سوليوود «خاص»
حاز شهادة الهندسة الإلكترونية في أرقى الجامعات العالمية ببريطانيا، شهادة منحته الفرصة للوجود في مناصب إدارية في عدد من المؤسسات والشركات الكبيرة بالسعودية، إلا أن ذلك لم يمنعه من اتباع شغفه في المجال الفني ليُبدع فيه ويصبح من أهم عمالقته، كان علامة فارقة في تاريخ المسرح السعودي ونهضته، ومن أوائل الدّاعمين والمؤسسين للفن الخليجي بشكل عام.
لُقّب بـ«مهندس الدراما الخليجية» وبرز على يديه عدد من أبرز الوجوه الدرامية التي نالت شهرة واسعة فيما بعد، ذلك هو الفنان السعودي محمد بن عبدالله بن علي السالم، الذي وُلد في صيف عام 1949م بمدينة الرياض.
عاش «العلي» حياة اليتم في مرحلة مبكرة من عمره، فبعد أن انتقلت عائلته من حائل إلى الرياض توفيت والدته وهو لا يزال رضيعًا، فانتقلت مهمة تربيته إلى زوجة خاله حتى عمر سبع السنوات، تلقى دراسته الأولى في السعودية ثم انتقل إلى دمشق عام 1955 ليكمل جزءًا من الابتدائية، كما انتقل إلى القاهرة التي كانت البوابة لتعلق «العلي» بالفن منذ صغره، ومنها تشكلت طموحاته وأحلامه الفنية، فأكمل مرحلة المتوسطة لمدة 3 سنوات، ثم عاد إلى الرياض ليدرس مرحلة الثانوية من عام 1962 حتى 1965م.
وبعد افتتاح التلفزيون الرسمي بالرياض عام 1965م، برز «العلي» في التقديم، فكان أول مذيع سعودي يتحدث باللغة الإنجليزية في القناة السعودية الثانية قبل أن يبتعث لدراسة الهندسة الإلكترونية في بريطانيا لمدة أربعة أعوام حتى عام 1970م.
شكل محمد العلي ومعه عبدالعزيز الحماد وسعد خضر، فريقًا استأثر بالأضواء في السبعينيات من خلال أعمال ما زال بعضها عالقًا في ذاكرة المشاهد السعودي؛ إذ برز أبو عبدالإله، صاحب الحضور التلفزيوني اللافت والأداء التلقائي المتميز، في الأعمال المسرحية وفي التلفزيون حتى بات علامة فارقة في الدراما السعودية، حيث شارك في 28 مسلسلاً و6 مسرحيات، كان أشهرها أول مسرحية قدمها «المزيفون» عام 1971م، و«طبيب بالمشعاب»، و«آخر المشوار»، و«ثلاثي النكد»، و«تحت الكراسي»، و«ديك البحر»، وله عدد كبير من الأعمال الدرامية، وكان «طعم الأيام» آخر مسلسل يُعرض له على القناة السعودية.
التحق «العل» بالعمل في الخطوط السعودية، وتولى منصب نائب رئيس مجلس إدارة شركة «ردك» لمدة عشر سنوات حتى عام 1985م، ثم تولى إدارة مجموعة السعودية للإنتاج الفني حتى عام 1993م ليعمل مستشارًا لرئيس مجلس إدارة شركة شامل من 1994م حتى 1996م، وعقبها تفرّغ منذ عام 1998م لأعماله الخاصة من خلال مؤسسته التي يملكها وهي مؤسسة السالم للإنتاج الفني.
لم يكن حضور محمد العلي في الأعمال التلفزيونية يقل عن نجوميته في المسرح، حيث ساهم «العلي» في نقل المسرح السعودي من محيطه المحلي إلى آفاق أوسع من خلال أعمال مهمة عرضت في كثير من البلدان العربية. وشارك «العلي» البطولة في مسرحية «عويس التاسع عشر» التي عرضت في مهرجان المسرح التجريبي بالقاهرة، من تأليف راشد الشمراني، ومن إخراج عامر الحمود، ونالت المسرحية ثناء الصحف المهتمة بالفن والأدب آنذاك.
وعن موقفه الفني يصرح «العلي» بالقول: «أتمنى من الجيل القادم أن يرى أعمالاً نحن نمثلها، بدلاً من أن يروا أعمالاً تضر بقيمهم ودينهم وأخلاقهم فتقتل فيهم مبادئهم الجميلة».
أظهر عدد من النجوم احترامهم الكبير لمحمد العلي وتأثيره الكبير على مسيرتهم الفنية، إذ صرّح النجم السعودي عبدالله السدحان أن محمد العلي كان له دور كبير في ظهور عبدالله السدحان، قائلاً: «مهما قلنا عن محمد العلي لن أوفيه حقه فقد كان يهمه بروز الشباب اللي معه ولا تهمه نفسه».
قدَّم «العلي» الكثير للساحة الفنية السعودية ما جعله يستحق التكريم والاحتفاء به في العديد من المناسبات، ففي 1998 كُرّم من مهرجان الجنادرية، كما تم الاحتفاء به عام 1999م في مهرجان تلفزيون الخليج السادس، الذي أقيم في البحرين، ومن الجامعة العربية في مهرجان الرواد العرب.
يخلد المشاهدون السعوديون أعمالاً ثرية لـ«العلي» في ذاكرتهم، لكنه رحل مبكرًا تاركًا الفقد لمحبيه، حيث انتقل لمثواه الأخير في الرابع من يناير عام 2002م، مخلفًا وراءه إنجازًا مسرحيًا وتاريخًا من العطاء الفني والدرامي.