سوليوود «متابعات»
لا سجادة حمراء ولا خضراء ولا من أي لون. لا مدعوّون ولا حفلات ولا منصّات. كل شيء على الهواء.
لا رجال أمن يحرسون المكان ولا صفوف طويلة من السيارات تنتظر دورها لدخول فندق «بيفرلي هيلتون». مع ذلك كانت الحفلة واحدة من أهم الحفلات في موسم الجوائز، حسب ما ذكرت صحيفة الشرق الأوسط.
كانت الأولى كذلك في جدول هذه المناسبات والأولى افتراضياً وليس واقعياً. الطعم مختلف والمرء يشعر بأنه لولا ذاكرته لاعتقد أنه وُلد قبل سنة واحدة أو ربما قبل أيام.
جوائز «غولدن غلوبز» الممنوحة من قِبل «جمعية مراسلي هوليوود الأجانب» وضعت – رغم كل شيء – الخط الحديدي الذي ستسير عليه جوائز باقي المناسبات الاحتفائية الأخرى وصولاً للأوسكار.
فاز «نومادلاند»، كما توقعنا هنا وتوقع كثيرون غيرنا، وهذا الفوز بجائزتين (أفضل فيلم درامي وأفضل مخرج) يعزز حظوظه في بلوغ الأوسكار وما قبل. «نومادلاند» يستحق ما حصل عليه كونه فيلماً جديداً في معالجته لأميركا اليوم. روائي في كل تفصيلة لكنه منفّذ بعين من يريد تسجيل الحياة المتسرّبة مع أحلامها. ليس اللقاء العادي بين الروائي والتسجيل، كما قد يذهب البعض، بل يضم بين الناحيتين رؤية مخرجته كلوي زاو الوجدانية، مما يجعل لحركة كاميرتها واختياراتها من الأماكن دوراً مهمّاً يُضاف إلى ما تسرده.
كما قالت المخرجة حين قبولها الجائزة، الفيلم هو رحلة بين الحزن والاستشفاء. امرأة (فرنسيس مكدورمند) تستشرف الحياة المقبلة بعدما تخلّت عن أماكن حياتها المعتادة وسماتها وقررت أن تكتشف أميركا من جديد وعلى نحو ذاتي.
لم تنل مكدورمند جائزة أفضل ممثلة في فيلم درامي بل ذهبت هذه الجائزة إلى أندرا داي عن دورها في «الولايات المتحدة ضد بيلي هوليداي». مع خسارة مكدورمند خسرت كاري موليغن التي بدت أقوى المرشّحات عن «امرأة شابّة واعدة» وفيولا ديفيز عن «مؤخرة ما رايني السوداء». المرشّحة الخامسة في هذا النطاق، فينيسيا كيربي عن «أجزاء امرأة» لم يكن متوقع لها الفوز على أي حال.
أسود ـ أبيض
في المقابل الرجالي فاز الممثل الأفرو – أميركي شادويك بوزمن عن «مؤخرة ما رايني السوداء»، متجاوزاً ريز أحمد (عن «صوت المعدن») وأنطوني هوبكنز («الأب») وطاهر رحيم («الموريتاني») وغاري أولدمن (عن «مانك»).
المنافسة هنا كانت صعبة. لديها خمسة ممثلين كل أجاد دوره المسنود إليه. لكن فوز بوزمن عزّز وجود الثيمة السوداء بين الجوائز ومتلقيها. لجانب فوز أندرا داي بجائزة أفضل ممثلة عن فيلم درامي فاز أفرو – أميركيون آخرون من بينهم جون بوييغا كأفضل بـ«غولدن غلوب» أفضل ممثل مساند عن دوره في «فأس صغير» ودانيال كالويّا بجائزة أفضل ممثل مساند في فيلم درامي، وذلك عن «جوداس والمسيح الأسود».
كان الوقت مناسباً للمتحدثة باسم الجمعية (الرئيس السابق الهندية ميهر تاتنا) لكي تعترف، ببعض اللباقة المطلوبة، بأن الجمعية كان عليها ضم صحافيين أفرو – أميركيين أو أفريقيين لها من دون أن تذكر لماذا لم تقم الجمعية بذلك حتى الآن، وما إذا كان عليها أن تنتظر من الإعلام والمجتمع السينمائي الأميركي أن يدلّها على تقصيرها في هذا الاتجاه.
ما يشفع للجمعية هو أن تصويت أعضائها تمّ قبل مقالة «ذا لوس أنجليس تايمز» التي فتحت الباب أمام العاصفة ما يعني أن فوز ممثلين أفرو – أميركيين تم نتيجة ضغط ما.
جوائز «غولدن غلوبز» سجلت كذلك فوزاً كبيراً لحساب شركات الإنتاج السينمائية المنزلية.
في نطاق الممثلين والممثلات الكوميديين فاز ساشا بارون كوهن عن «ملحق فيلم بورات» (أو «بورات 2» اختصاراً) كأفضل ممثل في فيلم كوميدي أو موسيقي. ونالت البريطانية روزامند بايك جائزة أفضل ممثلة في فيلم كوميدي أو موسيقي عن دورها البارع في «أهتم كثيراً».
وبالعودة إلى الأفلام تغلّب فيلم «ميناري» على باقي الأفلام التي سعت لجائزة أفضل فيلم أجنبي، وهذا عنوة عن الفيلم الدنماركي «دورة أخرى» والغواتيمالي «لا لورونا» والإيطالي «الحياة قُدماً» والفرنسي «كلانا» وجميعها (باستثناء «الحياة قُدماً») كانت أهلاً للفوز.
«ميناري» مثل «نومادلاند» من خارج القطيع المعتاد شكلاً وتنفيذاً. دراما حول عائلة كورية استوطنت أميركا منذ جيل أو اثنين ووجدت نفسها تسبح ضد التيار عندما اختار الأب الانتقال إلى الريف عوض البقاء في المدينة. هناك اكتشف أن تحقيق الآمال ورغد العيش لا يقل صعوبة وإمرأته تجاهره بالقول إنها لن تستطع العيش في هذا الركن البعيد عن حياة المدن، هذا قبل أن تعود عن رأيها.
في سينما الأنيميشن فاز كما هو متوقع «صول» الذي – بدوره – دلف تحت ظلال الجوائز التي تتخطى ما هو أبيض البشرة. هنا اختار مخرجه بيت دكتور حكاية عازف ساكسفون أسود يموت قبل ساعات من نجاحه المرتقب. ينتقل إلى منطقة بين الحياة والموت ثم يعود في شكل قطّة قبل أحداث أخرى ستمنحه فرصة العودة إلى الحياة كرجل.
شعلة
ما يعزز أهمية هذه المناسبة المُنجزة بنجاح رغم لجوئها إلى العروض الافتراضية أنها منحت شركات إنتاج الأفلام السينمائية المبثوثة مباشرة للمنازل لقاء أجر (مثل أمازون ونتفليكس وسواهما) محط قدم تنجزه للمرّة الأولى.
هذا العام ارتفع عدد الشركات المذكورة في ترشيحات «غولدن غلوبز» كما لم يشهد في أي وقت مضى. شركات مثل «هولو» و«نتفليكس» و«أمازون» وغيرها زاحمت الطاقم التقليدي المكوّن من ديزني وباراماونت وفوكس سيرتشلايت وورنر وسواها. وفوز «بورات 2» (الذي هو من إنتاج أمازون) بـ«غولدن غلوب» أفضل فيلم كوميدي هو أول فيلم من إنتاج شركات منزلية يفوز بجائزة رئيسية من أي نوع.
كذلك الحال بالنسبة لفيلم «مؤخرة رايني السوداء» الذي فاز عنه شادويك بوزمن إذ أنتجته «نتفليكس» بينما خرجت هولو بجائزة في مجال أفضل ممثلة (تلك التي نالتها أندرا داي) كون الفيلم («الولايات المتحدة ضد بيلي هوليداي») من إنتاجها.
سنلاحظ هنا أن «مانك» الذي قام بتحقيقه ديفيد فينشر وأنتجته «نتفليكس» واجه المصير ذاته الذي حظي به فيلم «نتفليكس» السابق «الآيرلندي» لمارتن سكورسيزي. نقاط اللقاء: كلاهما من إخراج سينمائي مشهود له بالإجادة والفرادة. كلاهما عجز عن تأمين ممثليه إلى سدة جوائز الـ«غولدن غلوبز». كلاهما دخل أكثر من ترشيح لهذه الجائزة وخسر الجولة، ثم – وتكملة للمفارقات – كلاهما بدأ الحياة الإعلامية كبيراً قبل أن تختفي الأضواء عليه ويفتر الاهتمام به كمرشح رئيس في لعبة الجوائز.
في نهاية المطاف، فإن جوائز «جمعية مراسلي هوليوود الأجانب» لم تخبُ لا بسبب ظروف الوباء ولا نتيجة النقد اللاذع الذي تلقّته ولا خف الاهتمام بها، بل على العكس مارست دورها في إطلاق شعلة البداية لموسم ما زال حافلاً بالمفاجآت.