سوليوود «متابعات»
توسعت صناعة السينما الصينية إنتاجا ومشاهدة، لتتقدم للمركز الثاني خلف الولايات المتحدة من حيث إيرادات الأفلام، وإن كانت تتقدم في أعداد دور العرض السينمائية.
ويثير هذا الواقع الجديد لعاب منتجي الأفلام الأميركية من أجل اغتنام فرصة التوسع في الصين وعرض أفلامهم هناك، وجني ملايين الدولارات الإضافية؛ إلا أن دخول السوق الصيني ليس كدخول غيره من الأسواق التي تغمرها الأفلام الأميركية حيث تقرر حكومة بكين حصة محدودة للأفلام الأجنبية، كما أنها تفرض رقابة صارمة على محتويات الأفلام المختارة.
سوق سينمائية عملاقة
كانت الصين تقليديا سوقا رئيسا للأفلام الأميركية، بيد أنها نمت أيضا اعتمادا على نفسها بشكل متزايد في السنوات الأخيرة، مع تزايد عدد الأفلام المحلية ذات الجودة العالية، التي تنافس الأفلام الأجنبية المستوردة.
وزاد استهلاك السينما في الصين بصورة كبيرة مع نمو الطبقة الوسطى، واتباع سياسات اقتصادية رأسمالية خلال العقدين الأخيرين. وطبقا لتقارير متخصصة، فإن تذاكر السينما المباعة في الصين زادت 3 أضعاف منذ عام 2011، مقارنة مع الولايات المتحدة، التي لم يتغير فيها مستوى بيع التذاكر خلال الفترة ذاتها.
واتسع سوق السينما الصينية ليصل إلى 9.2 مليارات دولار عام 2019 بعدما كان حجمه فقط 800 مليون دولار عام 2009، وفي الوقت ذاته وصل حجم سوق السينما الأميركية إلى 11.1 مليار دولار؛ أي إنه يتفوق على الصين بملياري دولار فقط، ومع استمرار المعدلات الحالية، سيتخطى السوق الصيني مثيله الأميركي قريبا.
ويقول آدم غودمان، المدير السابق لشركة «بارامونت بيكتشرز» (Paramount Pictures) في حديث مع صحيفة «وول ستريت جورنال» (Wall Street Journal) «قبل 10 أعوام لم نفكر بالصين أبدا، أما الآن فيبدو أننا لا نستطيع العيش بدون الصين».
الصين تؤثر فيما يشاهده الأميركيون
في خطاب ألقاه وزير العدل السابق، وليام بار، عن مخاطر الصين المتصاعدة، والتي تمثل تحديا غير مسبوق للولايات المتحدة، هاجم بار شركات هوليود؛ بسبب طبيعة علاقتهما بالصين، متهما إياها بالرضوخ للحكومة الصينية من أجل الأرباح، وعرض بار رد فعل واشنطن على طموحات بكين العالمية، ووصف التحدي الصيني بأنه «صراع بين الأجيال سيحدد المستقبل السياسي للعالم».
واعتبر بار أن هوليود (شركات صناعة السينما الأميركية) تتخلى عن القيم الأميركية من أجل الوجود في السوق الصيني المربح، وهاجم كذلك الممثلين والمنتجين والمخرجين، الذين «يفتخرون بالحرية والروح الإنسانية كل عام في حفل توزيع جوائز الأوسكار.. لكن هوليود تراقب الآن بانتظام أفلامها الخاصة لاسترضاء الحزب الشيوعي الصيني، أقوى منتهك لحقوق الإنسان في العالم»، وفق رأيه.
وأكد بار أن «هذه الرقابة الذاتية لا تتعلق فقط بإصدارات الأفلام، التي يتم عرضها في الصين؛ لكن أيضا العديد من الأفلام التي يتم عرضها في دور العرض الأميركية للجمهور الأميركي».
واستشهد بار بعدد من الأفلام التي تم تغيير أجزاء منها أو لقطات أو صور لتجنب الإساءة إلى حكومة الصين، ولتجنب فقدان الوصول إلى سوق السينما في أكبر دول العالم من حيث عدد السكان.
وخلال السنوات الأخيرة، دأب صناع الأفلام الأميركيون على عدم استفزاز الحزب الشيوعي، وعلى سبيل المثال، في نسخة جديدة من فيلم «الفجر الأحمر» (Red Dawn) تم تبديل الجنود الصينيين، الذين يقومون بغزو بلدة أميركية، بجنود من كوريا الشمالية، في عمل استباقي تجنبا لإغضاب السلطات الصينية.
آلية مزدوجة للسيطرة
تتبنى السلطات الصينية إستراتيجية مزدوجة تتماشى مع توجهاتها السياسية، فتعمل على تحسين جودة المنتج السينمائي المحلي من ناحية، ومن ناحية أخرى تفرض شروطها على من يريد أن يعرض أفلامه داخل السوق الصيني الواسع، وتعاقب كل من يتعرض سلبا للسياسات الصينية.
وتفرض السلطات الصينية حصة محدودة للأفلام الأجنبية، التي يسمح بعرضها داخل دور العرض المحلية بحيث لا تتجاوز 34 فيلما سنويا. وبنت الصين استديوهات عملاقة في منطقة (تينسيل تاون)، جذبت إليها صناع السينما من داخل وخارج الصين.
ويعد التوسع في إنتاج السينما المحلية بالصين خبرا سيئا لهوليود، التي سعت لسنوات إلى المزيد من الوصول إلى سوق الصين الهائل والمربح، ولم تعد الصين تعتمد على الأفلام الأميركية التي تملأ دور السينما حول العالم، بيد أن هوليود تحتاج السوق الصيني لجعل أفلامها ناجحة ماليا.
ويتماشى هذه النهج مع ما يهدف إليه الحزب الشيوعي الصيني منذ عقد على الأقل، ففي بيان أصدره الحزب في أكتوبر/تشرين الأول 2011، تحدث عن الحاجة الملحة لتعزيز القوة الناعمة والنفوذ الدولي للثقافة الصينية.
ويساور البروفيسورة يينغ تشو، أستاذ الثقافة الإعلامية في كلية ستاتن آيلاند في جامعة مدينة نيويورك، القلق من قوة السوق المتنامية في الصين، التي تمنح الحزب الشيوعي نفوذا أكبر من اللازم على هوليود.
وتقول تشو إنه «يمكن للرقابة الصينية أن تعمل كشرطة سينمائية عالمية حول كيفية تصوير الصين، وكيف يمكن تصوير الحكومة الصينية في أفلام هوليود، ومن ثم فإن الأفلام التي تنتقد الحكومة الصينية ستكون من المحرمات تماما».
ولسنوات طويلة فضل المواطن الصيني الذهاب لدور العرض لمشاهدة أفلام أميركية، ففي عام 2007 كان هناك 14 فيلما أميركيا ضمن أعلى 25 فيلما من حيث الإيرادات في دور العرض الصينية، وفي عام 2019 وجد 17 فيلما صينيا ضمن أعلى 25 فيلما من حيث الإيرادات داخل الصين، بما يمثل تراجعا واضحا للطلب على الفيلم الأميركي، مقابل زيادة كبيرة في الطلب على الفيلم الصيني.
ريتشارد غير نموذجا
لم يظهر الممثل الشهير ريتشارد غير في أي فيلم مهم منذ عام 2008، وذلك بسبب التأثير الكبير والخفي للصين، وغير الذي عرفه العالم من خلال عدد من الأفلام والأدوار الشهيرة مثل فيلم «امرأة جميلة» 1994 وفيلم «شيكاغو» عام 2002، فإنه لم يعد من الممثلين المفضلين لصناع الأفلام في هوليود.
ففي أثناء حفل توزيع جوائز الأوسكار لعام 2003، خرج غير عن النص، وشجب وضع حقوق الإنسان في إقليم التبت، ثم قاد حملة لمقاطعة الألعاب الأولمبية التي استضافتها بكين عام 2008؛ بسبب سجل الحكومة الصينية السيئ فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
وكلفت مواقف ريتشارد غير، المعادية للصين الكثير من الأدوار السينمائية، وبعد ابتعاد هوليود عنه، اضطر للعمل في مسلسلات تلفزيونية أو أفلام مستقلة ذات ميزانيات محدودة.
ويقول ريتشارد غير إنه يدفع ثمنا مهنيا كبيرا لنشاطه طويل الأمد في التبت، وقال في مقابلة صحفية إن «هناك بالتأكيد أفلاما لا أستطيع أن أمثل فيها؛ لأن الصينيين سيقولون لا يمكن عرضها، وذكر منتج سينمائي بصراحة أنه لا يستطيع تمويل فيلم أشارك فيه؛ لأن ذلك سيزعج الصينيين».