سوليوود «متابعات»
«أفخر بأصلي وبلدي، ويُسعدني أن يعلم الآخرون المزيد عن ثقافتنا وعن التاريخ الغني، الذي تتميز به السعودية ويستحقّ تقديمه للعالم»، بهذه الكلمات استهل المنتج محمد التركي حديثه عن تجربته المتميزة في مجال الفن السابع، وأضاف أن مبيعات شباك التذاكر في منطقة الخليج تشهد تغيرًا مع دخول صالات السينما للسعودية لتشكل بذلك الطلب الأكبر على هذه الصناعة.
يحمل ابن الخبر مسيرة مميزة شملت إنتاج تسعة أفلام خلال ثلاث سنوات عرضت في أبرز المهرجانات السينمائية المرموقة، حيث استعرض في حوار مع موقع «esquire» جوانب مسيرته وأفكاره ومواكبته لعودة السينما السعودية وطموحاتها.
وعن حضوره افتتاح أول فيلم عرض بصالات السينما السعودية يقول التركي: «شعرتُ كأننا في حفل زفاف سعوديّ تقليديّ. ومع أنني تلقيت دعوةً بصفتي ضيفاً عادياً، إلاّ أنّ وزير الثقافة سحبني إلى المقدمة بمجرد وصولي، وبدأ من يعلم أنني منتج أفلام سينمائية بالتقدّم إليّ وتهنئتي، ولسان حالي يقول، مثلي مثل البقيّة ولم أقم بشيء يستحقّ التهنئة. وفي نهاية المطاف شكرتُ الجميع على حضورهم وكلماتهم اللطيفة».
ووقع الاختيار على فيلم Black Panther الحائز على جائزة أوسكار للعرض الأوّل ذلك اليوم، لأنّه يتناول قصّة أمير شاب أراد الخير لشعبه، في مقاربةٍ واضحةٍ جداً، بحسب ما قال رئيس دار سينما AMC في كلمته قبل عرض الفيلم. وكان الإحساس بالفخر الوطني جلياً خلال الأمسية، حتّى أنّ هُتاف الحضورارتفع خلال عدة فقرات من الفيلم.
سعودي في هوليوود
لقب محمد التركي خلال العقد الماضي بـ«السعودي في هوليوود»، وهو تعبيرٌ مرموقٌ وغير شائع. ويتميّز المنتِج السينمائي الطويل والنحيل بهدوئه وشخصيته الودودة والجذابة. ولد محمد التركي وترعرع في الخُبر لعائلة مترفة أخذ منها حبّ السفر والأفلام، لينتقل بعدها إلى لندن ويدرس صناعة الأفلام في الجامعة.
عُقب تخرّجه، وبعد فترة قصيرة من العمل في إحدى شركات النفط والغاز، تمّ تقديمه بالصدفة إلى الكاتبة والمخرجة البريطانية زينة درّة خلال إحدى الإجازات، وكانت درّة حينها تعمل على فيلمٍ مستقلّ وعرضت على التركي المشاركة معها فيه. وشكّل ذلك اللقاء نقلة نوعية في حياة التركي، حيث انطلق في مسيرةٍ مميزة وأنتج تسعة أفلام خلال ثلاث سنواتٍ فقط، كما عمل مع ريتشارد جير على فيلم Arbitrage، ومع زاك إيفرون ودينيس كويد وهيذر غراهام في فيلم At Any Price، ومع جوليان مور في فيلم What Maisie Knew.
وسرعان ما تألّق اسمه كواحد من الشباب السعوديين القلّة الملتزمين والناجحين في قطاع صناعة الأفلام الأصعب في العالم، إلاّ أنّ أعماله لم تُعرض على شاشات السينما في بلده بسبب إغلاق دور العرض في جميع أرجاء المملكة.
وفجأة سنشهد خلال هذا الشهر تغيير كل ذلك، مع إطلاق فيلمه الأخير Crisis في صالات السينما.
وبعد جلسة تصوير مع إسكواير الشرق الأوسط في استوديو للتصوير الفوتوغرافي في الرياض، قال التركي: «يمثّل هذا العرض محطةً بارزةً بالنسبة لي، فعندما بدأتُ هذه المهنة عام 2010، كانت صالات السينما ممنوعةً في المملكة العربية السعودية، ولم أتخيّل أن أتمكّن من مشاهدة أحد أفلامي في صالة عرض هنا من قبل. إنّها تجربةٌ فريدة فعلاً».
ومازالت الفرص متاحةً أمامه وأمام الآلاف غيره، حيث شهدت المملكة خلال السنوات القليلة الماضية انطلاقةً قوية لثقافة العرض السينمائي مع افتتاح 10 صالات عرض على الأقل في الرياض وخمس صالات في المنطقة الشرقية وخمس صالات في جدة، مع دخول سلاسل عالمية رئيسية مثل إيه إم سي وفيو وإمباير إلى السوق. وعلى الرغم من إغلاق صالات السينما في مختلف أنحاء العالم العام الماضي بسبب التدابير الوقائية لمواجهة كوفيد-19، واصلت مبيعات شباك التذاكر السعودية ارتفاعها مقارنةً بالمستويات التي حققتها عام 2019، وهو البلد الوحيد الذي شهد مثل هذا الارتفاع في العالم.
ويقول التركي: «بما أنّ المملكة العربية السعودية هي الدولة الأكبر في منطقة الخليج العربي، أعتقد أنّ مبيعات شباك التذاكر ستشهد تغيراً كبيراً في منطقة الشرق الأوسط. ويعكس عدد صالات السينما التي تمّ افتتاحها وجود طلبٍ كبير على هذه الصناعة. وليس من المفاجئ أن تعرض صالات المملكة أحدث الأفلام في عرضها الأوّل في الشرق الأوسط، مع حضورٍ دوليّ للافتتاح الكبير».
ويُعدّ عرض فيلم Crisis في صالات السينما السعودية مؤشراً قوياً آخرعلى التغيرات التقدمية في المملكة. الفيلم من بطولة غاري أولدمان وآرمي هامر وإيفانجلين ليلي وميشيل رودريغيز، ويروي قصّة انتشار الأفيون في الولايات المتّحدة الأميركية في النصف الأول من القرن الحالي. وحول عرض الفيلم في المملكة، يقول التركي:«تواصل معي المخرج نيكولاس جاريكي وعرض عليّ نصّ الفيلم الذي يحمل قصّة مهمّة جديرة بأن تُروى حسب اعتقادي. وكان أسلوب الكتابة مشابهاً لأسلوب فيلم Traffic للمخرج ستيفن سودربرغ، مما جعلني أتطلع لحصول قصّة انتشار الأفيون على الانطباع ذاته. وأتمنى أن يشاهد صنّاع الأفلام الشباب في مختلف أنحاء المملكة هذا الفيلم، لأنه يجسد التعاون بين هوليوود والسعودية ويُعرض في صالات السينما السعودية، وأتمنى أن يجدوا فيه الإلهام الذي ينتظرونه».
وظهر شغف محمد التركي بإلهام المواهب الشابة واضحاً خلال جلسة التصوير، حيث كان المصوّر وجميع أفراد طاقم العمل من الشباب السعوديّ المبدع. وكانت الطاقة الإيجابية تطغى على الأجواء. وعن جلسة التصوير، قال التركي: «كان يوماً مليئاً بالطاقة الإيجابية، شعرت خلاله بالطاقة الإيجابية الرائعة التي تصدر من هؤلاء الشباب الذين يعملون بجد ويستمتعون بما يقومون به. وبصراحة لم أشعر أنني في الرياض، بل كان هنالك طاقةٌ جديدة وحيويّةٌ مختلفة ما يعني أننا نتجه قُدماً لتحقيق رؤية السعودية 2030».
القطاع السينمائي في السعودية
ولم يكن افتتاح صالات السينما على أهميته التغيير الوحيد الذي شهده قطاع الترفيه المتنامي، حيث أعلن المجلس السعودي للأفلام عن تخصيص 40 مليون ريال سعودي لـ28 مشروعاً سينمائياً للفائزين في مسابقة «ضوء» العام الماضي، التي تم إطلاقها في سبتمبر 2019 لدعم السينما السعودية ضمن برنامج جودة الحياة. ويهدف التمويل إلى مساعدة تطوير نصوص الأفلام القصيرة والفلام الروائية الطويلة وإنتاجها.
إضافةً إلى ذلك، أبدت شبكة Netflix اهتمامها مؤخراً بالمواهب السعودية، حيث تواصلت مع بعض المواهب المحليّة لإنتاج مسلسلات تلفزيونية وأفلامٍ طويلة خاصّة بها. كما قدّمت بعض الجهات المحليّة استثماراتٍ ضخمةً مماثلة في مجال صناعة الأفلام والبرامج التلفزيونية، مثل MBC، المجموعة الإعلامية الرائدة إقليمياً والتي قدّمت استثمارات بارزة في مجال إنتاج الأفلام بميزانياتٍ ضخمة، مع اهتمامها بمشاركة مواهب سعودية شابّة في التمثيل في هذه الأفلام.
ويقول تركي: «من الصعب إيجاد ممثلين سعوديين شباب لأن العمل في هذا القطاع ما زال جديداً. ولا تكتفي MBC بعقد جلسات اختيار ممثلين مفتوحة في مختلف أنحاء المملكة، بل تموّل برامج لتدريب المواهب الشابة التي تسجل في هذه المشاريع».
وخلال السنوات القليلة الماضية، قدّم محمد التركي دعمه لوزارة الثقافة بخبرته ورؤيته وعلاقاته للمساعدة في مواصلة نموّ الركائز الثقافية الأساسيّة في الدولة. ويقول في هذا الخصوص: «كان مهرجان MDL Beast الموسيقي أحد المشاريع التي قدمت دعمي لها، من خلال التواصل مع المشاهير والموسيقيين الذين عرفتهم خلال تواجدي في لوس أنجلوس، بالإضافة إلى ترتيب مواعيد زيارتهم إلى المملكة واختبار ما يقدّمه المهرجان شخصياً».
وحصل المشاهير الذين حضروا إلى المهرجان على مجموعة من الخدمات من بينها خدمة الصديق السعودي الذي يعمل كوسيطٍ ثقافي ويجيب على جميع تساؤلاتهم المتعلّقة بالثقافة السعودية، الأمر الذي أشاد به التركي ووصفه بأنه «أمر رائع». وعلى الرغم من أنه لم يقدّم هذه الخدمة بنفسه إلاّ أنه يعبّر عن فخره بتراثه، ويقول:«أفخر بأصلي وبلدي، ويسعدني أن يعلم الآخرون المزيد عن ثقافتنا وعن التاريخ الغني الذي تتميز به السعودية ويستحقّ تقديمه للعالم».
وحدثنا عنه قليلاً: «أعمل على أول فيلم روائي طويل مستوحى من قصّة سعودية، وهي قصّة عالمية في جوهرها تتمحور حول الإلهام والأمل الذي يمكن أن يحمل إسقاطاتٍ ودلالاتٍ للجميع، لكنّها تركّز على امرأةٍ سعوديةٍ شابّة. وتهدف القصّة إلى تسليط الضوء على المزايا التي تمتاز بها المنطقة وتقديمها لمن لا يعرفون الكثيرين عن ثقافتنا، وتصحيح الصورة الخاطئة التي قدمتها لهم وسائل الإعلام».
على الرغم من أنّ التعبير الشائع عن النجاح في القطاع السينمائي يتمثّل في تحقيق نجاحٍ باهر في الولايات المتحدة الأميركية، إلاّ أنّ الأمر يختلف لدى محمد التركي الذي تألّق على السجادة الحمراء ضمن مهرجانات هوليوود الدولية، وعُرضت أفلامه في أبرز المهرجانات السينمائية المرموقة، ويتمتّع بعلاقاتٍ وثيقة مع نجومٍ مثل ريتشارد جير وميشيل رودريغيز. فأبرز علامات النجاح بالنسبة له أن يتألق في موطنه.