سوليوود «خاص»
في حياة تحكم بالبقاء للأقوى، كانت الشاشة وخشبة المسرح تحكم ببقاء الأكثر إبداعًا والتزامًا بالفن وقواعده الخالدة، ذلك ما تثبته سيرة رائد سعودي قادته أقداره وقدراته الفنية إلى معادلة أبقته سيد المشاهد والأدوار الناجحة، فكان طوال نصف قرن ينتج عملين كل عام منذ صعود نجمه على المسرح مطلع الثمانينيات الميلادية.
فمن الحليلة التي تحتضن نادي العدالة ومن مسرحها تحديدًا كان ابن السادسة عشرة ربيعًا يؤلف ويخرج أولى تجاربه التي ستصنع من “إبراهيم خليل الحساوي” معلمًا يطاول نخيل الأحساء شهرة وإنتاجًا طوال نصف قرن دشنها بقالب “مونودرامي” حمل عنوان “محبوب في ثوب مقلوب”.
ولم تكد تنقضي تسع سنوات حتى فرض نفسه كأحد الوجوه الجديدة التي ستطل من الشاشة الصغيرة لتبدأ علاقته بالدراما التلفزيونية من مسلسل “خزانة” الذي بث على القناة الأولى السعودية نهاية الثمانينيات بصحبة نجوم الزمن الجميل بنقل صورة عن الحياة في المنطقة الشرقية ضمن ذروة الأعمال الرمضانية.
شكلت تلك الانطلاقة مفتتحًا لسيرة فنية أطلت على المشاهدين عبر أكثر من 63 مسلسلاً، وتميزت بأدوار لم يتناساها له أبو الفنون ففاجأ الساحة النقدية بحضوره في أكثر من 23 مسرحية، وظل اسمًا حاضرًا متعدد الوجوه بشخصياته التي عززت مكانته ضمن أفضل الممثلين السعوديين والخليجيين والعرب عندما تنصفه الأقدار.
سينتظر “الحساوي” ثلاثة عقود لتتهيأ البيئة المحلية للإسهام في الإنتاج السينمائي، وكان أحد النجوم الذين ستطرح أسماؤهم بقوة في قائمة الأعلى طلبًا لدى المنتجين، فقسمات وجهه وحدها تستطيع تلبية متطلبات أي سيناريست وبقدرة مذهلة، وكانت شخصية “عايش العايش” مدخله للشاشة الذهبية، التي جعلت الفيلم يحصد أفضل فيلم قصير في مهرجان الخليج ومهرجان بيروت السينمائي والفيلم السعودي.
تجربة “الحساوي” تدفعه لتلخيص وجوهه الفنية في القول بأن “التمثيل هو ألا تمثل، فالأهم هو فهم الحوار، ومن ثم حفظه وتأدية الدور بتلقائية لا حفظه وتمثيله بصورة آلية”، هناك يقف بتجاربه المتعددة فيرى أن “لكل شخصية أبعادها: البعد النفسي والبعد الاجتماعي والبعد المادي، فيجب على الممثل دراسة هذه الأبعاد جميعًا للشخصية التي سيمثلها، وأن يمثل بحواسه كلها ويسلم نفسه للشخصية”.
سيتجرأ ابن الأحساء على السينما في عنفوان عقده الخامس، فيشارك التجارب الشبابية منذ 2010 في مختلف أعمالهم ملهمًا لهم وداعمًا لخبراتهم، فأدى الفيلم القصير من خلال عايش، وشكوى، وبسطة، وأيقظني، و”فضيلة أن لا تكون أحدًا، و”عود”، ثم الوثائقي “وتر الروح”، وكذلك الفيلمان الطويلين “المسافة صفر”، و”الشجرة النائمة”.
لا يمكن لتجربة شبابية أن تنجح إلا حين تستند إلى جذع راسخ في عمق التجربة، وكان إبراهيم الحساوي تلك الشجرة الإبداعية التي شكلت ظلالاً وارفة لجيل جديد يتنسّم بمشاركته مختلف ألوان الإنتاج التجريبية لصناعة سينما خلّاقة تنقل السعودية ووجوهها المتعددة إلى شاشات المهرجانات العالمية ودور السينما في مختلف أقطار الدنيا.