سوليوود «متابعات»
بدأت صالات السينما في مصر ولبنان ودبي، عرض فيلم «جدار الصوت» للمخرج اللبناني أحمد غصين، بعد مشاركته في مهرجانات عالمية وإقليمية عدة كان آخرها «مهرجان الفيلم العربي في زيورخ» الذي نال فيه جائزة أفضل مخرج عن أول فيلم روائي يصنعه، نقلا عن الشروق.
انطلق الفيلم من «مهرجان البندقية السينمائي» في عام 2019، ونال 3 جوائز أفضل فيلم، أفضل التقنيات، وجائزة الجمهور، لكن الأحداث التي تعصف بلبنان والتي تتزامن مع أزمة وباء كورونا، أجلّت عرضه أكثر من مرّة.
من خلال إعلانه الترويجي ومشاهد الدمار الضخمة فيه وعنوانه، يتحدث الفليم عن حرب ما، ترتبط بالطيران الإسرائيلي، الذي يرتبط بدوره في ذاكرة اللبنانيين الجماعية بالقصف المدمّر والخوف والقلق الذي ينتابهم بعد كل اختراق للأجواء.
علاقة ملتبسة
لكن الفيلم لا يحكي عن الحرب ولا يصوّر مقاتلين أو جنوداً اسرائيليين، بل يعالج شظاياها في أجسام ونفوس وعقول من عاشوها، ثم ينطلق للبحث في علاقة أهل الجنوب بمنطقتهم، علاقة جيل يختصرها بطل الفيلم مروان «كرم غصين» بأهله وأرضه وحكام الأرض، التي تبدو ملتبسة منذ اللحظة الأولى لبدء الحكاية القاسية، ليظهر مع تتالي الأحداث أنه يبحث عن وطن بديل ويريد الهجرة لكنه لا يريد ترك البلد.
مشاهد الترقب والقلق من المجهول التي يقابلها اشتغال لافت على المؤثرات الصوتية والسيناريو، تُقلق المشاهد أيضاً، وتجعله متأهباً لما سيحصل، وتحثّه أيضاً على السؤال والتفكير كيف تٌفسد الحروب حياة الأفراد وتبدّل فهمهم للسياسة؟.
التصالح مع الجذور
اختار المخرج أن يبدأ خيط السرد من علاقة ملتبسة بين مروان وأبيه، وعن ذلك يقول غصين: «هذه العلاقة هي المحرّك الأساسي للفيلم. فلا أتناولها من حيث لعبة صراع الأجيال التي لا أحبّذها، بل من ناحية علاقة الشاب بقريته والمنطقة التي ينتمي إليها، علاقة الكره والحب، فهي علاقة تشكّل محوراً أساسياً في البلد كله» .
وأضاف غصين لـ«الشرق»: «علاقتنا بجيل أهلنا الذي صنع أو شارك في حرب، هي علاقة مع جيل كانت لديه أحلام فشل في تحقيقها، وهي علاقتنا بالموروث السياسي».
وتابع: «صعد مروان إلى الجنوب ليتصالح مع هذا المكان وينقذ أبيه من الحرب، لكنه يتعرّف إلى أبيه من خلال رجلين غريبين بعمر أبيه ويعرفانه جيداً، في السبعينات من عمرهما، الأول مشغول بالميثولوجيا الدينية، والثاني عاجز عن الكلام مؤمن بأن البيت المحاصرين فيه «حيث يدور الفيلم كله» لا يُقصف ولا يُهدم ويتحدث دوماً عن شباب مخلّصين سينقذون الجميع لكن في النهاية لا يأتي أحد» .
ليس عن الحرب
يبدأ الفيلم بمشاهد دمار قاسية، يأخذنا غصين بعدها إلى التنقيب في ذات الإنسان ولحظات خوفه وضعفه وكبريائه، بسيناريو يطرح أسئلة كثيرة من دون إجابات “ل«يس على السينما أن تجيب على أي شيء، بل علينا أن نسأل أسئلة وأن نذهب برحلة شاعرية مشبّعة بالأحاسيس، لا أجوبة يقينية فيها، لا أحد لديه أجوبة أصلاً».
ويضيف «لا تعنيني مشاهد العنف والدمار، كما لا يعنيني أن أصنع فيلماً حربياً، “جدار الصوت” فيلم يدور خلال الحرب وليس فيلماً حربياً».
ويؤكد أن «ما يعنيه هو» «شكل وعمق النحت السينمائي وبناء الطبقات من ناحية علاقة الكاميرا بشخصياتها وسرد الزمن وعلاقته بالوقت، فأبطال الفيلم يفقدون صلتهم بالزمن ويصبح وقت الفيلم من ضمن وقتهم اليومي الحياتي» .
الصمت أبلغ من الصوت
وعن تركيزه على الصوت «القصف، دعسات الجنود، خرير المياه، التنهدات، الهمس، الراديو» كعنصر أساسي في الفيلم، قال غصين: «الصوت كان جزءاً أساسياً من حروبنا، فنحن جيل عاش الحرب ولم يتعاطَاها إلا عبر الصوت. فالصوت هو (الشخصية) السابعة التي تلعب دوراً رئيساً إلى جانب الممثلين» .
وأشار إلى عمله مع المخرجة ومهندسة الصوت رنا عيد لبناء العناصر وإبراز «اللاصوت» الذي يضيف عنصراً مهماً على الفيلم، وليس الرعب والخوف فقط، «أي لحظة تتنفس الكاميرا مع خروج الصوت أو الهمسة أو النَفس التي هي مهمة جداً في القصة، إذ أنه يفصل سقف بيت هزيل الشخصيات، عن الجنود الإسرائيليين”، كما أوضح، مؤكداً أن “اللاصوت هو صوت أيضاً، والصمت أحياناً يقتل» .
أما الشخصيات التي جعلها كلها مضطربة وسلبية، فلفت غصين إلى أنها «شخصيات مسحوقة، كما هي حالنا» ، وقال: «نحن مضطربون أيضاً بعد كل ما نمرّ به، نؤمن بأيديولوجيا ثم تنهار وتسقط فننتقل إلى أيديولوجيا معقّدة أكثر» .
وتابع: «نعيش حروباً ونؤيد أخرى، في وقت لا نخوض تلك الحروب بأنفسنا بل تُسقط علينا كل دمارها النفسي والاجتماعي والمادي، فنخسر مع كل حرب جزءاً من إنسانيتنا».
لا سينما من غير سياسة
في السيناريو قصص واقعية وخرافات وأساطير عن الخيّالة وعن «مقاومة لا تقهر» ، كالتي أتت على لسان الممثل عادل شاهين الذي رحل بعد تصوير الفيلم. كأن المخرج أراد توجيه رسالة أو موقفاً سياسياً، هناك 3 عناصر للفيلم: القصة الجارية، وعناصر الرحلة الشاعرية والتجربة التي يدخل المشاهد إليها، وهناك الشقّ السياسي، فلا سينما من غير سياسة، لكن ليس السياسة المباشرة بالمعنى العام للكلمة إنما السياسة على مستويات عميقة وتاريخية وتحليلية.
وأشار غصين إلى أن الشخصيات في الفيلم غارقة بالخسارات والهلوسات والسلبية العدوانية، ومصائر غير محدّدة واحد منها عادل شاهين المشغول بقصص أسطورية دينية.
وأفاد بأنه استوحى هذه القصص والاستعارات من قصص عشتها في حياتي اليومية وقصص أشخاص وأقارب أعرفهم حكوا لي ماذا حصل معهم بعد حرب تموز”، لذلك “ذهب “جدار الصوت” في رحلة مع المُشاهد لنكتشف ماذا يحدث للناس بعد انتهاء الحرب.
وتابع: من المعروف أن الأقليات أو الطرف الأضعف المشارك في الحرب يستدعي تاريخه وأساطيره ومعاركه الخيالية ليحشد شعبه للمعركة في إطار بروباغاندي، وعادل شاهين الذي يترجم من العبري إلى العربية ويحكي للعالقين معه في بيت واحد حكايا خرافية واهماً من يسمعه بأنها حقيقة، يمثّل هذه الحالة الإنسانية تحديداً.
وأضاف: وضعت ذلك في هذه الشخصية التي تبتلعها الميثولوجيا على الرغم من أن لها خلفية سياسية علمانية يسارية وخاضت تجارب بالحياة، ليس بهدف السخرية أو النقد، بل لأدفع الشخصيات الى أبعد من مجرد مشهد.
علاقتنا بالصوت ملتبسة
وفي ما يتعلق بعنوان الفليم، قال غصين إن “العنوان وضع في الأساس بالانكليزية «All This Victory» لكن الترجمة كل هذا النصر ثقيلة، لذا ارتأينا ان نسميه «جدار الصوت» ليأخذ منحى اللحظة الأولى لأي اختراق طيران حربي أو حتى انفجار، حيث تولد ردة الفعل الأولى ويتعطّل العقل عن التفكير. وأضاف: «نحن لا زلنا نفزع عند سماع أي صوت قوي وفجائي وبالتالي علاقتنا بالصوت صارت ملتبسة».
وأشار إلى أن «الفيلم كلّه يعيش في ردّة الفعل الأولى التي أبني عليها الحكاية، حيث دخل الجنود الإسرائيليين، وحيث كان هناك قصف وطيران حربي. وللجدار أيضاً مكاناً أساسياً في الفيلم، إذ يفصل بين الطابق الأرضي حيث المحاصرون والطابق الأعلى حيث الجنود».