سوليوود «متابعات»
كان لعشاق كرة القدم نصيبهم من نكسات 2020 فقد توقفت المسابقات لأشهر، ثمّ حرموا من حضور المباريات في الملاعب، ثم أعلن في 25 نوفمبر الماضي خبر وفاة اللاعب الأسطورة دييغو مارادونا.
كانت شخصية اللاعب، التي توارثت أجيال لم تعرفه إعجابها به، مفتاحاً في صنع اسطورته. وكانت سيرته المليئة بمحطات مثيرة للجدل، مادة دسمة لعدة أفلام وثائقية وروائية عالمية أنتجت قبل رحيله، بلهجات مختلفة. أهمّها، عملان وثائقيان من توقيع مخرجين فازا بجوائز عالمية، أولهما للمخرج الصربي إمير كوستوريكا، وثانيهما للبريطاني آصف كاباديا، وفقا لموقع بي بي سي.
وجه مارادونا السياسي
في فيلم «مارادونا» رافق المخرج، إمير كوستوريكا، اللاعب الأرجنتيني في رحلة استغرقت أكثر من عامين، اضطُر خلالها المخرج للتوقف عن التصوير أكثر من مرة. كما اضطر أحياناً إلى مطاردة مارادونا لمتابعة إنجاز الوثائقي.
بدأت رحلة التصوير من زيارة مسائية إلى منزل دييغو في الأرجنتين. أثناء تذكّره أهمّ المحطات في حياته، اصطحب مارادونا المخرج إلى حي «فيلا بوريتو» حيث ولد ونشأ، ثم دخلا وجلسا في بيت الطفولة بعد مرور 15 سنة على الزيارة الأخيرة.
إذ حافظت العائلة على المنزل بشكله القديم وبأثاثه ومحتوياته القديمة.
رافق كوستوريكا النجم الأرجنتيني إلى نابولي في الزيارة الأولى عام 2005 بعد انقطاع دام سنوات عديدة، وتاه فريق العمل والمخرج مع الكاميرا وسط الحشود التي اندفعت لاستقبال دييغو.
ذهب برفقته في رحلة قطار «ألبا» للقيام بحملة ضدّ اتفاقية التجارة الحرة التي لم تتم بين الولايات المتحدة ودول أميركا اللاتينية. صوّره عام 2005، يلقي خطاباً ضدّ سياسات الولايات المتحدة وجورج بوش الابن، في ساحة مارتا ديل بلاتا في بوينيس أيريس، إلى جانب الرئيس الفنزويلي السابق، هيوغو شافيز، ورئيس تشيلي الحالي، إيفو موراليس، ورافقه إلى كوبا في زيارة إلى رئيسها فيديل كاسترو.
يعطي كوستوريكا مساحة كبيرة للتعبير عن آراء مارادونا السياسية. ويستعيد مباراة الأرجنتين التاريخية مع إنجلترا، في مقاربة سياسية على خلفية الحرب في جزر الفوكلاند. يكرر مارادونا وصف تسجيله هدفاً بيده، بسرقة محفظة رجل إنكليزي.
يصوّر المخرج مارادونا لاعباً ينتقم من خصومه على أرض الملعب. ويصنع منه شخصية رسوم متحركة، تسجّل أهدافاً في مرمى رئيسة الوزراء البريطانية، مارغريت تاتشر، أو في مرمى الرئيسين الأميركيين جورج بوش وريشارد نيكسون.
ويكشف مارادونا عن رفضه التكريم في الولايات المتحدة وقبوله التكريم في كوبا. ويتحدث عن رفضه لقاء الأمير تشارلز لأسباب سياسية أيضاً.
يحاول المخرج أن يجيب على سؤال طرحه في بداية الفيلم . من هو هذا الرجل؟ لماذا عشقه الناس في جميع أنحاء العالم حتى بعد توقفه عن اللعب؟
لماذا قد وصل بعضهم إلى تأسيس كنيسة باسمه في الأرجنتين؟ أو إلى تشجيع منتخب الأرجنتين ضدّ بلاده بسبب مارادونا، مثل ما حدث في نابولي في كأس العالم 1990 في المواجهة بين الأرجنتين وإيطاليا؟
ومن خلال البحث عن مارادونا، يحاول المخرج أن يبرز مكانة كرة القدم، خاصة لدى الشعوب الفقيرة، وكيف تجد من خلال هذه اللعبة مخرجاً من معاناتها.
خلال الفيلم، يظهر مارادونا في سلسلة مقابلات تغيّر فيها شكله أكثر من مرة، وتغير فيها مزاجه. خاصة حين كان يخضع للعلاج من الإدمان.
ولعلّ أبرز ما تناقلته وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بعد إعلان وفاته، الفيديو الذي كان كوستوريكا محظوظاً في تصويره، خلال غناء مارادونا بحضور عائلته أغنية «مارادو»، التي يلخصّ من خلالها حياته.
مشهدان في بداية الفيلم يدلّان على التناقض في شخصية أسطورة القدم.
المشهد الأول، الزيارة الأولى لإمير كوستوريكا، المخرج المعروف، إلى منزل مارادونا. يتعرّف عليه للمرة الأولى، ويتذكر معه أبرز الأحداث التي عاشها لاعباً. يبدو مارادونا ودّياً ومرحباً، لا يبخل بأي إجابة رغم وجود فريق العمل والكاميرا.
في المشهد الذي يليه، ينتظر كوستوريكا صباحاً مع فريق العمل وعدسات الكاميرا وقتاً طويلاً أمام منزل مارادونا، للبدء بيوم تصوير متفق عليه. يخرج مارادونا مع أفراد عائلته ليلقي تحية سريعة على المخرج، ويغادر بسرعة في سيارته بعد إقفال نافذته في وجه عدسة الكاميرا.
وسيعيد تصرّف مارادونا الصادم المخرج إلى تاريخ طويل من الخلاف بين نجم كرة القدم مع الصحافة.
في هذا الوثائقي، يحضر المخرج صوتاً وصورة، وتحضر رؤيته وأفكاره التي شكّلها عن مارادونا وما مرّ به وعن كرة القدم والمحطات التاريخية. بعكس المخرج آصف كاباديا الذي يعود إلى توثيق الوقائع كما حدثت، من خلال الأرشيف.
الفرق بين دييغو ومارادونا
لا يفوت المخرج، آصف كابادياً، عادةً أي مادة من الأرشيف، في سبيل بناء القصة. هذا الأسلوب الذي اعتمده في فيلم «سينا» عن بطل سباقات الفورمولا وان البرازيلي الراحل إيرتون سينا، وفي فيلم «آيمي» عن المغنية البريطانية آيمي واينهاوس التي توفيت شابة عام 2007.
ركزّ الفيلم على الفترة التي قضاها مارادونا في نابولي، ودخل في تفاصيل تلك المرحلة من حياته الكروية والشخصية.
يتحدث مدربه الشخصي الذي رافقه في نابولي، عن الفرق في الشخصية بين دييغو اللاعب وبين مارادونا النجم المعروف.
لن يظهر مارادونا السياسي كثيرا إلا من خلال المباراة مع إنكلترا. والأبرز كان تصريحه حين يقول «كانت الأجواء حولنا وكأننا ذاهبون إلى حرب».
سيجعلنا المخرج نعيش لحظات المباريات الأهمّ في تاريخ سيرة مارادونا، وأحياناً دون مؤثرات صوتية أو موسيقى، من خلال كاميرا النقل التلفزيوني، بما فيها الكاميرا التي كانت تلاحق حركة مارادونا وتعابير وجهه.
هكذا نعود إلى مباراة الأرجنتين ضد إنجلترا وإلى المباراة النهائية عام 1986، وإلى مباراة نصف النهائي بين الأرجنتين وإيطاليا عام 1990، التي كانت بمثابة الضربة القاضية لمستقبل مارادونا في إيطاليا.
ونكتشف ما كان يواجهه مارادونا في حياته الشخصية مع كل استحقاق، مثل مسألة حمل فتاة تدعى كريستينا منه بالتزامن مع بداية كأس العالم 1986، الحمل الذي سينتج عنه طفل لن يعترف به مارادونا إلا بعد ثلاثين عاما.
يرصد المخرج من خلال مقابلات وتصاريح دييغو الإعلامية، تحوّل الشخصية الخجولة المتواضعة إلى شخصية النجم العالمي الذي سيعتاد الأضواء والعدسات والظهور على الشاشة.
يقول اللاعب الأرجنتيني إن كرة القدم كانت أيضاً طريق الخلاص بالنسبة لأب وأم وخمسة أولاد. وشقيقته تقول :«كان كل شيء على كاهله منذ أن كان في سن الخامسة عشرة».
«الغضب وقود مارادونا”
«المدينة الأفقر في العالم تشتري اللاعب الأغلى في العالم»، هكذا لخص تقرير تلفزيوني فرنسي انتقال مارادونا من برشلونة إلى نابولي. لقد كانت صفقة مفاجئة احتلت العناوين الصحفية، وكانت سلّم النجاة لمارادونا للخروج من برشلونة، وأملاً لفريق نابولي الجنوبي الضعيف آنذاك، بالفوز ولو مرة ببطولة الدوري الإيطالي.
يقول مدربّه الشخصي إن الغضب كان وقوداً يحرك مارادونا على أرض الملعب. اكتشف الوافد الأرجنتيني من الأحياء الفقيرة في بوينس أيريس عنصرية الشمال، فتعاطف أكثر مع نابولي.
في المباراة مباراة ضد يوفنتوس على أرض الأخير، سجّل هدفاً جعل أهل نابولي يعلقون صورته في منازلهم. وورد في نشرة أخبار محلية أن خمسة أشخاص أغمي عليهم في المدرجات.
مع تحقيق فوز تلو الآخر، كانت المسيرات تدور حاملة تماثيل العذراء وصورا لمارادونا، ووصل حبّ الجماهير له إلى درجة التأليه، أجرى مرة فحص دم روتيني، فأخذت الممرضة عينة منه ووضعته داخل كنيسة.
كانت تلك الإحاطة تحاصره حتى في منزله، حين كان يطل من شرفته ليجد أشخاص وصحافيين ينادوه ويطلبون توقيعه.
الجميع كان يريد التقرب من الأسطورة، بمن فيهم المافيا.
في أول مؤتمر صحافي عقده عند قدومه إلى نابولي واجه مارادونا سؤالاً عن المافيا والتي قال المراسل خلال طرح سؤاله إنها تتدخل في أمور كرة القدم. ظهرت علامات التعجب على وجه مارادونا الذي بدا كأنه لا يعلم شيئا، قبل أن يتدخل رئيس النادي ويتهم الصحافي بتلطيخ سمعة المدينة ويطلب منه الخروج من القاعة.
يتحدث مارادونا للمرة الأولى عن تفاصيل علاقته بعصابة «كامورا»، منذ تلقيه الدعوة الأولى إلى توطيد العلاقة وتوفير المافيا الحماية والكوكايين له. كان الكوكايين متوفرا لقاء بعض الخدمات مثل الظهور في مناسبات ترعاها المافيا.
كانت المخدرات العالم الذي بدأ يلجأ إليه هرباً من إيقاع حياته المزعج في نابولي. كان قد طلب في أكثر من مناسبة الرحيل، لكن رئيس نادي نابولي، كورادو فيرلاينو، الذي وصف نفسه في إحدى المقابلات بـ «سجان مارادونا»، رفض رحيله.
كان مارادونا يتوقف عن تناول المخدرات من يوم الأربعاء تحضيراُ للمباراة، ويعود إلى الكوكايين من الأحد إلى الثلاثاء.
كان رئيس النادي يعلم بمسألة إدمانه، بالإضافة إلى معاناته من آلام في الظهر لكنه قال«طالما كان يستطيع اللعب كنا نفوز».
انتهى مشوار مارادونا في إيطاليا بعد تسجيله هدفاً ضد إيطاليا في مباراة نصف نهائي كأس العالم 1990 في نابولي.
كان قد أثار أجواء انقسام طلبه من الإيطاليين تشجيع منتخب بلاده الأرجنتين ضد إيطاليا.
تحركت ضدّه الصحافة، وسلطات الضرائب وشرطة مكافحة المخدرات، ابتعدت عنه المافيا بعد أن ضاق الخناق على نشاطاتها بسببه. «يقول مارادونا وصلت إلى نابولي وكان في استقبالي الآلاف وغادرت وحيداً بصمت».
بعدها نشهد التحول الثالث لمارادونا أمام عدسات الكاميرا بعد إدمانه على المخدرات، بتأثر بسرعة ويذرف الدموع ويكرر أسفه. يتحدث عن ابتعاد عن عائلته وعن لحظات كان يخاف فيها من ابنته خلال إدمانه. يقول «كنت أعلم أني سأصبح لاعب كرة قدم، لكني لم أعلم أني سأدمن المخدرات».