سوليوود «متابعات»
«تولد النساء للتضحية من أجل الرجال».
وردت هذه العبارة في أحد أفلام «بوليوود» لعام 1995 وكان بعنوان: «ديلوالي دولهانيا لي جاينجي»، وفيه كانت بطلة الفيلم الرئيسية «سيمران» قد وقعت في الحب، غير أن عائلتها قد رتبت لها الزواج بشخص آخر. وقد طلبت منها والدتها التضحية بحب قلبها وفاءً واحتراماً لرغبة والدها.
بالنسبة إلى «بوليوود»، وهي أكبر مركز لصناعة الأفلام على مستوى العالم، كانت الطريق إلى عرض التصور الحقيقي حول المرأة مملوءة بالعراقيل والعقبات؛ ففي عالم أفلام اللغة الهندية في البلاد، كانت النساء يصوَّرن على الشاشة دائماً في نمط ربات البيوت السلبيات اللاتي يخضعن دوماً لضغوط السلطة الذكورية المتمثلة في الأب رب الأسرة، حسب صحيفة الشرق الأوسط.
غير أن هذا التصور ناله كثير من الانتقادات. وانطلق عدد من الأفلام المنتجة خلال السنوات الأخيرة في تصوير الأمهات، والنساء الهنديات بصفة عامة، إنسانةً كاملة الآدمية وذات تكوين عميق ومعقد؛ وليست مجرد شخصيات سينمائية ذات جوانب ميلودرامية مجردة، وإنما في صورة رائدات يتمتعن بالصراحة، والاستقلال، والقدرة على المواجهة، وتحمل مسؤولية مصائرهن.
ويعدّ فيلم «تريبهانغا»، الذي جرى عرضه على منصة «نتفليكس» الترفيهية في يناير (كانون الثاني) الماضي، من هذه النوعية الجديدة. وتدور قصة الفيلم حول شخصية «أنورادا»، وهي ممثلة وراقصة؛ تلك التي يتعين عليها مواجهة أوجاع الماضي المؤلم عندما انتهت الحال بوالدتها المنفصلة «نايانتارا» إلى دخول المستشفى بسبب مرضها. وكانت السيدة «نايانتارا»، وهي الكاتبة البارعة الحاذقة، تقوم برواية جانبها من القصة بالرجوع بالذاكرة إلى الماضي، وذلك من خلال محادثات تجمعها مع طالبة تعمل على تسجيل اللقاءات للاستعانة بها في تدوين السيرة الذاتية للكاتبة الكبيرة.
يتناول فيلم «تريبهانغا»، الذي هو من تأليف وإخراج الممثلة الهندية شاهاني، موضوعات عدة غير معتاد طرحها عبر أفلام «بوليوود»، مثل قضايا الأمومة المنفردة، وآثار الاعتداء الجنسي، والعلاقات المفتوحة بين الجنسين. ويعرض الفيلم شخصية الكاتبة «نايانتارا» بنفسها وهي تغادر منزل الزوجية وتترك زوجها من أجل البحث عن حياتها وكيانها.
تناولت الممثلة شاهاني هذا الإلهام الواقعي لتحوله إلى سيناريو عمل سينمائي أمضت على تنقيحه 6 سنوات كاملة. وبالنسبة لشخصيات العمل، كما تقول بنفسها، كان من المهم للغاية تصوير النساء على أنهن كائنات بشرية معقدة، يملكن المميزات كما يعانين من العيوب سواء بسواء… «إنهن بشر في المقام الأول، وهن نساء موهوبات، وجميلات، وقويات بحكم الطبيعة، ولكن لديهن مشاعرهن الخاصة أيضاً».
غير أن الجمهور، وصناعة السينما الهندية، لم يكن على مستوى الترحيب المتوقع بموضوع الفيلم؛ فلقد حقق بعض الأفلام التي تدور حول النساء في العقد الماضي، على شاكلة فيلم «الصورة القبيحة» عام 2011، وكذلك فيلم «كاهاني» عام 2012، مردوداً جيداً في شباك التذاكر، في حين أن أفلاماً أخرى، مثل «فيري دي ويدينغ» لعام 2018، لم تحقق نجاحاً يُذكر. ومع ذلك، جرى تصوير الأمهات في كثير من الأعمال الفنية من واقع الالتزام الخالص بالأدوار الجندرية التقليدية داخل الأسرة الهندية، والكفاح من أجل الأسرة، والانشغال التام بمهام رعاية وتربية الأطفال. وفي الدراما العائلية المعنونة «كابهي خوشي كابهيي غام» لعام 2001، ظهرت الأم الهندية (قامت بدورها الممثلة جايا باتشان) وهي مدركة تماماً مشاعر وأحاسيس ولدها ووجوده؛ سواء أكان قريباً منها أم وهو بعيد عنها. وجاء فيلم «هوم ساث ساث هاين» لعام 1999 ليضع تفضيل الوالدة ابنها الصغير في صميم الصراع الذي تدور حوله قصة الفيلم.
كان التحرك صوب إلحاق التصوير ثلاثي الأبعاد بحياة الأمهات الهنديات في الشاشة الفضية مستمراً منذ عقود. ووفقاً للبروفسور بهروز شروف، وهو أستاذ الدراسات الآسيوية – الأميركية في جامعة كاليفورنيا فرع «إيرفين»، بدأت تلك الحركة في الظهور في الأعمال الدرامية الهندية منذ خمسينات القرن الماضي، عندما كانت الهند ما بعد الاستقلال تحاول وتعمل على تحطيم قيود الاستعمار. وقال البروفسور شروف إنه في فيلم «ماذر إنديا» لعام 1957، جرى تصوير الأم المثالية بأنها كريمة الأمة بأسرها، وهي ذات التزام لا يتزعزع حيال واجبات أسرتها ووطنها. لكن مع إطلالة العولمة على المجتمع الهندي، شاعت التوجهات عبر الوطنية مع انتشار رأسمالية الأسواق الحرة، وبحلول تسعينات القرن الماضي، ظهرت الحاجة الماسة إلى التعامل مع جمهور متزايد من الوافدين الهنود من شتات الخارج؛ الأمر الذي أسفر عن نشوء تضارب كبير بين تصوير النساء بالسيدات السلبيات المطيعات، والواقع الحقيقي المغاير لذلك بالفعل، سيما مع مطالبة متابعي الدراما الهندية من جميع أرجاء العالم بتمثيل فني أكثر دقة وواقعية. وفي ما يتصل بالأفلام السينمائية الأخيرة التي تدور حول النساء في المقام الأول، مثل فيلم «تريبهانغا»، يقول البروفسور شروف أن عرض التحديات التي تواجهها شخصية الأم كان ضرورياً للغاية من أجل إضفاء لمحة الواقعية على دورها في الحياة، وأضاف: «لا بد لشخصية الأم الهندية من أن تكون ذات أبعاد ثلاثية، ولا بد من احترام حياتها الخاصة كذلك، لا سيما عندما تتخلى عن الاعتمادية المالية على الزوج».
وقال البروفسور شروف أيضاً إنه «خلال السنوات الأخيرة، أدى الاستثمار المتزايد في منصات البث الترفيهي العالمية في الهند إلى الإسراع من التقدم في الإنتاج السينمائي، وساعدت الرأسمالية، بطريقة أو بأخرى، في تعزيز الابتكار ومعاونة الأصوات الجديدة التي لم تكن تُسمع من قبل».
ويرجع كثير من ذلك الزخم إلى الجمهور؛ إذ يميل المتابعون الدوليون لمنصات البث الترفيهية العالمية إلى أن يكونوا أكثر انفتاحاً على مشاهدة النساء في أدوار درامية متنوعة؛ الأمر الذي يجعل حتمية تنويع الإنتاج الدرامي بمختلف الأدوار أفضل من حيث المنطق وأكثر من حيث الأرباح.
يقول البروفسور شروف إن «خدمات البث تملك نوعاً من الحساسية المعينة التي ترغب في رؤيتها عبر مختلف أنواع السرد المطروح للترويج عبر المنصة. وكان ذلك بمثابة نعمة كبيرة على المخرجات، والمؤلفات، والمصورات، والممثلات الهنديات». وتتفق المخرجة الهندية الانكريتا شريفاستافا، وهي مخرجة فيلم بعنوان «دولي كيتي» عام 2019 يُعرض حالياً على شبكة «نتفليكس»، في أن «التحول يحدث الآن بفضل النساء اللاتي نجحن في شق طريقهن الصعب داخل صناعة السينما الهندية»، ولكنها ترى أن «التغيير يحدث أيضاً بسبب وجود جمهور المشاهدين الأكثر انتقائية فيما يهتمون بمتابعته على الشاشات». وأضافت تقول أخيراً: «أشعر بأن الجمهور ربما ينفتح أكثر على الروايات التي لا تُبرز البطل الذكر، أو الطبقة المجتمعية العليا، أو المغايرين جنسياً، بأنهم يتحركون في مركز الكون».