سوليوود «متابعات»
يناقش الناقد السينمائي المصري أمير العمري في كتابه «أفلامكم تشهد عليكم» العديد من القضايا المرتبطة بالسينما العربية، في علاقتها بالسينما العالمية، وتطور الفيلم الروائي، باعتباره أكثر أشكال التعبير التي ظهرت وتطورت كثيراً في القرن الماضي، واكتسبت شعبية كبيرة وقدرة على الوفاء بما يشغل السينمائيين من أفكار ومشاعر ورؤى ووجهات نظر.
وبحسب صحيفة الشرق الأوسط يتضمن الكتاب الذي صدر حديثاً عن دار «خطوط وظلال» للنشر والتوزيع الأردنية، نظرات تأملية في عدد من الأفلام العربية، اتخذها العمري ركيزة لتناول بعض الظواهر والقضايا التي تمس جوانب الإبداع والخيال والتباساتها مع الواقع في السينما العربية، كما خصص العمري فصلاً بعنوان «تساؤلات نظرية حول هوية السينما العربية»، تناول خلاله طبيعتها وظروفها ومشاكلها وقضاياها الفكرية والفنية. ومدى اختلافها عن غيرها من سينمات العالم، وسمات هذا الاختلاف، وما تطرحه من رؤى وأفكار.
صورة البطل
يتناول الكتاب العديد من الموضوعات التي تدور حول تطور وتدهور صورة البطل الشعبي في الفيلم المصري، والسينما الفلسطينية في المنفى، والسينما السعودية من خلال دراسة قدمها عن فيلم «سيدة البحر»، وهو أول الأفلام الروائية الطويلة للمخرجة الشابة شهد أمين، وأشار خلالها إلى أن الفيلم يكشف عن موهبة سينمائية وميل واضح لسينما الشعر، والاهتمام بالرمز والتجريد، إلى جانب ذلك هناك مجموعة من الكتابات النقدية التي تحلل وتتوقف أمام اهتمامات السينما العربية ومشاكلها وطرق تعبيرها، وذلك من خلال أفلام من فلسطين ومصر وتونس ولبنان والمغرب والجزائر وسوريا والسعودية، كما خصص فصلاً لدراسة مستقبل الفيلم الروائي في سياق الصراع الدائر بين الثقافات وما يظهر يومياً من ابتكارات واختراعات جديدة توفرها تكنولوجيا الصورة.
وناقش العمري عدداً من القضايا التي تتعلق بتطور السينما العربية، وعلاقتها بالأدب، والعالم، والتمويل الأجنبي، خاصة الفرنسي للأفلام العربية وتأثيره على رؤية السينمائيين في المشرق والمغرب، كما سعى إلى إعادة النظر في بعض جوانب السينما الفلسطينية وتابع مراحل تطورها الحديث، وصولاً إلى أحدث ما أنتجته من أعمال.
وخلال دراسة بعنوان «سينما مشرق… سينما مغرب» يسلط العمري الأضواء على العلاقة بين الظواهر القديمة التي سادت أدبيات النقد السينمائي العربي في الماضي، في التسعينات، وكيف تركت تأثيراً سلبياً على العلاقة بين السينما العربية في المشرق ونظيرتها في المغرب.
وأما عن السبب الذي يكمن وراء انتشار السينما المصرية لدى قطاعات عريضة من الجمهور العربي، فيذكر مؤلف الكتاب أنه يعود أساساً إلى استناد الأفلام إلى تقاليد الحكي الشعبي ذي النهاية الوعظية. وهو شكل مستمد من حكايات الجدات وقصص الأطفال والحكايات التراثية، فضلاً عن القصص التي تحفل بها الكتب المقدسة، وقال إنه بمثل هذه التقاليد يمكن أن يصنع الفنان السينمائي فيلماً عظيماً، وقد يصدر عنه أفلام محدودة القيمة والأثر. فالعبرة هنا بقدرات المخرج وموهبته، واتساع خياله، واستناده من الأصل إلى نص سينمائي متين ومتسق ومقنع.
سينما الضمير الشعبي
وتحدث العمري عن أفلام، «شباب امرأة» لصلاح أبو سيف، و«رجب فوق صفيح ساخن» لأحمد فؤاد، و«للحب قصة أخيرة» لرأفت الميهي، و«الجوع» لعلي بدرخان، و«ليه يا بنفسج» لرضوان الكاشف، و«أحلام هند وكاميليا» لمحمد خان، و«الصعاليك» لداود عبد السيد، و«البريء» لعاطف الطيب و«يا دنيا يا غرامي» لمجدي أحمد علي، وقال إنها تدور حول عدد من المحاور الجوهرية المستقرة في الضمير الشعبي، مثل ثنائيات كالخير والشر، والدين والدنيا، والحياة والموت، وبعض المعاني والتأملات عن مغزى الشرف، ومفهوم الحب والصداقة والرجولة الحقة، والتضحية الكبيرة التي تقدمها المرأة من أجل مواصلة مشوار الحياة، وكيف تنتهك المدينة براءة الريفي الساذج، وكيف يتفرق الأصدقاء أو الأشقاء بسبب الطمع والإغراء.
وهو يرى أن هذه الأفلام نجحت دون ادعاءات، في الوصول إلى الجمهور دون تشويش وتشويه، ويمكن اعتبارها امتداداً للتيار الشعبي الأصيل في الفيلم الروائي المصري، وهي على النقيض من أفلام مثل «الأب الشرعي» و«الوداع يا حبيب العمر»، و«الفاتنة والصعلوك»، و«شعبان تحت الصفر»، و«البيه البواب»، و«اشتباه»… والتي قامت بتشويه الحكايات الشعبية وابتذالها في ميلودرامات سخيفة أو هزليات دخيلة على الكوميديا الساخرة الرفيعة.
وحول علاقة السينما المصرية بالرواية، يقول العمري «إن الفيلم الروائي في مصر استمد الكثير من سيناريوهاته من أعمال أدبية، وجاء معظمها من الرواية أو القصة القصيرة. ولكن التغير والتطور الطبيعي الذي تشهده الرواية، فرض على المخرجين البحث عن سيناريوهات مكتوبة مباشرة للسينما». لافتاً إلى أن هذا الوضع ليس بإمكانه أن يدوم طويلاً؛ فالتغير الحاصل في شكل الرواية وطريقة بنائها، سوف يدفع صناع السينما في القرن المقبل إلى البحث عن شكل روائي جديد يواكب ما طرأ على كل من الرواية والفيلم في العالم من تغيرات، لأن طريق النقل والاقتباس والاستلهام من الأفلام الغربية والتأثر بها، لم يعد مجدياً.
فيلم المستقبل
يرى العمري أن الفيلم الروائي المستقبلي سوف يبدع أدبه الخاص به. ويخلق أيضاً جمهوره الجديد؛ لأن هذه حتمية لا مفر منها إذا أردنا لهذا النوع من السينما أن يتطور ويستمر في بلادنا، ولفت إلى أن هناك غياباً شبه كامل للتعامل مع الفيلم بوصفه فناً بصرياً يعيد صياغة العالم من خلال عين وخيال فنان الفيلم، وقد أدى تأثير الفكرة النظرية أو الكلمة المكتوبة أو الرسالة الأخلاقية إلى تراجع الخيال السينمائي. ورغم أن هناك أفلاماً متقنة من الناحية الحرفية، إلا أننا حين نخرج من دار السينما نتحدث عن «عبقرية» الموضوع الذي يناقشه الفيلم، لكن بعد مرور فترة زمنية قصيرة ربما لا نستطيع أن نتذكر منه لقطة واحدة أو مشهداً بعينه مبتكراً يعكس الخيال الخاص للفنان».
أما عن الدعوة إلى تحرير الفيلم من سيطرة الفكرة الأدبية فهي لا تهدف، حسب العمري، إلى تكريس قطيعة بين السينما والأدب، بل إلى تأسيس علاقة أكثر إثراء لكل منهما، تقوم في الأساس على اعتبار الأدب رافداً ضمن روافد كثيرة، وتطلق الحرية أمام فنان السينما للتعبير عن رؤيته الخاصة باستخدام النص الأدبي الأصلي أو من خلال التأثر به مع الاستفادة في الوقت نفسه، من المصادر الأخرى العديدة المتوفرة، وهذا لا يعني «خيانة» الأدب بقدر ما هو دعوة إلى تحرير السينما.
وتحدث العمري عن الحركة السينمائية في مصر، قال إنها كانت تمور بشتى الاتجاهات والتيارات، وقد كان هناك مخرجون ومصورون ومونتيرون على مستوى عال يضارع أفضل المستويات العالمية، وممثلون اكتسبوا خبرات كبيرة متنوعة وثرية في الوقوف أمام الكاميرا، وتقنيون قطعوا أشواطاً كبيرة في مجال الابتكار والإبداع، إضافة إلى تراث كبير من الأفلام تتبدى فيها شتى الأفكار، وتتنوع الأساليب، وقد صنع السينمائي المصري الفيلم الاستعراضي والتاريخي والبوليسي والاجتماعي والسياسي والخيالي، وتنوعت أعماله بين الميلودراما والواقعية، وبين التقليدية والحداثة.
كما نجح كثير من السينمائيين في صنع بصماتهم الخاصة المميزة، وتركوا تأثيرهم الكبير في المحيط السينمائي داخل مصر وخارجها. ولعل أكبر ما حققته السينما المصرية من نجاح يكمن في قدرتها على ابتكار «شيفرة» خطابية خاصة، تستند إلى الثقافة الشعبية وصارت وسيلة «مضمونة» للتخاطب بين السينمائيين والمشاهدين، وعبر أعمال كثيرة نجحت في خلق «خيالها الخاص» الذي يستطيع المشاهد أن يتعرف عليه ويتمثله ويجد نفسه في داخله.