سوليوود «متابعات»
قلما تجد بيتا في مصر به أحد لا يعرف الفنانة شادية.
ورغم رحيلها قبل ثلاث سنوات، يتذكرها المصريون، وغيرهم من العرب، بأغانيها وأفلامها، ثم الملابسات الدرامية التي أحاطت باعتزالها الفن.
وبمناسبة ذكرى رحيل الفنانة الشهيرة، التي تحل السبت، وثق الناقد والمؤرخ السينمائي المصري المعروف أشرف غريب، في كتاب جديد، حياة شادية، التي اشتهرت بأوصاف أهمها “صوت مصر”.
موقع «بي بي سي» اطلع على الكتاب، الذي سوف يصدر خلال ساعات، وتحدثت مع كاتبه الذي وصف مسيرة شادية بأنها «تمثل تاريخ عصر بأكمله تداخل فيه الفن مع السياسة في مجتمع كان منفتحا على الآخرين، ومناخ تظلله حرية المظهر والجوهر على السواء».
وحسب الكتاب، فقد ولدت فاطمة كمال شاكر، وهذا هو اسم شادية الحقيقي، في التاسع من فبراير/شباط عام 1931 لأم مصرية من أصول تركية وأب مصري يعمل مهندسا زراعيا في ضياع الملك. وسبقتها أختها عفاف إلى عالم الفن قبل أن تحترف الأخت الصغرى، هي الأخرى، الغناء والتمثيل عام 1947 .
وطوال مشوارها الفني، قدمت شادية مئة وسبعة عشر فيلما (من أشهرها “معبودة الجماهير” مع عبد الحليم حافظ) ونحو خمسمئة عمل غنائي (من أشهرها “ياحبيبتي يامصر”) ومسرحية واحدة.
أبرز سمات الكتاب هو أنه يضم كل ما كتبته شادية بقلمها، أو قالته بنفسها، طوال مشوارها الفني مرتبا ترتيبا زمنيا، وتحكي فيه أدق أسرار حياتها المتصلة بالفن والسياسة والمجتمع فيما هو أقرب للمذكرات الشخصية. ولذلك اختار غريب لكتابه عنوان “شادية تتحدث عن نفسها”.
يقول غريب “ونحن نترك شادية تتحدث عن نفسها، أولينا اهتماما في هذا الإصدار بعدد من الدراسات العميقة عن عطائها الفني مطربة وممثلة، وقوائم تشمل كل تراثها الغنائي والسينمائي بالإضافة إلى مجموعة نادرة للغاية من الصور التي تسجل نحو ستة وثمانين عاما، هى عمر الفنانة الكبيرة”.
“نصف مفاجأة”
عندما اعتزلت شادية الفن عام 1986، كانت حديث الناس بسبب الظروف التي أحاطت بقرار الاعتزال المفاجيء.
ومنذ ذلك الحين وحتى الآن لم تتوقف التكهنات عن شخصية شادية . غير أن كثيرا من هذا الكلام، حسبما يقول غريب “شوهه الهوى والشطط، أحيانا بدافع المحبة الزائدة لها”.
ويضيف “إذا أردنا الدقة، نستطيع القول إن قرار الاعتزال كان نصف مفاجأة أو نصف متوقع.. كلاهما صحيح، وكلاهما بحاجة إلى توضيح”.
يروي الكتاب أنه منذ التاسع عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 1984، حينما عُرض فيلمها الأخير”لا تسألني من أنا” وحتى قرار اعتزالها بعد عامين، لم تفكر الفنانة في أي مشروع سينمائي جديد. ولم تنشر الصحافة، المتشوقة دائما لأخبار النجمة الكبيرة، أي خبر في هذا الصدد، كما لم تهتم بمتابعة نشاطها المسرحي بعد انتهائها من عرض تجربتها المسرحية الوحيدة “ريا وسكينة” مع النجوم عبد المنعم مدبولي وسهير البابلي وأحمد بدير، فضلا عن غيابها التام تقريبا عن الحفلات الغنائية العامة.
لذلك بدا للمتابعين، كما يقول المؤلف، أن النجمة الكبيرة “فقدت حماسها للدخول في مشاريع فنية جديدة، وأنها ربما كانت تعد في مكنون نفسها لقرار مصيري. وهو ما حدث بالفعل. ولذلك كان الأمر متوقعا بنسبة كبيرة”.
ومع ذلك “لم يخل الأمر من قدر من المفاجأة.”
وحسب الكتاب، فقد جاء قرار الاعتزال النهائي بعد أسابيع قليلة من مشاركتها في حفل تقليدي يقام سنويا بمناسبة المولد النبوي اشتهر باسم “الليلة المحمدية”. وفيه غنت شادية أغنيتها “خذ بإيدي” التي ذاع صيتها بعد الاعتزال. يقول غريب “حينئذ بدا الأمر عند إعلان اعتزالها كما لو أنه كان استجابة ربانية سريعة لدعاء الفنانة الكبيرة، في الأغنية، بأن يأخذ الله بيدها”.
لماذا أثار قرار اعتزال شادية، ضجة استمرت سنوات، طالما أنه كان متوقعا إلى حد ما؟
يقول غريب إن توابع القرار هي السبب. فحسب الكتاب، فإنه عندما قررت شادية الاعتزال، لم يكن إقدام الفنانات على هذه الخطوة لأسباب دينية حتى ذلك الوقت ظاهرة ملفتة، إذ كانت اثنتان أو ثلاث فقط، أبرزهن الممثلة شمس البارودي، قد سبقنها إلى قرار مماثل.
يقول غريب “غير أن اعتزال فنانة بقيمة شادية وقامتها واسمها الكبير لفت الانتباه لتلك الظاهرة، أو فتح، على الأرجح، الباب لظاهرة عرفتها الحياة الفنية واستمرت ربما حتى نهاية التسعينيات من القرن الماضي”.
شملت قائمة الفنانات المعتزلات: هناء ثروت، وشمس البارودي، ثم مديحة كامل، ونورا، وسهير رمزي، وعفاف شعيب، وسهير البابلي، وشهيرة ومديحة حمدي، وصابرين، وصولا إلى عبير الشرقاوي وميار الببلاوي.
غير أن شادية “تبقى بين كل هؤلاء هي الإسم الأكبر والأهم، وصاحبة التجربة الفنية العريضة والأطول عمرا والأكثر تأثيرا”.
ولوحظ تراجع معظم هذه الأسماء عن الاعتزال بعد عدة سنوات وعودتهن إلى التمثيل من جديد سواء بخلع الحجاب (مثل فريدة سيف النصر وميرنا المهندس) أو بالتحايل عليه بالشعر المستعار (مثل صابرين ثم سهير رمزي)، أو بالتمثيل بالحجاب، كحال كثيرات.
إغراءات وضغوط
يشير غريب، في كتابه، إلى أن شادية “بقيت مع القليلات اللائى تمسكن بموقفهن الثابت من الاعتزال رغم كل الإغراءات والضغوط”.
ويلفت الكتاب الانتباه إلى أنها هي “الوحيدة بين كل مَن اتخذن هذا القرار التي لم تُحرِّم الفن أو تتبرأ من تاريخها الطويل فيه. وكل ما كانت تصرح به حتى للمقربين منها هو أن الله قد هيأ لها طريقا آخر كي تعطي فيه”.
فهي “لم تتوقف بالفعل حتى قبل أزمتها الصحية التي انتهت بوفاتها عن عمل الخير ومساعدة المحتاجين، ولها أياد بيضاء كثيرة في مشاريع إنسانية عدة معظمها لم يُعلن عنه”.
ورغم تمسك بعض الفنانات بقرار الاعتزال، كان ظهورهن العلني اعتياديا سواء فى المناسبات العامة أو عبر أحاديث صحفية من آن لآخر.
أما شادية، فقد كان ظهورها، حسبما يشير غريب “عزيزا ونادرا، وفي مناسبات مفصلية واضحة بحيث يمكن بسهولة رصده، مثلما حدث في ذروة أحداث يناير 2011 “، في إشارة إلى ثورة 25 يناير/كانون الثاني التي أطاحت بالرئيس المصري (الراحل) حسني مبارك.
ولهذا كله وغيره، فإن شادية “جمعت بين محبة الجميع واحترامه على اختلاف المستويات والتوجهات، وهو ما يفسر سبب “انفجار الشارع المصري والعربي محبة وتقديرا عقب إعلان رحيل شادية فى مظاهرة لم تتحقق لغيرها من نجوم الفن على مدى التاريخ”.
ويعتبر الكتاب أن “هذه المظاهرة لم يخفت أثرها حتى اليوم رغم مرور ثلاث سنوات على رحيلها”.
وفي الكتاب، الذي يشبهه غريب بأنه “مذكرات شخصية”، يُحكى عن حادث الاختطاف الذي تعرضت له شادية وهي طفلة عندما أغرتها سيدة بقطعة حلوى وخطفتها وحبستها مع الحيوانات في مكان مهجور. غير أنها استطاعت الهرب والنجاة بأعجوبة.
ونقلا عنها، في أكثر من مناسبة، يروي غريب أيضا تفاصيل قصة المطرب التركي “الذي غير مسار حياتها وأقنع والدها بضرورة أن تدرس وتحترف الغناء”.
ما أهمية الكتاب؟
بسبب شعبية شادية الهائلة، راج الكثير من الشائعات عنها وخاصة عندما قررت الاعتزال. وكتاب “شادية تتحدث عن نفسها” هو الوحيد الذي يوثق مسيرتها الفنية “مستبعدا أي معلومات لا تستند إلى مصدر أو دليل موثوق به”.
ويكشف غريب عن ملابسات منع بعض أعمال شادية طوال مشوارها الفني وكونها المطربة الوحيدة التي حملت لقب “صوت مصر” .
والكتاب هو الأحدث في سلسلة كتب كرس غريب تاريخه في النقد كي تكون، كما يقول “جزءا من ذاكرة وتاريخ الفن في مصر، ومحاولة، تعتمد التوثيق العلمي الصارم، لصيانة هذه الذاكرة بنجومها”.
ومن هذه الكتب المهمة: ،”الممثلون اليهود في مصر” الذي كان له صدى واسع عند صدوره قبل ثلاثة أعوام تقريبا. كما بات بعض كتب غريب مرجعا للتأريخ الفني مثل: “الوثائق الخاصة لليلى مراد”، و”العندليب” عبد الحليم حافظ، و”السندريلا: الحقيقة الغائبة” عن سعاد حسني، و “محمد فوزي: الوثائق الخاصة”.
والكتاب الجديد، الذي هو عبارة عن مجلد ضخم، صادر عن مركز “الهلال للتراث” التابع لمؤسسة دار الهلال الصحفية المصرية. ويعتبره المركز تكريسا للفكرة التى أنْشيء عليها وهي تبني شكل الكتاب الصحفي الذى يأخذ من الكتاب روحه البحثية مع الحفاظ على أشكال الإبهار الصحفي مثل الاهتمام بالصورة وفخامة الطباعة والإخراج الأنيق.
وينشر الكتاب صورا نادرة لشادية في أثناء تصوير بعض الأفلام النادرة وتلك التي اختفت ولم يعد يمكن العثور عليها. ويقول غريب إن أهمية هذه الصور تكمن في أنها ترصد مرحلة مهمة من مراحل السينما المصرية وتطور الأزياء والتصوير والإضاءة فيها.
لماذا صدر الكتاب في شهر نوفمبر؟
لم يعتد غريب إصدار كتبه في مناسبات محددة. لكنه ومركز الهلال حرصا على صدور كتاب “شادية تتحدث عن نفسها” في شهر نوفمبر/تشرين الثاني لأنه “شهر النهايات بالنسبة لصوت مصر الراحلة”.
نوفمبر 2017: رحلت شادية بعد مشوار فني طال أكثر من أربعة عقود.
نوفمبر 1986: أنهت مشوارها في الغناء عقب مشاركتها في حفل الليلة المحمدية، الذي كان آخر ظهور فني لها في حفل عام.
نوفمبر 1984: عُرض آخر أفلاهما وهو “لا تسألني من أنا” مع النجم الراحل فاروق الفيشاوي، الذي أخرجه أشرف فهمي.