سوليوود «متاعبات»
عقل التحري داماركو (برودريك كروفورد) لم يكن معه عندما خرج، في مطلع الفيلم، من دكان رهونات بعدما اشترى خاتماً ثميناً. الوقت ليل والساعة متأخرة والمطر ينهمر بغزارة. فجأة يسمع صوت طلقة نارية قريبة. هناك رجل في الظلام منحني فوق جثة رجل سقط لتوّه. يسحب داماركو مسدّسه ويأمر القاتل بالاستسلام. يخبره القاتل أنه تحر مثله. يريه شارته. يتركه داماركو يدخل محلاً للاتصال بالبوليس. لكن القاتل خدعه وهو ليس تحرياً بل سنرى لاحقاً (في نهاية الفيلم) حقيقته.
رؤساء داماركو يلومونه كونه ترك القاتل يمضي بعدما أوقعه في خديعة ويقررون الإعلان عن توقيفه عن العمل لكي يتم إرساله متخفياً بشخصية أخرى إلى مرفأ نيويورك لأن الدلائل تشير إلى أن القتيل والقاتل على صلة بالمكان. هناك عصابة منظّـمة تعمل في المرفأ وداماركو المتخفّـي يحاول الوصول إلى قمّـتها. للغاية يصطدم برجال العصابة ويتعرّف على شرطي يعمل معها لكنه لن يستطع الإفصاح عن هويّـته الحقيقية والنيل منه بسهولة، وفقا لما نشرت صحيفة الشرق الأوسط.
على هذا المنوال تقع أحداث هذا الفيلم البوليسي الداكن كنبرة والذي كتبه ويليام باورز عن رواية وضعها كاتب اسمه فرغوسن فيندلي بعنوان «رصيف الميناء» أو Waterfront الذي بقي بلا شهرة مثله في ذلك المخرج روبرت باريش (1916 – 1995). هذا كان مونتيراً ونال سنة 1947 أوسكاراً عن توليفه فيلم روبرت روزن «بدن وروح» Body and Soul.
يوحي الفيلم سريعاً بأنه حكاية عن تحري متخفٍ وأنه موضع بحث القصّـة الوحيد. لكن هذا الإيحاء ما هو إلا جزء من الصورة. فالفيلم (ولا أدري إذا ما كانت الرواية على النسق ذاته أم لا) يحتوي على عدّة شخصيات لا تفصح عن هويّـتها أو هي تحمل أقنعة تختفي وراءها. هناك طبعاً داماركو العامل تحت غطاء من السريّـة، فإذا به ليس التحري الوحيد في ذلك إذ إن هناك لانسي (رتشارد كايلي) المخبر الآخر الذي يعمل خفاءً. هناك رئيس العصابة الذي لا يتم الكشف عنه سوى في الدقائق العشر الأخيرة. وهناك شخصيات تفعل ما يموّه حقيقتها كزوجة المخبر (جين ألكسندر) التي تتصرّف كما لو كانت حرّة طليقة مع داماركو. كل هذا مع بعض المفاجآت المثيرة للتوتر ولو مرحلياً مثل المشهد الذي تلتقي بداماركو خطيبته فجأة فتتصرّف كما لو أنها لا تعرفه لأنها أدركت أنها إذا ما فعلت كشفت سرّه.
الفيلم مزيّـن بممثلين مساندين وثانويين جيّدين من إرنست بورغنين (في دور أحد زعماء العصابة كاسترو) ونيفيل براند (أحد وجوه الشر الدائمين ويلعب دور اليد اليمني لكاسترو) وتشارلز برونسون الذي له دور صغير جدّاً كأحد عمال المرفأ. لكن لا أحد منهم يستطيع الاقتراب من أداء برودريك كروفورد الذي يبدو كمن يعجن الشخصية ويلوكها بحيث تصبح هو. رجل عزيمة وقوّة جسد وحضور لكنك تدرك أنه يعلم تماماً الخطر الذي يذلف إليه، وبالتالي تستطيع أن تقرأ خوفه من تلك اللحظة التي قد يتم كشف سرّه فيها.
يضمّه بعض النقاد الأجانب إلى نوعية «الفيلم نوار» (الفيلم البوليسي الذي يعتمد الأبيض والأسود ودكانة الشخصيات والغموض) لكن هناك أفضل منه في هذا الشأن. لا يخلو من عدة حسنات. هو واحد من تلك الأفلام المتعددة التي تتحدث عن شرطي تتركه إدارته وحيداً في مهمّة صعبة لا تخلو حبكتها من بعض التفاصيل المعهودة لكنها تبقى شيّقة.