سوليوود «متابعات»
SOLARIS
(1972)
رجل فضاء لا تغادره الأرض
★★★★
في مقالة نشرتها مجلة «الفيلم السوفييتي» في العدد الثاني من سنة 1972 لاحظت الناقدة فيرا شيتوفا أن المخرج أندريه تاركوفسكي ينتمي إلى الأرض كتربة وتاريخ ومكان. كتبت: «هو كله من الأرض، مع حقولها وأنهارها وأشجارها وأمطارها. مع إنسانها المفعم بكل تيارات الأرض المأسوية. سواء أكان الصبي إيفان (في «طفولة إيفان») أم الرسام (في «أندريه روبلوف». فلماذا لا (سولاريس)؟».
ووفقاً لصحيفة الشرق الأوسط فإن ما يختلف فيه «سولاريس» بالطبع عن كل أفلام المخرج الروسي الراحل هو أنه فيلم خيال علمي تقع معظم أحداثه بعيداً عن الأرض. لكن ذلك لا يمنع من أن بطله (دوناتاس بانيونيس) يعيش، بذكرياته وبحنينه فوق الأرض. هذه لا تتركه حتى وإن كانت مهمته البحث في لغز فضائي يدفع من على مركبة فضائية للانتحار.
الرواية للكاتب ستانيسلاف لَم حوّلها المخرج إلى 167 دقيقة آسرة بما فيها نحو نصف ساعة على الأرض قبل أن ينضم بطل الفيلم إلى المركبة مُرسلاً للتحقيق في حوادثها. وواحد من النقاشات الحادة دار حول إذا ما كان الفيلم هو الرد الروسي على «2001: أوديسا الفضاء» الأميركي لستانلي كوبريك الذي يلتقي وتاركوفسكي في حقيقة أن كل منهما من أفضل ما عرفتهم السينما من مبدعين وأن كل منهما حقق أقل مما يجب من أفلام. لكن «سولاريس» يختلف كثيراً عن «أوديسا الفضاء» ومكوّناته البصرية كما الضمنية. ينحو تاركوفسكي في فيلمه صوب سينما لا
تسرد حكاية بل تسرد إنساناً في الحكاية. هذا لجانب أن الموضوع الماثل في كلا الفيلمين مختلف تماماً.
الأرض مهمّـة عند تاركوفسكي و«سولاريس» يحفل بجمالها وطبيعتها والحياة ذات الألوان البديعة فيها (كان هذا أول فيلم ملوّن أنجزه المخرج). نصف ساعة أولى كلّـها عنها وعن ذلك العالم كريس الذي يزور والده الذي يعيش في الريف.
المفاد الناتج عن تلك الدقائق الأولى هو أن على الأرض يكمن كل شيء. في الفضاء لا شيء (ولاحقاً ما يتأكد هذا المفاد في المشاهد الفضائية). كريس هو تاركوفسكي نفسه لأنك ستدرك ما يعنيه حين ينظر الممثل بحزن وبتأمّـل إلى المطر وإلى الماء على الأرض وأوراق الشجر. كريس مهموم من البداية. لقد وافق على المهمّـة الفضائية التي لا يشعر بالرغبة بها. نراه يتباحث وأحد زملائه موضوع المركبة الكامنة فوق محيط سولاريس الفضائي. يحضر اجتماعاً للغاية ثم يلتقي بأبيه الذي لا يعتقد أنه سيعيش حين يعود إليه.
حين يؤم كريس المركبة لا تغادره الأرض. تبقى فيه حتى حين يلتقي بالشخصيات التي تعيش في ذلك المحيط البعيد والتي لا تشاركه معرفته بالحياة والأرض. تعيش الواقع وبلا حنين. يواجه العالم تصرّفات غامضة من تلك الشخصيات التي ربما كانت مسؤولة عن انتحار قائد الرحلة. لكن، وبالإضافة إلى كل ما أثار اهتمامه من ألغاز، ها هي زوجته (ناتاليا بوندارتشوك) تظهر فجأة علماً بأنها كانت انتحرت قبل عشر سنوات. لا يستطيع كريس استيعاب إمكانية بقائها حيّة في الفضاء، لكنه سيحاول الصلح معها على أمل أن الفضاء بإمكانه بث الحياة بمن مات على الأرض. هذا بالطبع قد لا يكون سوى خياله الجانح وندمه الكبير على أحداث وقعت بينهما حين عاشا حيث وُلدا على الأرض.
النقلة من التاريخ القريب في «طفولة إيفان» ثم التاريخ البعيد في «أندريه روبلوف» تبدو استكمال دائرة مع هذا الفيلم المستقبلي. فيها جميعاً، كما في أفلامه اللاحقة حتى «تضحية» الذي أنجزه في عام وفاته سنة 1986 تشي بأن المخرج لم يكن عبقرياً، فحسب بل زرع نفسه في معظم شخصياته متأملاً وباحثاً وشاعراً معاً.