سوليوود «خاص»
قليل من الأفلام التي تستطيع العزف على أكثر من وتر وقضية فتجيد معالجتها وإيصالها بحبكة تطوق المشاهد برؤية سينمائية متقنة، فذلك ما فعله الفيلم السعودي «حد الطار» الذي استطاع أن يجسد خلال 90 دقيقة التكامل الدرامي للنص والصوت والصورة.
وإذا كان الفيلم يقف على مشارف حدين، حد الرقاب وحد الطار، فقد كانت معالجته لبيئة التسعينيات أقل نوستاليجية وأكثر واقعية، موازنًا بين دراما المكان والشخوص، فكل الطبقات الاجتماعية حاضرة ضمن إطارها بالقدر الذي يبرز قصة الحب، وسلطة إرث الوظيفة، وعاطفة مجتمع مترابط.
يحمل «حد الطار» رهان النقاد على قدرة المخرجين الشباب على تكثيف الزمن في المعالجة الروائية الطويلة بعيدًا عن الحمولات التي تعسف المراحل أو تحيل القصة إلى هامش، لكن «الشلاحي» أثبت أن في الإمكان أكثر مما كان، وأن الزمن كفيل بحمل التجارب السعودية من خطى البدايات إلى الحضور العالمي الفاعل.
يعيد بناء الفيلم تركيب قصة حب من حيث تنتهي أخرى، منتصرًا لهزائم الحب التي كبّلتها قيود الزمن وسطوة الظروف، وللمحبين الذين واروا في صدورهم قصاصات المراسلة ولهفة الرد على الهاتف المنزلي، ولكل الذين يستطيعون بشجاعة أن يؤثروا على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة على مدى الأيام.
وفي صميم تركيبته الإبداعية كان الفيلم يدوزن قدرات نجومه لإبراز عنصر زمني يكثف القصة والمحيط الاجتماعي لأبطاله، فكان حضور المخضرم علي إبراهيم يرسل قفشاته كتعبيرات سريعة على هامش حضور الشخصيات، لكنها تبرز دلالات عميقة في سبر أغوار زمن التسعينيات وقضاياه، حيث يبرز النظرة الاجتماعية إلى الأرامل، وكذلك المسيار، وشرب العرق، وألعاب الحارة، وشغب عقول مراهقي ذلك الزمان.
وإذا كانت قدرة بعض الأفلام العربية تتكئ على أداء النجم الأوحد أو على تلبية الرغبات العاطفية، فإن “حد الطار” استطاع أن يمزج في سرديته وإيقاعه السينمائي إبداعًا يمثل روح المتلقي، يتلاقى معه في كل مشهد ليربت على روحه أو يضحكه أو يطربه أو حتى يبكيه. فتلك الروح هي من تجعل من «حد الطار» منجزًا يقفز بالصناعة السعودية إلى الأمام، ولا يقفز عموديًا ليهبط في مكانه كما يعبّر الناقد السينمائي «محمد رضا»، فهناك شخصية تبدع بفرادة وتنجز عملاً محمّلاً بثقافة أصيلة.