سوليوود «متابعات»
لا أحد (من النقاد وسواهم) يتوقّف اليوم عند أفلام لم تشق عنان السماء شهرة ومكانة، لكنها احتلت زاوية من تاريخ السينما لا يمكن إغفاله أو التقليل من شأنه.
وبحسب صحيفة الشرق الأوسط «جحا البسيط» هو أحدها. أخرجه الفرنسي جاك باراتييه كأول أعماله وقدّمه لمسابقة مهرجان كان في العام ذاته من بطولة شاب مصري اسمه عمر الشريف. المخرج باراتييه كان واحداً من ثلاثة مخرجين فرنسيين في ذلك العام صوّروا أفلامهم خارج وطنهم (الآخران هما ألبير كامو وجان روش).
على عكسهما، تأخر باراتييه في دخول معترك الأفلام الطويلة بعدما أمضى السنوات العشر السابقة مخرجاً لأفلام قصيرة. خدم في الجيش الفرنسي وعرف الشمال الأفريقي خلال خدمته. أحب الأجواء وأحب البشر والثقافة وحاول نقل إحدى أعمال موليير لفيلم من تمثيل عرب (يُفيد الناقد الراحل جورج سادول بأن الفيلم الذي اختاره تحقق على يدي مخرج آخر لكنه لا يذكر ما هو الفيلم ومن هو المخرج الآخر).
عندما باءت محاولته بالفشل اهتدى لشخصية جحا عبر كتاب تم نشره سنة 1920. الكتاب من تأليف ألبير جوزيبوفيتشي وبارتييه لم يلتزم بالنص بقدر ما استوحى منه وبمساعدة مالية من الحكومة أنجز بارتييه هذا الفيلم بنسختين واحدة عربية والأخرى فرنسية.
القصّة التي يطالعنا الفيلم بها بسيطة التكوين: جحا شاب بسيط علاقته بحماره وطيدة، إذ يجد فيه أنيس وحدته، خصوصاً أن أهل بلدته يعتبرونه ساذجاً لدرجة البلاهة. لكن تحت ستار البلاهة هو إنسان عطوف وحكيم وعندما يتعرّف على الفتاة الجميلة أمينة يقع في حبّها. وهي تحبّه لكنها موعودة لرجل أكبر سنّاً يريد الزواج منها اليوم قبل غد. وينتهي الفيلم بمأساة عاطفية على عكس ما يتوقعه المُشاهد لحكاية من المفترض بها أن تبقى طريفة (كشخصية جحا ذاتها) حتى نهاية الفيلم.
لا علاقة لهذا الفيلم بالعالم العربي المُشاد على أطلال «ألف ليلة وليلة» وفانتازياتها. وما يميّزه ليس الحكاية ومساراتها الواقعية فقط، بل كذلك أداء عمر الشريف الذي يوعز بوجود شخص آخر حكيم وسليم، وبل على درجة من الذكاء تمكّنه من امتلاك فلسفة مختلفة للحياة تختلط بيومياته المبعثرة في تلك البيئة الفقيرة التي يعيش فيها.
الفيلم بدوره وليد ثقافات اجتمعت له. السيناريو من الشاعر اللبناني جورج شحادة. الممثلون من مصر وتونس وإيطاليا وفرنسا. تصميم المناظر لفنان تونسي اسمه جورج قصقاص (أترجم اسمه عن اللاتينية ما قد يختلف عن الأحرف العربية هنا)، والتصوير فرنسي (لجان بورجوان).
تم التصوير في تونس وعاد منها المخرج إلى فرنسا ليُشيد بها. كتب: «أهدي 400 مليون عربي يتمتعون بالروحانيات والمخيلات المبدعة ويضمّون مواهب من الممثلين الواعدين هذا الفيلم المستوحى من حياتهم وثقافتهم وتقاليدهم».
لم يسبق أو يلي مثل هذا الحب للعالم العربي من مخرج أجنبي ما يوازي هذه الكلمات وبارتييه لم يكن ملزماً بذلك بل معبّراً عن امتنانه.
فيلم باراتييه ليس الوحيد عن جحا. هناك أقل من أربعة أفلام عنه من بينها فيلمان مصريان هما «جحا وأبو نواس» (1933) و«جحا والسبع بنات» (1948).