سوليوود «متابعات»
ولدت مفيدة التلاتلي في سيدي بوسعيد عام 1947، درست السينما في معهد الايديك بفرنسا، وتخرجت منه في عام 1968. بدأت حياتها الفنية كمختصّة في المونتاج، وقدمت أكثر من 14 عملاً كمونتيرة مع كبار المخرجين التونسيين والمغاربة، ثم قدمت ثلاث تجارب سينمائية بارزة، هي «صمت القصور» عام 1994، و«موسم الرجال» عام 2000، و«نادية وسارة» عام 2004، قبل أن تقرر الاعتزال في وسط المشوار، عندما علمت بإصابة أمها بمرض الزهايمر.
وخلف رحيل مفيدة التلاتلي حزناً كبيراً في نفوس السينمائيين التونسيين، بمختلف أجيالهم، فهي رفيقة نضال الكثيرين من رموز الساحة الفنية في تونس خلال السبعينات والثمانيات، ومدرسة فنية للكثير من المخرجين والفنانين الشباب في تونس، حسب ما ذكر موقع الشرق.
وتعرف مفيدة التلاتلي بمواقفها الفكرية والاجتماعية المناصرة للمرأة، إذ قالت في إحدى تصريحاتها لصحيفة «غارديان» البريطانية: «المرأة العربية ليست مقموعة من طرف الرجل، وإنما المرأة نفسها هي التي تكرّس ذلك التقليد، فالمواثيق موجودة، والقوانين موجودة، لكن المرأة لم تستوعب بسرعة الإمكانيات المتاحة لها».
أشهر المخرجات العربيات
يشار إلى أن مفيدة التلاتلي، تعد أشهر مخرجة تونسية والأكثر تأثيراً في المجال السينمائي، خصوصاً لعملها في مونتاج عدد من الأفلام التونسية والعربية، المفصلية في مسيرة صناعها، على غرار فيلم «ذاكرة خصبة» للفلسطيني ميشيل خليفي، و«عمر قتلته الرّجلة» للسينمائي الجزائري مرزاق علواش، و«باب السماء المفتوح» للمخرجة المغربية فريدة بليزيد، و«حلفاوين/ عصفور السطح» لفريد بوغدير، و«ظل الأرض» للطيب الوحيشي و«الهائمون» للناصر خمير.
وحصلت مفيدة التلاتلي خلال مشوارها، على تكريمات وجوائز عدة، أهمها تكريم مهرجان كان السينمائي في سنة 2008 تزامناً مع الذكرى الأربعين لتأسيس فاعليات قسم «أسبوع المخرجين»، كما كانت عضو لجنة تحكيم هذا المهرجان لعام 2001، وحصد فيلمها «صمت القصور» في مخرجان كان السينمائي لعام 1994، على جائزة «الكاميرا الذهبية»، كما توج بتانيت أيام قرطاج السينمائية وعدد من الجوائز الكبرى في لندن، دمشق ودبي.
وعينت مفيدة التلاتلي بعد عام 2011 وسقوط نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، أول وزيرة للثقافة في تونس، إلا أنها لم تستمر في المنصف لأكثر من أسبوعين، وفضلت الانسحاب من الحياة العامة.
محطمة التابوهات
وقال الناقد السينمائي منير فلاح في حديثه لموقع الشرق، إن مفيدة التلاتلي خاضت معركة كبيرة، وكافحت ضد الأفكار المسبقة، وضد خوفها الشخصي، وواجهت أغلال التقاليد في أعمالها»، مضيفاً: جمعتني بها صداقة عميقة منذ نهاية السبيعنيات، ناضلنا مع بعض ضمن لجنة التنسيق والعمل، التي جمعت في تلك الفترة الجمعيّات السّينمائيّة الثلاث في تونس، وفرضنا على السلطة آنذاك فتح ملف السّينما وإدخال إصلاحات هيكليّة، أثمرت انتعاشة عرفها القطاع السّينمائي في تونس في تلك الفترة».
ووصف منير فلاح، المخرجة مفيدة التلاتلي بـ«محطمة التابوهات» باعتبار طرحها لوضع المرأة، والعقلية السائدة في مطلع القرن الماضي في فيلمها الأول «صمت القصور»، ثم وصفها العصري للواقع الاجتماعي التونسي في فيلمها الثاني «موسم الرجال».
وعن أعمالها وخياراتها السينمائية الفكرية والجمالية، كشف منير فلاح لـموقع «الشرق» أن «مفيدة التلاتلي تتمتع في تقنياتها السينمائية بأسلوب خاص، وبلغة بصرية تعتمد الومضة الرواية، والتي جعلتها قادرة على المقارنة بين واقع المرأة التونسية اليوم، وما كانت عليه في الماضي القريب».
وفي السياق، أوضح أن فيلمها الروائي الطويل الأول «صمت القصور»، ألقى الضوء على «نزوات الأمراء العثمانيين في عهد البايات في تونس، واعتدائهم على النساء»، مشدداً على أن «ما منح أهمية أكبر للفيلم، هو مشاركة عدد من الفنانين، يتمتعون بشخصيات كاريزمية جذابة، على غرار الفنانة آمال الهذيلي، هشام رستم وهند صبري، التي لم تكن إلا ممثلة ناشئة».
المعلمة ومكتشفة المواهب
وكتبت هند صبري كلاماً مؤثراً، في تعليقها على رحيل مخرجة أولى أعمالها السينمائية «صمت القصور»، الفيلم الذي منحها في عام 1994 لقب أفضل ممثلة في أيام قرطاج السينمائية، وهي في 14 من عمرها، وكان بطاقة عبورها لـ«هوليود الشرق» مصر.
ووصفت هند صبري في تدوينتها مفيدة التلاتلي بالمرأة، التي غيرت حياتها والمعلمة والحضن الدافئ في عالم السينما.
بدورها عبرت درة زروق عن حزنها لرحيل مفيدة التلاتلي. وكانت الممثلة التونسية بطلة فيلم «نادية وسارة». وما لا يعلمه الكثيرون أن درة كانت مرشحة لبطولة «صمت القصور» وهي طفلة، قبل أن يقع الاختيار في النهاية على هند صبري لدور «علياء».