سوليوود «خاص»
في حفاوة الذاكرة لا يغيب نجوم الكوميديا عن منابع الضحك ومفارز السعادة، وحين تقف على معالم خارطة الكوميديا السعودية لابد أن تستوقفك قامة الفنان «عبدالله السدحان»، والذي استطاع فرض نمطه المُميز بشخصياته المتعددة في سماء الإبداع طِوال عقود من الزمان.
ينحدر «السدحان» من مدينة «شقراء» المكتنزة بعراقتها وتراثها العلمي وبرجال المال والأعمال، وكانت له منذ الصغر علّة مرَضيّة تنتابه من البقاء تحت ضوء أشعة الشمس، فلم يكن يحتمل ضوئها، لكنه أَلِفَ أضواءَ الفن حتى صار اسمًا لامعًا في ساعات ذروة المشاهدة التلفزيونية.
بدأ « السدحان»التمثيل في المدرسة واستعمل «الكركتر» في الحارة، واندمج في الحياة الاجتماعيه يخادع بها كبار السن ويصل بها لأماكن غير مألوفة، وكانت تلك نواة البحث عن أدوار خارج إطار الحياة المعهودة.
استفاد من زمن انتشار المسرح والسينما في الأندية الرياضية، وأثناء تواجده بحفل في نادي الهلال طلب منه المخرج السعودي «سعد الفريح»، الانضمام لطاقم تمثيل مسلسل دون معرفة دوره في أحد مشاهد التلفزيون «أيام الصنادق» على حد تعبيره وكان ذلك عام 1974م، منها تشكلت موهبته التمثيلية وقدرته على مواجهة الكاميرا والحضور أمامها.
انضم «السدحان» لكلية الزراعة لأنها كانت الأسهل بالنسبة له، وفي 1976م جمعته بالمخرج «رشدي سلام» بروفة عن دور «حاجب» وبعد البروفة سلّمه المخرج بطولة مسرحية «ما زال الضمير حيًا»، توقف عقبها عن الممارسة الفنية حتى تخرّجه.
وبحكم علاقته بالفنان العلي» انضم إلى بروفة إحدى المسرحيات، بعدها بدا له أنّ العلي لم يكن في حاجته بعد توزيع الأدوار على الممثلين، لكن أتاحت له الأقدار فرصة الدخول مكان أحد الممثلين الرافضين لدور «الشايب»، وفي البروفة لم يكن يُؤدي الشخصية لكنه بدأ يرسمها في مخيلته، وحين أدّى «أبو زنيفر» فاجأ به الجمهور ومخرج العمل.
لم يستسلم السدحان لدور الشخصية التي لم تكن من ابتكاره -لكنها لاقت الاستحسان بأدائه- فعندما عُرِضت عليه مسرحية «تحت الكراسي»،
ابتكر شخصية «ابو مساعد» التي حظيت بإعجاب جماهيري غير مسبوق.
على خشبة «أبو الفنون» نمت الموهبة البارزة للشاب «السدحان»، وبدأ في كل إلتفاتة بإطلاق ضحكات الجمهور، ومنذ الستينيات صار «السدحان» أحد واجهات الكوميديا في المسرح والتلفزيون، من انطلاقته على مسرح الجامعة حتى الآن، بصحبة كوكبة من النجوم كالراحل بكر الشدي وناصر القصبي.
«السدحان» شارك في أكثر من 26 مسلسلًا وهي: «أيام لا تُنسى» بمشاركة محمد العلي، وعلي المدفع، ثم مسلسل «عودة عصويد» بمشاركة عناد، ومحمد العلي، ومحمد الطويان، ومنى واصف، وراشد الشمراني، وناصر القصبي، تلاهما مسلسل «لا يحوشك حبروك»، ومسلسل «صراع الأجيال».
كما يشهد له المسرح بأدوار خالدة في سِت مسرحيات هم: مسرحية «ثلاثية النكد» بمشاركة رفاقه محمد العلي، وعلي المدفع، وناصر القصبي، بالإضافة لمسرحية «تحت الكراسي»، و«عويس التاسع عشر»، و«عودة حمود ومحيميد»، ومسرحية «ولد الديرة»، ومسرحية «للسعوديين فقط» بمشاركة الأستاذ بكر الشدي.
وفي زمن كانت تسمى الحلقات الطويلة المشابهة لنمط الأفلام الروائية بالسهرات، أدى عبر مشواره الفنّي ثمانية سهرات وهم: «افهموني»، و«رفاقة درب»، و«حمود ومحيميد»، و«عقاب وشيهانة» وسهرة «كذبة بأربعة أرجل»، و«من غير ليش»، و«راجعنا بكر»، و«حلاب الذر».
خلال عقدين من الزمان كان أداء «السدحان» الفني مقترنًا برفيق دربه الممثل السعودي «ناصر القصبي»، وشكّلا أحد أشهر الثنائيات التلفزيونية عبر 18 موسمًا من مسلسل «طاش ما طاش»، والذي انطلق بثه عبر القناة الأولى وختام عدة مواسم منه على تلفزيون «MBC»، كما اشتركا في مسلسلات «كلنا عيال قرية» و«أبيض وأسود» ومسلسل «طيش عيال» الكرتوني.
«السدحان» يشكّل مدرسة في الكوميديا، ففي عقده السادس يُعَد علامة سعودية مسجلة في التمثيل والتأليف والإنتاج، كما استطاع «السدحان» ابتكار شخصيات جديدة عبر أدوار درامية في أعماله التي أُنتِجت في الفترة بين 2013 – 2020.
يلجأ السدحان دائمًا لأدوار الشخصيات المتعددة وتشهد بذلك تِسعُ أعمال بارزة في مسيرته، مما يؤكد على تعدد أوجه موهبته وتَفرُّد أدائه، فهو يحترف التمثيل لأكثر من 42 عاما.
كُرِّم «السدحان» ضمن أفضل 43 شخصية مؤثرة في العالم العربي من قِبلْ مجلة «newsweek»، كما حصد جائزة سهرة إعلان براءة في المهرجان التلفزيوني الأول، الذي أُقيم بالقاهرة كأفضل ممثل في المهرجان، ونال أيضًا مسلسل «طاش 16» جائزة أفضل مسلسل كوميدي من مهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون 2010م.
يستفيق «السدحان» كل يوم وهو مخبأ في ذاكرة العالم العربي كشخصيات لا تنسى، فقد اصطحبنا في رحلة امتدت لعقود من الضحك والدهشة والترفيه، كما اهتم أيضًا بتجسيد قضايا الشارع، وتصوير أزمنة يراها السعوديون اليوم فلا يزدادون منها إلا ضحكًا، لأنها باقية في الذاكرة وحاضرة أبدًا في قلوبهم.