سوليوود «خاص»
ثمَّن المخرج ممدوح سالم، الدعم المقدَّم من سمو ولي العهد محمد بن سلمان، للفن والفنانين والصناعة السينمائية بشكل خاص، والذي من شأنه أن يساهم في الارتقاء بالسينما السعودية ويزيد من حضورها في مختلف المناسبات العالمية والدولية. ممدوح الذي بدأ شغفه بتوفير منصة للسينما السعودية أكثر من تركيزه على صناعة فيلم سينمائي، حدثنا عن ترشيحه لبرنامج القيادة الثقافية للمنافسة على جائزة أفضل قيادي ثقافي وعن الفخر بكونه جزءًا من منظومة السينمائيين الذين عملوا لخدمة المجال السينمائي في ظل تلك الظروف الصعبة، كلُّ ذلك وأكثر في هذا الحوار مع “سوليوود”.
شاركت في عدة أعمال مسرحية وتلفزيونية، وعدد من المشاركات السينمائية الدولية، حدثنا عن بدايات دخولك للمجال السينمائي؟
عندما بدأ شغفي بالسينما كنت مهمومًا في توفير منصة للسينما السعودية أكثر من تركيزي على صناعة فيلم سينمائي. فكرت في إنشاء مهرجان للأفلام السعودية القصيرة في جدة، خاصة عندما كنت أقرأ عن بعض الأفلام السعودية المشاركة في مهرجانات. كان لدي تساؤل: لماذا لا تعرض أفلامنا السعودية لدينا، أليس نحن الأحق بمشاهدتها؟!
وبدأت رحلة تأسيس أول مهرجان سينمائي سعودي في ٢٠٠٥م، كانت كلمة (سينما) حساسة وممنوعة، وكان هناك رفض شديد لفكرة المهرجان، بعد عدة محاولات عملت على تغيير المسمى إلى (مهرجان جدة للعروض المرئية).
ومن هنا، بدأ الاقتناع بالفكرة، وتمت إقامة النسخة الأولى للمهرجان في يوليو ٢٠٠٦م، وسجل وقتها كأبرز حدث ثقافي في العالم العربي، وفقًا لمركز المعلومات واتخاذ القرارات التابع لمجلس الوزراء المصري، وبعدها التقيت بوزير الإعلام الأسبق، إياد مدني، لدعم عرض الأفلام السعودية في الخارج، وبالفعل تم ذلك من خلال الأسابيع الثقافية السعودية بدءًا من عام 2006 في الأسبوع الثقافي السعودي في مصر.
في ٢٠٠٧ توسع المهرجان قليلاً، وبدأ يلفت الأنظار، وعملنا مع نادي القناصل الآسيويين على مهرجان جدة للأفلام الآسيوية بمشاركة سعودية في دورة مهرجان جدة الثالثة في عام ٢٠٠٨، ووجدنا دعمًا من روتانا ونفذنا دورة جيدة وحقق المهرجان حضورًا إعلاميًا. وهنا كانت ردة فعل فئة من المجتمع بالرفض الشديد والتواصل معي بالتهديد ورفع القضايا في المحاكم والجهات الرسمية.
كيف تعاملت مع رفض المجتمع لفكرة وجود السينما؟
لم أُلقِ لذلك اهتمامًا وواصلت السعي لإيجاد سينما سعودية. عملنا على افتتاح أول عرض سينمائي تجاري في السعودية لفيلم «مناحي»، وكان عدد المقاعد ١٢٠٠ كرسي، وعدد العروض ٤ يوميًا ولمدة ١٠ أيام، وكانت تمتلئ المقاعد، وبدأ أمل السينما السعودية يتحقق. بعد ذلك بدأنا نرتب للدورة الرابعة لمهرجان جدة للأفلام على نطاق خليجي، وبدأ المهرجان يأخذ اهتمامًا إعلاميًا إقليميًا ودوليًا، وقبل الافتتاح بليلة تم إيقاف المهرجان بناءً على خطاب رسمي. هذا الموضوع سبب لي إحباطًا كبيرًا، خاصة أن الضيوف وصلوا من دول الخليج، واعتزلت الناس لفترة محددة، بعدها وصلني من المجلس البريطاني أنني رشحت لبرنامج القيادة الثقافية للمنافسة على جائزة أفضل قيادي ثقافي، وبالفعل حصلت على الجائزة، وكانت هذه إشارة الأمل للعودة من جديد. عدت إلى السينما من جديد من فيلم «جدة ملتقى الثقافات والحضارات» الذي كان يتحدث عن سيول جدة، وأشاد سمو الأمير خالد الفيصل بالفيلم، وشارك في عدة مهرجانات وحقق جائزة الخنجر الفضي في مهرجان مسقط السينمائي. قدمت بعدها مقترح مهرجان سينمائي بشكل مختلف (مهرجان الفيلم السعودي) على قناة روتانا لدورتين متتاليتين في عامي ٢٠١٢ – ٢٠١٣م، وحقق المهرجان نجاحًا متميزًا، وتوقف بعد ذلك نتيجة عدم وجود راعٍ للبرنامج. حاولت جاهدًا العودة مرة أخرى، فتم تأسيس مهرجان الشباب للأفلام مع الرئاسة العامة لرعاية الشباب في ٢٠١٦م وتوقف بعد ذلك، وعدت من جديد من خلال تقديم عروض سينمائية للأطفال والعوائل في جمعية الثقافة والفنون بجدة خلال عام ٢٠١٧، ثم توقفت حتى صدر قرار السماح بالسينما في نهاية ٢٠١٧م.
تحظى السينما بدعم كبير مقدَّم من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لقطاعات السينما والتلفزيون، في ضوء «رؤية 2030»، كيف ترى تأثير ذلك على صناعة السينما؟
«رؤية 2030» بقيادة سيدي سمو ولي العهد، شرعت السينما ووضعتها على خارطة الطريق وقامت بإطلاق عدد من البرامج الرئيسية لدعم صانعي الأفلام السعوديين وقطاع صناعة وإنتاج الأفلام في المملكة، بالإضافة إلى استقطاب الأستوديوهات العالمية وشركات الإنتاج الدولية التي تتطلع إلى التصوير في المملكة كموقع جديد للتصوير والإنتاج في قطاع الأفلام العالمي. وسيكون لهذه المبادرات آثار إيجابية ملموسة على مستوى الارتقاء بقطاع الأفلام المحلي وتطوير المواهب، من خلال المنح والشراكات الدولية لتطوير المهارات والقدرات الفنية، وتعمل وزارة الثقافة على تطوير قطاعات الثقافة بما في ذلك قطاع الأفلام في البلاد بصورة مستدامة، تساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال خلق فرص عمل جديدة وزيادة الإنفاق على الخدمات والبنية التحتية للقطاع من خلال مثل هذه المبادرات.
ما هو العمل الذي يمثل في مسيرتكم نقلة نوعية قدمت لكم تجربة عززت من قدراتكم وعززت من منافستكم في المجال؟
الفخر بكوني جزءًا من منظومة السينمائيين الذين عملوا لخدمة المجال السينمائي في ظل تلك الظروف الصعبة، وقد سعدت كثيرًا عندما منحني المجلس الثقافي البريطاني جائزة أفضل قيادي ثقافي 2009م. ولعل تلك الجائزة كانت إشارة الأمل للعودة من جديد بعد إيقاف مهرجان جدة للأفلام.
وكذلك صدر بعد ذلك تقرير من المركز العربي للسينما خلال (مهرجان كان السينمائي) ٢٠١٨م، بأهم ١٠٠ شخصية مؤثرة في السينما العربية، وكنت فخورًا جدًا بوجودي ضمن القائمة بجوار أسماء عريقة من مخرجين ومنتجين من العالم العربي.
تعود أولى التجارب الإخراجية السعودية إلى ما قبل أربعة عقود من الزمن، فهل نتج عن ذلك مدرسة إخراجية سعودية، أم أنها تعدُّ تجربة لا تزال ناشئة وتحتاج إلى مزيد من الوقت لإنضاجها؟ وكيف السبيل إلى ذلك؟
ما زالت السينما السعودية ترسم ملامح خارطتها، فكل مخرج يحاول أن يحاكي مدرسة إخراجية محددة قد تتشابه وقد تختلف مع الآخرين. ولعل هذا الأمر صحي، ولكن الأمر يتطلب دورانًا لعجلة الإنتاج السينمائي بين أفلام مستقلة وأخرى تجارية حتى تتشكل هوية خاصة بالفيلم السعودي، فما زال صناع الأفلام في مرحلة التأسيس والتجريب.
هل تعتقد أن الأفلام السعودية ستكون محصورة محليًا؟
الأفلام السعودية على مستوى المهرجانات الإقليمية والعالمية موجودة، وأصبح لها جمهور نظير ما تقدمه من محتوى وصناعة فنية، ولكن على مستوى صالات السينما فنحن بحاجة كبيرة إلى خطط مدروسة على مستوى الإنتاج والتوزيع والتسويق، فالثقافة السعودية مليئة بالإرث الثقافي والإنساني الذي نستطيع تقديمه للعالم بشكل متميز ومنفرد.
تعليقك حول قرار إنشاء هيئة الأفلام؟
في رأيي الشخصي كان أهم قرار لوزارة الثقافة، فالسينما ظلت مغيبة لأكثر من 40 عامًا حتى عادت من جديد، ويأتي دور هيئة الأفلام في تأسيس الصناعة وتطوير ودعم صناعة الأفلام، وتسويق الأفلام السعودية محليًا ودوليًا، وإنشاء قاعدة بيانات لقطاع الأفلام، إلى جانب تشجيع التمويل والاستثمار في المجالات ذات العلاقة باختصاصات الهيئة، وتشجيع الأفراد والمؤسسات والشركات على إنتاج وتطوير المحتوى في قطاع الأفلام، وإقامة الدورات التدريبية في المجالات ذات العلاقة باختصاصاتها، واعتماد برامج تدريبية مهنية وجهات مانحة للشهادات مختصة بالتدريب في المجالات ذات العلاقة باختصاصاتها، وبناء البرامج التعليمية وتقديم المنح الدراسية للموهوبين، إضافة إلى دعم حماية حقوق الملكية الفكرية، والترخيص للأنشطة السينمائية، وتمثيل المملكة في الهيئات والمنظمات والمحافل الإقليمية والدولية ذات العلاقة بمجال الأفلام.
اتجهت وزارة الثقافة لتقديم بعثات في الإخراج، كيف ترون مردود تلك الخطط؟
التعليم والتدريب جزء من الصناعة، وبالتالي لا بد من توفر البرامج التعليمية والتطويرية بشكل مستمر للهواة والمحترفين، بالإضافة إلى إنشاء المعاهد والأكاديميات المتخصصة في صناعة السينما في المملكة، وهذا الأمر يتطلب من الجهات المعنية التنوع والتوازن بين تخصصات العمل السينمائي من كتابة وتمثيل وتصوير ومؤثرات وإخراج…إلخ.
مع توفر مختلف الإمكانات لنجاح التجربة السينمائية المحلية، ما الذي يكفل لنا تقديم تجربة منافسة تمثل حجم ومكانة المملكة في المجال؟
السينما صناعة وتعد موردًا أساسيًا للعديد من الدول مثل: أميركا والهند وكوريا، ولعل تجربة كوريا كانت ناجحة ونستطيع أن نستفيد من تجربتها السينمائية بما يتناسب مع الصناعة المحلية والعالمية، وكون المملكة عضوًا في مجموعة العشرين فهذا مؤشر اقتصادي يدل على القوة الاقتصادية وتعكس مكانة المملكة على الصعيد الدولي، بالإضافة إلى ما تملكه من إرث إنساني وحضاري؛ هذه المعطيات تمنحك خصائص نستطيع أن نقدم من خلالها مشاريع عالمية، وحتى نستطيع أن نقدم تجربة منافسة علينا التركيز على إنتاج وتطوير المحتوى السينمائي المحلي، وتوزيع وتسويق الفيلم السعودي محليًا وعالميًا، واستقطاب شركات الإنتاج العالمية لأراضي المملكة، وتشجيع التمويل والاستثمار السينمائي، والدراسة الأكاديمية في تخصصات السينما، وخلق الفرص الوظيفية السينمائية.
بصفتك مخرجًا سينمائيًا سعوديًا، ما الذي يثيرك أكثر في هذا المجال؟
نملك الكثير من القصص والحكايات التي نستطيع أن نقدمها للعالم، خاصة أن المجتمع السعودي كان مجتمعًا منغلقًا على نفسه حتى فترة قريبة. ولعل رواية القصص بشكلها السينمائي سيكون لها نتائج مبهرة، فالرواية السعودية تعمقت في شرائح المجتمع السعودي بأطيافه وطبقاته واجتاحت العالم العربي حضورًا ومنافسة. ولعلي أستشهد بتجربة السينما المصرية التي لديها تاريخ كبير وطويل مضى عليه أكثر من قرن من الزمن قدمت لنا خلالها العديد من الأفلام والروائع من الأدب والروايات، وقاموا بتحويلها إلى أعمال سينمائية، ويعد من أشهرهم نجيب محفوظ، وطه حسين، وإحسان عبدالقدوس وغيرهم، إذ قدمت روائع سينمائية مثل: الثلاثية، ودعاء الكروان، وعمارة يعقوبيان، والفيل الأزرق، وهيبتا.. والشواهد كثيرة.
حدثنا عن أبرز موقف بقي في ذاكرتك وترك بصمة في عملك السينمائي؟
من التجارب التي تستحق الذكر، بعد مشاركتي بمهرجان جدة قمت بتصوير أول فيلم وثائقي عام 2006، فيلم «ليلة البدر» الذي يحكي عن تاريخ وعادات أهل الحجاز، وعرض الفيلم في عدة مهرجانات كان ضمنها الأسبوع الثقافي السعودي بروسيا وجمهورية تركمانستان، وكان ضمن الفيلم لقطات عن الحرم المكي والإفطار في رمضان وتكبيرات العيد، وكان ضمن الحضور عدد من الجاليات الإسلامية من غير العرب. وبعد انتهاء الفيلم تفاجأت بعد اللقاء بانتظار الجمهور لي ومصافحتي؛ لأنهم شاهدوا لقطات عن الحرم المكي.. هذا الموقف بقي في ذاكرتي لا أنساه طوال حياتي.