سوليوود: بكر الصالح
يتناول كتاب «فنون السينما» الصادر عن المشروع القومي للترجمة عام 2001م عبر أربعة أجزاء، عوالم الفن السابع، مبتدئًا بترجمة لكتاب «أحب السينما» لـ«فرانك جويتران»، ومعقبًا بجمع دراسات بأقلام عشرة من كبار السينمائيين العالميين، مرورًا بتقديم عشرة أفلام هزت العالم، ومختتمًا بسيرة 75 سينمائيًا عالميًا للمؤرخ الفرنسي «جورج سادول» والتي تشكل دليلاً للمتفرج الشّاب.
الكتاب الذي تصدى لترجمته عبدالقادر التلمساني، الذي يعدُّ أحد عباقرة الكتابة بالكاميرا والفيلم معًا، يستجلي أسرار السينما عبر 196 صفحة، وبأسلوب مختصر وجذاب يقدم الكتاب خلاصة تجارب تهمُّ المحترفين، وتشكل في الوقت نفسه مدخلاً للمبتدئين والهواة الذين يبحثون عن خطواتهم في عالمنا العربي.
يستند المترجم في تدوينه إلى خبرة عملية وعلمية عميقة في المجال، فالمخرج السينمائي عبدالقادر التلمساني حاصل على شهادة الدبلوم من معهد الدراسات العليا السينمائية بباريس، وترجم عددًا من المسرحيات العالمية، وله عدة نشاطات في أكثر من مجال من مجالات الفن والدراسات السينمائية والنقد الفني.
يقدِّم الكتاب في الجزء الأول خمسة فصول عن أبرز فنون السينما تشكل الأهمية والفاعلية في البناء الفني للفيلم، ففي الفصل الأول يتحدث عن السيناريو، وأن أصل الكلمة يعود للغة الإيطالية، ويعرّفه بأنه «عرض وصفي لكل المناظر التي يتكون منها الفيلم»، مشيرًا إلى مراحل كتابة السيناريو، وكيفية اختيار موضوع له، وعن دور المخرج فيه، وطريقة التقطيع الفني للفيلم الذي يأتي بعد كتابة السيناريو والحوار.
ويتناول في الفصل الثاني الديكور والإكسسوارات، والذي يشمل كل الأشياء الشاذة والغريبة والخارجة عن المألوف، ودورها في زخرفة الفيلم. وفي الفصل الثالث يتحدث عن التصوير ومحورية استخدام الإضاءة، كما يستخدم المصور الرسام فرشاته وألوانه، مشيرًا إلى تجربة أحد ضليعيي التصوير السينمائي في فرنسا «هنري ديكاي»، كاشفًا عن أسرار فن التصوير السينمائي، وعن الإضاءة الصناعية والحركة أثناء التمثيل، وعن نظر المخرجين في الكاميرا، وأسلوب التصوير في الفيلم، واستعمال الألوان فيها.
وتطرق في الفصل الرابع إلى المونتاج الذي يأتي بعد انتهاء التصوير، حيث يجد المخرج نفسه أمام آلاف الأمتار من الصور المطبوعة، المتراوحة بين ألف وأربعة آلاف متر للفيلم القصير، وعشرة آلاف وعشرين ألف متر للفيلم الطويل، وتلك القطع تمثل لقطات الفيلم المختلفة.
ويشير التلمساني إلى أن تكوين الفيلم من ناحية البناء الفني للصورة يعتمد على اللقطات والمشاهد، فاللقطات هي ما تصوره الكاميرا خلال دورانها لمرة واحدة، فيما يعد المشهد تجميعًا للقطات التي تصور في مكان وزمان واحد.
وتطرق في الفصل الخامس إلى الإخراج وعن السينمائي الفرنسي «جورج ميلييس»، الذي قدَّم للعالم فن الإخراج. وعن دور المخرج في علاقته بالممثل يقول التلمساني: «وفضلاً عن توجيه الممثلين يقوم المخرج بالإشراف على مدير التصوير ومهندس الديكور ومصمم الملابس وجميع العاملين في الفيلم وينسق بينهم جميعًا ويقودهم، وبعد انتهاء مدة التصوير يشرف المخرج على مونتاج الفيلم حتى يخرج للناس عملاً منسجمًا في سرده وإيقاعه وأسلوبه»، مؤكدًا أنه «ليس هناك مهنة في العالم تتطلب ساعات عمل بهذا الطول، ولا تركيز فكر، ولا انتباه تام إلا السينما».
وفي الجزء الثاني من الكتاب الذي يحمل عنوان «دراسات بقلم عشرة من كبار السينمائيين في العالم»، يقدِّم دراسات السينما أيام زمان لـ«جورج ميلييس»، واكتشاف العالم لـ«روبيرت فلاهيرتي»، وعن السيناريو والمسرحية والرواية لـ«بيلا بالاش»، وكيف أضحك الجمهور ــ الجمهور لا يعرف ما يريد لشارلي شابلن، وعن التمثيل السينمائي لجان رينوار، وبين الحياة والفن لرينيه كلير، كذلك دراسة إظهار الرجل لجوريس إيفانز، وعن الديكور والمونتاج لروبرتو روسيلليني، وعن الإخراج السينمائي لميكيلانجلو أنطونيوني، وأخيرًا الفيلم هو شريط من الأحلام لأورسون ويلز.
ويذهب التلمساني إلى أن الدراسة الطويلة عن السينما أيام زمان تعد اليوم ذات أهمية عظمى لدارسي الفن السينمائي؛ لأنها صادرة عن الرائد الأول لهذا الفن، كما يوثق عبر دراسة شارلي شابلن «الجمهور لا يعرف ما يريد» مراحل أول عمل سينمائي له حينما كان في الواحدة والعشرين من عمره بالتعاون مع شركة «كيستون»، مشيرًا إلى فكرة النمط الذي تمثله شخصيته التي عرف بها في أفلامه، وعن نوع الكوميديا التي يقدمها، وعن فكرة العصا «البامبو» التي أصبحت جزءًا من شخصيته الفنية.
وفي الجزء الثالث المعنون بـ«عشرة أفلام هزت العالم»، يرى التلمساني أن تلك الأعمال تمثل مسيرة الفن منذ العصر الذهبي للسينما الصامتة حتى أيامنا، وأن النقاد يستطيعون أن يقفوا وقفات طويلة أمام هذه الأعمال التي كان لها أثر ضخم في تطور هذا الفن العملاق «السينما»، ومن أبرزها فيلم «البحث عن الذهب» للمخرج شارلي شابلن، وفيلم «التعصب للمخرج» دافيد وارك جريفيث، وفيلم «معركة الجزائر» من إخراج بونيتكورفو، وفيلم «هيروشيما حبيبي» للمخرج آلان رينيه.
وقدَّم التلمساني في الجزء الرابع والأخير من كتابه «فنون السينما»، دليل المتفرج الشاب إلى السينما العالمية، وتحدث عن الناقد والمؤرخ السينمائي الفرنسي جورج سادول، وأبرز محطاته العلمية والعملية وعمله الرائد «قاموس السينمائيين»، مقدمًا 75 اسمًا عالميًا من بينهم المخرج أورسون ويلزومن، وإريك فون سترويم، وآلان رينه، وألكسندر دوفجينكو، وأندريه بازان، وتوماس إديسون، وروبيرتو روسيلليني، وسيرج أيزينشتاين، وكمال سليم، ومحسن أورتوغرول، ووالت ديزني.