سوليوود «متابعات»
كي لا يكون المستقبل أسوأ من الحاضر، هو العنوان العريض الذي يمكن استخلاصه من فيلم الأنيميشن «أليفيا 2053». فهو يأخذ مشاهده في رحلة خيالية لجمهورية عربية افتراضية ذات نظام استبدادي. وينطلق كاتب قصتها ربيع سويدان من مبدأ ضرورة التطلع إلى صناعة مستقبل مشرق، بدل الوقوف على الأطلال والتفاخر بماضٍ زاهر والتخبط في حاضر محبط.
حصد الفيلم الذي يعرض عبر قناة «يو تيوب» أكثر من 4 ملايين مشاهدة حتى اليوم. يتوجه إلى الكبار، ويعد أول فيلم روائي طويل يعرض ضمن تجربة رقمية بالعربية تغلفها عناصر فنية لبنانية. تتناول أحداثه مصير ثلاث شخصيات تتسابق مع الزمن للكشف عن مصدر هجوم إلكتروني، وكيف استطاع أن يخرق الجهاز الأمني الأكثر تطوراً لجمهورية «أليفيا» صاحبة أكثر الأنظمة الاستبدادية في التاريخ.
وضمن حبكة ترتكز على التشويق والإثارة، يبحر مشاهد الفيلم وعلى مدى ساعة كاملة في عالم خيالي حديث. أمّا أبطاله فيتمتعون بملامح عربية بعيدة كل البعد عن الآسيوية، التي اعتدنا رؤيتها في هذا النوع من الأفلام المدبلجة. ويعيش متابعه أحداثاً متتالية تخطف أنفاسه على الطريقة الهوليوودية. ومع القائد ألف الثاني وفريقه الحاكم المتغطرس، يقابلهم المقدم مجد وصديقته سميا والعقل المدبر دلال، نشهد كيفية ولادة الأمل في قلوب شعب عانى على مدى حقبات طويلة من الظلم.
الفيلم أطلقته شركة «سبرينغ للترفيه»، وكتبه وأنتجه اللبناني ربيع سويدان، وأخرجه مواطنه جورج أبو مهيا. وتشارك مجموعة من الممثلين اللبنانيين كخالد السيد وعلي سعد وجيهان ملا بتقمص شخصياته بصوتها.
وفي حديث لـصحيفة «الشرق الأوسط» يروي سويدان قصة فكرة الفيلم ويقول: «غالبية أعمالنا السينمائية والدرامية عادة ما تتحدث عن ماضٍ عشناه زاهراً أو العكس. فنحن لم نتطلع يوماً إلى ما ينتظرنا في المستقبل، وما يمكن أن يحمله لنا؟ أو كيف نحلم بأن يكون؟ فنمشي قدماً ووجهنا إلى الماضي، رافضين التطلع إلى المستقبل ومعرفة إلى أين نحن ذاهبون؟ هذا الأسلوب في التعاطي مع الحياة يولد نوعاً من التخدير لصاحبه، فولدت عندي فكرة محورها الوعي تدور حول طبيعة مصيرنا. كيف يمكن أن يكون شكله؟ وإلى أين يمكن أن يودي بنا الطريق الذي نسلكه اليوم؟ من هنا انطلقت متناولاً الواقع الإنساني المستقبلي وليس السياسي». وعن سبب اختياره تقنية الأنيمايشن يرد: «إنها تسمح لي التزود بمساحة حرية أكبر، وكذلك التعاطي مع الموضوع بشكل أوسع. كما أنّ الأنيمايشن أو الرسوم المتحركة يمكنك التحكم أكثر في سياق أحداثها وشخصياتها. وهنا لا بد من التنويه بأنّ تقنية الأنيمايشن ليست بالسهلة أبدا، بل هي من أصعب ما واجهته في إنتاج هذا الفيلم. حتى إننا أخذنا بعين الاعتبار ملامح هذه الشخصيات، بحيث تكون تشبهنا إلى حد كبير. فاستوحيناها من وجوه أقارب وأصدقاء وجيران، كي تبدو واقعية أكثر».صحيفة
من يتابع «أليفيا 2053» يستشف تلقائياً مدى ارتباط أحداثه بعالمنا العربي. فهو يذكرنا تارة بالعراق ومصر ومرات أخرى بلبنان وسوريا وغيرها. أما التوجه الحديث الذي يحمله في طياته من ناحية طبيعة الثورات والحروب والتطور الإلكتروني، فينبئنا بواقع مغاير يمكن أن تحمله لنا حقبة ما بعد 30 عاماً من اليوم. فالأسلحة الإلكترونية والسجون الزجاجية وجدران الدماء وطوفان سدود المياه، تشكل أفكاراً حديثة واستباقية لطبيعة مواجهات وهندسات سياسية مستقبلية يمكن أن تصبح واقعية.
ويعلق ربيع سويدان في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لقد حاولنا قدر الإمكان توقع ما يمكن أن يحمله لنا المستقبل على مستويات مختلفة من اجتماعية وسياسية وبيئية. حتى إن بعض تلك الأفكار ترتكز على عناصر حية نلحظها اليوم في المشهدية العامة لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. ولذلك نجد هناك تفاعلاً كبيراً بين المشاهد العربي، وفكرة الفيلم أدت إلى نسبة مشاهدة عالية. وإذا ما غصت في عالم الخيال يمكن اعتبار جمهورية (أليفيا) البلد الـ23 المنتسب إلى جامعة الدول العربية».
وعن التمسك بالعنصر الفني اللبناني لولادة الفيلم يقول سويدان: «هو أساسي في هذا العمل، سيما أن اللبناني يتمتع بطاقة إبداعية كبيرة. فهو سبّاق في أفكاره، يتقن تطبيقها بفن وإبداع، ولذلك جميع الذين شاركوا في تنفيذ الفيلم من منتج ومخرج ورسام لشخصياته هم لبنانيون. فأردنا تسليط الضوء على هذه الميزة التي نتمتع بها».
دخول فيلم «أليفيا 2053» مهرجانات ومسابقات سينمائية عالمية وعربية هو أمر متوقع على المدى المنظور. ويعلق سويدان: «إننا بصدد التحضير لمشاركات عديدة من هذا النوع وضمن مهرجانات عديدة. وما نتمناه هو أن يلفت انتباه بلدان عربية وغربية. ودخولنا عالم المهرجانات هدفه تنظيم أعمالنا وتقييمها بشكل أفضل. فنتعرف إلى مدى تطابق هذا الفيلم أو غيره من أعمالنا المستقبلية، مع مقاييس وشروط تقنية متبعة في عالم السينما».
وعن الصعوبات التي واجهها فريق العمل في «أليفيا 2053» يقول سويدان: «كان من الصعب جداً تقديم خلطة بتقنية الرسوم المتحركة تجمع ما بين العاطفة والإثارة والتشويق. فمزج الرسم بالإحساس هو مهمة غير سهلة أبداً، وقد تمسكنا بالعنصر اللبناني لتنفيذها على أفضل وجه».