به العلم.
وأشار بن جرش إلى أن «العمل الفني الذي يتطرق إلى الجائحة بشكل قريب أو حتى من بعيد سواء كان عملاً أدبياً أو مصوراً، سيجد إقبالاً كبيراً من قبل الجمهور لأنه حديث الساعة، والمتلقي أصبح واعياً لما يطرح عليه ولن يأخذه الوهم والخوف ولكن سيأخذه الخيال محاولاً أن يضع نفسه محل الكاتب أو المخرج مقدماً بعض الحلول للأزمة».
وأكد أن الفترة المقبلة ستشهد تركيزاً أكبر من صناع المحتوى للتطرق لهذه النوعية من الأفكار، التي تندرج تحت مظلة سينما الخيال العلمي التي كان للسينما العالمية النصيب الأكبر منها.
وأشار إلى أن الجائحة أمدت الكتاب بسيل من الأفكار ما جعلهم يتوجهون في كتاباتهم إلى ما يعرف بأدب المستقبل، مؤكداً أن المثقف هو ضمير الأمة ويبرز دوره بشكل أكثر وضوحاً في وقت الأزمات لأنه من يحمل شعلة الأمل، والتنوير، كما أنه من يقرأ المستقبل قبل حدوثه، ويرسم بإبداعه الصورة التي سيكون عليها، وهو العقل المحرك والدافع للتغيير.
إمتاع المتلقي
اعتبر الروائي ناصر عراق الأدب والسينما أدوات مهمة لمعالجة الواقع وتسليط الضوء على القضايا التي تشغل أفراده، والتي تعد الأوبئة أهمها، لافتاً إلى أن من أهم الأعمال التي تطرقت للوباء رواية الحرافيش لنجيب محفوظ.
وكشف عراق أنه يستعد لإصدار روايته القادمة «أيام هستيرية»، التي سترى النور في غضون أيام، وهي عن فيروس كورونا ويرصد من خلالها نشأة الوباء وتأثيراته المرعبة، وسبل الحل من خلال الحوارات التي دارت بين أبطال الرواية.
وأكد أنه لا يخشى النقد خاصة وأن الرواية ستخرج إلى النور قبل أن تنتهي الجائحة، لأنه يؤمن بأن نجاح العمل الأدبي أو الفني مرهون بقدرته على أن يمتع المتلقي، وذلك من خلال ظهوره في شكل متميز ومحكم البناء، بغض النظر عن مواكبته للجائحة، المهم أن يكون العمل متقن الصنع تماماً، لذلك فالمجال مفتوح أمام الجميع للإبداع وإطلاق العنان للمخيلة.