سوليوود «متابعات»
على مدار أسابيع، ومنذ بداية عرضه لا يزال، فيلم «الثمانمائة» يتربع على قمة أفلام السنة الكبيسة 2020، محققاً إيرادات عالمية فلكية بالنسبة للسينما الصينية، بالإضافة إلى الإيرادات الفلكية التي حققها في الصين نفسها، والأهم أنه مع فيلم «مولان» الذي حقق أيضاً إيرادات عالمية فلكية، يحملان إشارة واضحة لمستقبل صناعة السينما خلال العقد القادم، والذي يتوقع أن تشغل الصين مساحة هائلة منه،نقلا عن صحيفة الرؤية.
فيلم «الثمانمئة» كما يدل عنوانه، يحمل معارضة واضحة لفيلم «300» الأمريكي الذي يدور حول تصدي 300 محارب إغريقي للغزو الفارسي ببسالة أسطورية سجلها التاريخ، كذلك يسجل الفيلم الصيني واقعة تاريخية حقيقية، حدثت أثناء الغزو الياباني للصين في 1937، قبيل الحرب العالمية الثانية.
لأسباب كثيرة استطاعت القوات اليابانية محدودة العدد أن تهزم جيشاً يفوقها بعشرات المرات، وشعباً يصل تعداده لمئات الملايين، وقتها، وقد انسحب الجيش الصيني وانحسرت المقاومة الشعبية إلى آخر نقطة على حدود شنغهاي، داخل أحد المباني المهجورة، حيث يتجمع أقل من 600 مقاتل، بعضهم مصاب، وبعضهم هارب من الخدمة، والبعض الآخر صبية صغار، ويتخذون من المبنى حصناً أخيراً ضد هجمات اليابانيين الذين يصل عددهم لـ20 ألف مقاتل، مسلحين بالأسلحة الثقيلة.
ينجح الصينيون في الدفاع عن حصنهم لأربعة أيام متتالية، قبل أن يقوموا بعبور جسر «محايد» نصبته القوات الدولية لكي يعبروا فوقه إلى الجانب الآخر حيث مستعمرات الأجانب أصحاب الامتيازات. هذا الجسر الفاصل بين عالمين متناقضين، يشبههما أحد شخصيات الفيلم بأنهما مثل النعيم والجحيم، لكن في النهاية يستطيع سكان الجحيم بشجاعتهم ووطنيتهم المستميتة في لفت أنظار وكسب تعاطف أصحاب النعيم، حيث تتحول هذه المعركة إلى مثل ونموذج لبقية الوطنيين.
ملحمة سينمائية
أفلام كثيرة تناولت قصصاً مشابهة عن الجماعة المحدودة العدد التي تتصدى لعدو يفوقها عدداً وعتاداً، وهي بطولات موجودة في كل أمة وحرب. ولكن الرهان في «الثمانمئة» ليس على القصة فحسب، ولكن بالأساس على صنع ملحمة سينمائية تليق بالقصة، ويمكنها منافسة أكبر الملاحم الهوليوودية المماثلة، وقد نجح صناع «الثمانمئة» في ذلك الرهان إلى حد كبير.
استغرق صنع هذا الفيلم 10 سنوات من عمر وجهد المخرج جوان هو، الذي قدم من قبل عدداً من الأعمال متوسطة النجاح، وتكلف ميزانية تقدر بنحو 80 مليون دولار، ليصبح أكثر الأفلام كلفة في تاريخ السينما الصينية، وهو أول فيلم صيني يصور بالكامل بعدسات آي ماكس، ليعرض على الشاشات العملاقة.
ويحتوي الفيلم بالفعل على كمية إبهار تقني كبيرة، من ناحية الصورة والصوت والمؤثرات الخاصة، وعلى معارك مصممة ببراعة، والأكثر من ذلك كله على ديكورات وتصميم مناظر تم بناؤها على مساحة عملاقة يظهر فيها عشرات الممثلين ومجاميع بالمئات، تعطي مصداقية يندر أن توجد حتى في أفلام هوليوود الكبرى.
والمقابل إيرادات تقترب من النصف مليار دولار حتى الآن، ليصبح أكبر أفلام العام، وقد تم توزيع الفيلم في أكثر من 60 دولة، وهو الرهان الثاني الذي نجح فيه الفيلم، الذي شارك فيه فنانون عالميون، وصنع لكي يناسب الأذواق العامة لأي جمهور من أي شعب. إنه قادر على أن يلهب حماس ووطنية أي جمهور يشاهده، وفي الوقت نفسه هو فيلم «مودرن»، حداثي النزعة، لا يجمل الحرب ولا الشخصيات، بل شديد الواقعية فيما يتعلق بوحشية الحرب ودمويتها وردود فعل البشر في مواجهتها.
سيف الرقابة
النجاح الذي حققه الفيلم لم يأتِ بسهولة، ففوق تحديات صنع الفيلم نفسه، تعرض لمشاكل كثيرة عقب الانتهاء منه، أكبرها اعتراض الرقابة الصينية عليه، لأن المجموعة المقاومة كانت تنتمي لحزب آخر غير الحزب الشيوعي، وهو الحزب الذي انفصل عن الصين وأسس دولة تايوان فيما بعد، وهذه الاعتراضات أدت إلى تأجيل عرض الفيلم ومنعه من المشاركة في عدة مهرجانات دولية، كما جاء كورونا ليؤجل عرضه مرة أخرى، إلى أن عُرض أخيراً في أغسطس الماضي بعد تأجيل لأكثر من عام كامل، ولكن تعب صناع الفيلم لم يضع هدراً في النهاية، وها هو الفيلم يتألق في دور العرض المحلية والعالمية.
لا يعيب «الثمانمئة» سوى تركيزه المفرط على الصراع الخارجي، على حساب الاهتمام بالشخصيات ونموها الدرامي وصراعاتها الداخلية، وإن كان لا يهملها تماماً، ولعلّ السبب هو رغبة صناعه في التركيز على البطولة الجماعية، وليس على الأفراد كما تفعل معظم الأفلام الهوليوودية. وهو أمر قد يكون غير معتاد بالنسبة لجمهور السينما الأمريكية، لكنه مفهوم هنا.