سوليوود «متابعات»
يتحدث عصام الياسري لصحيفة المدى انه في 29 حزيران, 2014 كان الصديق السينمائي والباحث في السينما قيس الزبيدي قد أهداني كتابه : في «الثقافة السينمائية- مونوغرافيات»، الذي صدر في نهاية عام 2013 في سلسلة افاق سينمائية/ الهيئة العامة لقصور الثقافة في القاهرة وكتب على أول صفحة لعنوان الكتاب:
صديقي وأخي عصام الياسري علّك تجد في كتابي بعض المتعة؟ وأستطيع أن اقول إن من يقرأ كتاب «في الثقافة السينمائية- مونوغرافيات»، لا يحصل على مثل متعة كهذه ، إنما يحصل – كما يتمنى الزبيدي – على زاد معرفي كثير، لأنني وأنا أعيد نشر المقالة مرة أخرى بشكل أعمق وإضافات متسعة كان لابد منها بحكم الجديد الذي طرأ، خاصة لأن المخرجين الشباب خلال السنوات المنصرمة قد حققوا للسينما العراقية منجزات رائعة ، ومهم لكل منهم أن يلتفت إلى أهمية هذا الكتاب.
لماذا؟
يكتب في المقدمة الناقد السوري زياد عبد الله أنه : «رصد نقدي لأكثر من مئة كتاب صدر في الوطن العربي ليجعل منه مؤلفه قيس الزبيدي نافذة واسعة تطل على الجوانب المختلفة والمتعددة لفن السينما! ونجد في فصوله رصداً نقديًاً وفنيًاً للعديد من التجارب والظواهر السينمائية في العالم، ويحتوي على الكتابات التأسيسية التي تلزم لبناء الزاد المعرفي لكل مهتم ومحب لفن السينما(…) وسيكون «المونوغراف»، هنا تتبعاً للسينما من حسن بن الهيثم والفوتوغراف إلى أيامنا هذه، وبين المونتاج والميزان سين نجد مساحة لكل ما له أن يكون على اتصال بمفاصل تاريخ السينما، وليكون الكتاب في مساره السردي مستعيناً بما قرأه الزبيدي من كتب سينمائية صدرت بالعربية سواء المترجمة إليها أو المؤلفة بها، وعليه يمسي الأمر أشبه بكتاب في كتب، مع آلية مونتاجية تمنحها سياقاً زمنياً، وصراعاً درامياً تمارسه تلك الكتب بعضها مع بعض، فتتلاقح الأفكار، وتخرج منه مجتمعة على كل ما يريد قيس الزبيدي قوله لنا، وهو هام وملّح، ولي أن اسمعه أحياناً كنداء دائم وعميق أمام نداءات الاستغاثة التي على الثقافة السينمائية أن تطلقها في عالمنا العربي».
يحتوي الكتاب على 192 صفحة واثنا عشر فصلاً هاماً من الناحية الحرفية والفكرية وغلاف بتصميم بسيط ذو مغزى موضوعي. وينشغل الفصل الأول ببداية اختراع الصورة الفوتوغرافية بدءاً من البصريات العربية واختراع الفوتوغرافيا: الكتابة بالنور الى بداية الصورة المتحركة: السينماتوغرافيا: النحت في الزمن. وينشغل الفصل الثاني بأهم كتابين حول نظرية فن السينما صدرا في المانيا وهما: من كاليغاري الى هتلر والشاشة الشيطانية، إضافة إلى أهم كتاب صدر في مصر في الخمسينيات الى أهم كتاب صدر في فرنسا ـ علم جمال وعلم نفس السينما لميتري ـ هنا يعرفنا المؤلف بمنطق الفيلم ومفارقات الزمن وصورة الفيلم التي تجمع بين الماضي والحاضر. وسيبدا الفصل الثالث بصباح خير السينما في منهج يتناول منطق البحث عن التجريب لاكتشاف قدرة الصورة المتحركة في خلق الفن السابع: أفلام التجريب الأولى ومتعة تذوق السينما كفن وفروقات الاستعارة الشعرية في الأدب والسينما، الى دخول السينما عالم الحداثة. وطريف الفصل الرابع: ما هي السينما؟ إنه يتناول طرق وأساليب الكتابة والإخراج عند الموجة الجديدة في السينما وسينما المؤلف الى أساليب الإخراج عند الذين يحبون السينما التي لا تحبهم: وسنقرأ كيف يتعرض غودار في فيلم «الصينيون»، الى أطفال ماركس والكوكا كولا! ونقرأ في الفصل الخامس عن المختبر الإبداعي، وعلاقة النقاد بالسينما وكيف يتعرضون في حوارهم الى الأفلام وكيف يمكن للنقد والتقويم ان يساهم في تدريب الحاسة النقدية ومهمة الناقد السينمائي وأسرار النقد في الكتابة عن السينما والأفلام وحول المعادلة الصعبة في انجاز ما يُحكى في الرواية وما يُحكى في السينما؟
وبعد قليل من الصبر لن نعود إلى قراءة فصول الكتاب فصلاً بعد فصل انما نصل باستمرار في تتابع منهجي الى علم جمال السينما وجماليات الفيلم ومساراته ليس فقط في الأفلام التي نشاهدها إنما أيضاً في تلك الأفلام التي لم تنجز وبالتالي لن يتسنى لنا رؤيتها!
وقد يبدو هنا أن نستمر لنعرف القارئ بمحتويات الكتاب الذي يتعرض أيضاً الى مهنة كتابة السيناريو عن الأديب الكبير نجيب محفوظ والى خصائص السينما في العالم الثالث وعن المخرج الإيراني والشاعر كريمستاني: يلقب بذئب الشعر والسينما المتربص الذي ورث موهبة غنائية ترى الجمال والحياة وسط حتمية وجود لا يطاق، ويعد أول شاعر بصري وضع السينما الإيرانية على خريطة العالم بعد ان سار في طريق:
من أجل الوصول إلى الجنة/ يتحتم العبور/ من طريق الجحيم.
وعلينا أن نذهب الى السينما في رحلة طويلة كما فعل سيد فيلد لنكتشف من جديد ارسطو الذي يعاد طريقته المدهشة والمثيرة في مبدأ «التماهي»، الذي يعود من المسرح اليوناني الى أفلام هوليوود لتخاطبنا، لكننا سنكتشف أيضاً غريمه المُغترِب والمُغرٍب برتولت بريشت الذي ذهب بدوره الى هوليوود وكتب:
عند كل صباح
لكي اكسب قُوتي
أذهب الى السوق
حيث تباع الأكاذيب
وأنا
حافل بالأمل
اصطف بين البائعين
نتعرف أيضاً على الكاتب العظيم غابرييل غارسيا ماركيز وواقعيته السحرية في السينما الذي ربما لا يعرف إلا القلة من محبيه تلك العلاقة الوثيقة بينه والسينما وإلى بعض الأفلام التي حولت من رواياته الى السينما مثل «حكاية موت معلن»، و «الحب في زمن الكوليرا»، لكنه كتب سيناريوهات كثيرة ونظم ورشات لتطوير القصص والحكايات في مدرسة سان انطونيو دي لوس بانيوس الدولية للسينما والتلفزيون، ليتم تحويل الحكايات، بعدئذ، إلى سيناريوهات في ورشة ماركيز الدائمة في المكسيك، والهدف من ورشاته دعم المدرسة السينمائية في كوبا مالياً.
تتوالى إذن فصول الكتاب بحيث يضم كلٍ منها مجموعة من حرفيات السينما، مناهجها ومصطلحاتها وأسرارها، ونتعرف فيها على اهم التيارات السينمائية والأفلام والمخرجين: الملك أورسون ويلز: يؤسس عرش اللقطة/ المشهد. الايطالي فيلليني: يرى أن أفلامه السينمائية هي أولاده، أما التلفزيونية فهي أشبه بأبناء إخوته. بينما نتعرف على انطونيوني أثناء ما يكون في الصحراء ليرسم قصة عن البحر. ويخبرنا بازوليني إنه فضّل غرامشي على ماركس، ولعبت أفكاره كما يقول: «دوراً أساسيا في تكويني… وكان لأصدائها في داخلي تأثير حاسم». مما جعل بازوليني يعارض ميل حزبه الشيوعي للحكم على الأدب من وجهة نظر سياسية ليضع التساؤل التالي: إن أولئك الذين مع اليسار في الأدب، ليسوا دائماً معه في السياسة! والمسألة التي تثير الاستغراب هي التشابه بين انغمار بيرغمان وأرسون ويلز، فإذا ما أخذنا فيلم «الفراولة البرية»، لبيرغمان وفيلم «المواطن كين»، لويلز، فأين سنجد الصلة الفنية في معالجة الموضوع المتشابه عند الاثنين؟ أي البحث عن الطفولة الضائعة! يكتب بيرغمان:«الحقيقة أني أعيش دائماً وباستمرار في طفولتي، كما أني أسكن باستمرار في حلمي، ومنه أقوم أحياناً بزياراتي للواقع»!.