سوليوود «متابعات»
ها هي الإنتاجات السينمائية السعودية تحلق مجددا في سماء المهرجانات الدولية، وتتربع على عرش الجوائز العالمية، بعد أن خطفت عيون المهتمين والنقاد في قطاع السينما. ولقد كثرت في الآونة الأخيرة الأفلام والمسلسلات السعودية التي انبثقت من صميم المجتمع الغني بأفكاره وأحداثه المختلفة والمشوقة، وكان نتيجتها نمو القطاع، وازدهار الأفلام، حيث بدأنا نشاهد إنتاجات تنافس بقوة حبكتها وإخراجها وأدائها التمثيلي. من بين تلك الأعمال الفيلم السعودي بقصته والتونسي بعدسته «آخر زيارة» الذي طار إلى مهرجان مراكش الدولي، ومهرجان كارلوفي فاري السينمائي الدولي في جمهورية تشيكيا، وعرض في المسابقة الرسمية لمهرجان مانهايم-هايدلبرج الدولي الألماني العريق في دورته الـ68، وحصد الجوائز الجمة، كما حظي بدعم من مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي «إثراء» بعد فوز نص الفيلم بمسابقة أيام الفيلم السعودي عام 2017، فما مكنونات مشاهده، وما سر نجاحه؟
معاصرة ثلاثة أجيال
ووفقا لصيحفة الاقتصادية تتمحور قصة الفيلم حول ثلاثة أجيال، فالأب ناصر الذي يؤدي دوره الممثل أسامة القس، رجل كبير في السن، لكنه ما زال متمسكا بعادات وتقاليد قريته التي غادرها من زمن، لديه ولد يدعى وليد، يؤدي دوره الممثل عبدالله الفهاد، يعيش مرحلة المراهقة مع والده في عالم بعيد عن عادات وتقاليد الأسرة، وتبدأ الأحداث المثيرة للفيلم عندما كان ناصر ووليد في السيارة متجهين إلى حفل زواج، لكن فجأة، يرن الجوَّال، وعليه يغير الأب مساره، لنكتشف عند وصوله إلى بلدته، حال والده العجوز الذي يرقد على فراش الموت. وهنا يبرز المخرج عبدالمحسن الضبعان الشحصيات التي ترمز إلى ثلاثة أجيال، فالجد هو الجيل القديم وأفكاره التي تذوي في ظل الطفرة الاجتماعية التي تشهدها السعودية، والأب هو الجيل الوسط الذي لا يزال حائرا بين تراث أجداده والقيم المعاصرة، والابن الذي يمثل رغبة الجيل الجديد في التحرر من القيود ورسم ملامح المستقبل بشروطه الخاصة.
ما بين الرياض وخارجها
ينتقل ناصر وابنه وليد إلى مجتمع مختلف تماما عما عايشاه في مدينة الرياض، ويتيح لهما ذلك الانتقال فرصة التعرف على مجموعة من الشخصيات وعلى طبائع وأمور وتصرفات لم يكونا يريانها عادة. كما يتزامن حضورهما في هذه القرية مع حدث مأساوي خيم بظلاله على القرية وأخبارها، بسبب اختفاء فتى يدعى مشاري في ظروف غامضة، وما بين هذا الحدث الغامض، واكتشاف تقاليد القرية وشخصياتها، وتوتر علاقة الأب بابنه، وتأثر شخصياتهما بالمحيط الذي يعايشانه. ويعد الفيلم التجربة الإخراجية الطويلة الأولى للمخرج عبدالمحسن الضبعان، وهو من كتابة الناقد فهد الأسطاء والضبعان، وإنتاج محمد الحمود، وقاد الفريق الفني أمين مسعدي مدير التصوير التونسي، الذي حازت أفلامه جوائز دولية عدة، لذلك تجري أحداثه في سيناريو محبوك وصولا إلى اللحظة التي تبلغ فيها علاقتهما قمة التوتر وذروته، ويموت الجد المريض وينكشف لغز اختفاء الفتى الصغير.
تحديات السفر للتصوير
يتحدث الممثل شجاع نشاط لصحيفة «الإقتصادية» عن الفيلم قائلا «أنا سعيد وفخور بتجربتي في فيلم «آخر زيارة»، لأنها كانت تجربة مختلفة من حيث صناعة فيلم له رؤية وأهداف وأفكار، يدرك صنَّاعه ما يريدون أن يقدموا من خلاله، إضافة إلى أن التصوير أيضا تم في محافظة الخرج، وهو مكان جميل، ولأول مرة يتم تصوير فيلم سينمائي طويل فيه، حيث إن المدينة وضواحيها وناسها قدموا الكثير للفيلم ولصناعه».
وعن التحديات التي واجهتهم أثناء إتمام العمل، يقول شجاع «لم تكن هناك تحديات صعبة أو كبيرة، حيث إن العمل كان جميلا وهادئا، لكن قد يكون مشوار السفر للوصول إلى لوكيشن الفيلم – حيث إنني أسكن مدينة الرياض – أحد التحديات البسيطة، وتم التغلب عليها بالسفر مع الأصحاب المشاركين في الفيلم».
علاقة وطيدة مع المخرج
يعود شجاع بالذكريات إلى المشاهد الجميلة في الفيلم التي تركت في داخله بصمة جميلة، ويخبرنا عن أجمل مشهد بالنسبة إليه وهو مشهد الخروج من المنزل وتعطل السيارة برفقة الصديق الممثل عبدالله الحمادي، وهنا يعرج في حديثه على المخرج عبدالمحسن الضبعان، فيصفه بالإنسان الجميل والفنان المميز، يؤكد أن العمل معه دائما مختلف ويأخذ المشاهد إلى مناطق جديدة ومختلفة، لأنه يتميز دائما بهدوئه في مكان التصوير، ما يجعل العمل دائما أفضل وأصدق وأكثر تركيزا، مع الإشارة إلى أنه ليس العمل الأول بين الممثل شجاع نشاط والمخرج عبدالمحسن الضبعان، حيث عملا معا في وقت سابق في المسلسل السعودي التراجيدي «42 يوم».
ابن المسرح
وفي إجابة عن سؤال حول مسيرته الفنية يقول شجاع «أنا ابن المسرح وابن مسرح جامعة الملك سعود في المقام الأول، حيث قدمت أول مسرحية من خلاله وحصلت على جائزة المركز الأول لأفضل ممثل في المهرجان المسرحي لجامعات مجلس التعاون الخليجي الذي أقيم في البحرين، لذا أنا أعشق المسرح وتفاعل الجمهور اللحظي مع الممثل والمشهد والقصة، لكن إضافة إلى ذلك فأنا أيضا أجد نفسي في السينما والتلفزيون لأنها أيضا فنون ذات إحساس وتعامل مختلف، وتتميز بإبداع مختلف، وذلك لصناعتها المغايرة للمسرح، لذا لا أعتقد أني أستطيع أن أقول إنني أحب مجالا أكثر من آخر، إنما أعشق التمثيل في كل مجالاته».
الأفلام والكورونا
مما لا شك فيه أن جائحة كورونا كان لها الأثر السلبي الكبير في قطاع السينما في أقطاب العالم كافة، وفي هذا الصدد يقول شجاع «تأثر العالم أجمع والقطاعات كافة بجائحة كورونا، ومن ضمنها قطاع السينما بلا شك، لكن حتى مع وجود الجائحة وبعد وضع الإجراءات المناسبة لمواجهتها والعمل من خلالها تمت صناعة عدد من الأعمال وعرضها أيضا، ويدل هذا الأمر على الشغف والحماس لدى الصنَّاع ونحن منهم، والقدرة الشرائية القوية الداعمة للصناعة من خلال الجمهور السعودي المتعطش لكل عمل سعودي يقدم بحرص واهتمام».
وفي سؤال عن فيلم «آخر زيارة» وإذا ما تأثر بالجائحة؟ يقول شجاع «أعتقد أن الجائحة أثرت في القطاع بأكمله، ومن ضمنه فيلم “آخر زيارة”، ولا شك أن التأثير في القطاع أثر في التسويق وفي وصول الفيلم إلى الجمهور، لكن يظل الفيلم أخذ حقه في المهرجانات السينمائية والحصول على الجوائز ومن ثم عرضه في السينما التجارية، وننتظر الآن أن نشاهده على مختلف المنصات والقنوات».
وبعد النجاح الذي حققه عالميا والجوائز التي حصل عليها والإشادات التي تلقاها، بدأ عرض فيلم «آخر زيارة» في صالات السينما السعودية أخيرا، وبالتالي انضم إلى كوكبة من الأفلام السعودية التي عرضت في السينما في عام 2020، وهي أفلام: نجد، شمس المعارف، بونويرة، سيدة البحر، وأخيرا فيلم 321 أكشن.