سوليوود «الرياض»
بالنسبة للكثيرين كان شون كونري هو جيمس بوند الحقيقي، الجذاب صاحب القلب البارد، الجاسوس الذي حمل الرقم 007 وكان التجسيد المثالي لشخصيات عمالقة الجاسوسية في مرحلة الحرب الباردة.
كان يظهر على الشاشة وهو يحمل رخصة قتل، يتحرك مثل النمر جائع يبحث عن فريسته، ولم يكن هناك من ينافسه على الدور. وعلى النقيض من ذلك اكتفى الممثل العملاق روجر مور الذي لعب دور جيمس بوند لاحقا برفع حاجبه مدليا بتعليق ذكي وهو يبتسم، وفقا لموقع BBC.
في حين درس بطل مؤلف شخصية جيمس بوند إيان فليمنيغ في مدرسة إيتون الخاصة بالنخبة البريطانية، نشأ كونري في بيئة خالية تماما من السيارات السريعة والنساء الجميلات والفودكا والمارتيني.
أصول متواضعة
وُلد توماس شون كونري في منطقة فاونتينبريدج في إدنبرة في اسكتلندا في 25 أغسطس/ آب عام 1930 ، وهو ابن عامل مصنع وعاملة نظافة منزلية.
وكانت المنطقة التي نشاء فيها كونري تمر بمرحلة تدهور منذ سنوات. وكانت أسرة تومي كونري تعيش في غرفة واحدة وبها دروة مياه مشتركة مع الجيران وتفتقر الى الماء الساخن.
ترك المدرسة في سن 13 دون أي مؤهلات، وعمل في توزيع الحليب وتلميع التوابيت وفي أعمال البناء قبل الانضمام إلى البحرية الملكية وبعدها بثلاث سنوات تم تسريحه وهو يعاني من قرحة في المعدة، وفي تلك المرحلة كان على ذراعيه وشم: “اسكتلندا إلى الأبد” و “أمي وأبي”.
في إدنبرة بات يحمل لقب “الرجل الصلب” عندما تصدى لعصابة من ستة أفراد حاولوا سرقة معطفه وأفشل محاولتهم لكنهم ظلوا يلاحقونه، فما كان منه سوى أن هاجمهم منفردا وانتصر عليهم كما ينتصر بوند في أفلامه.
كان يكسب لقمة عيشه بأي طريقة ممكنة. قاد الشاحنات، عمل منقذاً ووقف كموديل للرسم أمام طلاب كلية الفنون الجميلة في إدنبرة بينما كان يمضي وقف فراغه في رياضة كمال الأجسام.
الكلمات لا تفي جماله الحق
وصفه الفنان ريتشارد ديماركو الذي رسم كونري عندما كان طالباً بقوله “كان جميلاً جداً تعجز عن وصف جماله الكلمات، كان مثل الإله أدونيس”.
كان كونري لاعب كرة قدم موهوب لدرجة أنه لفت انتباه مدرب نادي مانشستر يونايتد مات بوسبي الذي عرض عليه عقداَ بقيمة 25 جنيهاً في الأسبوع.
واستولى عليه هوس التمثيل خلال عمله في مسرح محلي في أعمال لا علاقة لها بالتمثيل. ولأن مسيرة لاعب كرة القدم لا تستمر طويلاً فقد اختار تجربة حظه في المسرح. وقال فيما بعد إن تلك الخطوة كانت “واحدة من أكثر خطواتي ذكاءً”.
في عام 1953 كان في لندن في إطار المنافسة على لقب أجمل رجل في العالم فسمع أن بعض المتسابقين سيكونون أعضاء في جوقة موسيقية في مسرحية غنائية في الولايات المتحدة وبعدها بعام فقط كان يلعب دور الملازم باز آدمز في المسرحية التي قدمها لاري هاغمان في برودواي في نيويورك ولاقت الشهرة والنجاح.
وشجع الممثل الأميركي روبرت هندرسون كونري على تثقيف نفسه فأعاره أعمال إبسن وشكسبير وبرنارد شو وأقنع كونري بأخذ دروس في الإلقاء.
ظهر كونري لأول مرة في دور ثانوي في فيلم “ليلاك” عام 1954 كما أدى أدواراً في أعمال تلفزيونية أيضاً مثل شخصية رجل العصابات في حلقة من المسلسل البوليسي ديكسون أوف دوك جرين الذي انتجته بي بي سي.
وفي عام 1957، حصل على أول دور بطولة له في مسلسل “نقود الدم” .
واشتهر في أميركا عندما رفض أسطورة هوليوود جاك بالانس السفر إلى لندن فاقترحت زوجة المخرج اسم كونوري قائلة: “ستحبه السيدات”.
وبعدها بعام كان جنباً إلى جنب مع الممثلة لانا تيرنر في فيلم ” موعد آخر ومكان آخر”.
ولادة جيمس بوند
ثم جاءت مرحلة افلام بوند بعد أن حصل المنتجان كوبي بروكولي وهاري سالتمان على حقوق تحويل روايات إيان فيلمينغ الذي خلق شخصية جيمس بوند، وكانا يبحثان عن ممثل لأداء دور العميل رقم 007.
وكان من بين المرشحين لاداء الدور ريتشارد بيرتون وكاري غرانت وريكس هاريسون، حتى اللورد لوكان ومذيع بي بي سي بيتر سنو.
وكانت زوجة بروكولي دانا هي التي أقنعت زوجها بأن كونري يمتلك الشخصية والجاذبية الجنسية لأداء الدور.
هذا الرأي لم يشاركها المؤلف فيلمينغ الذي قال: “أنا أبحث عن القائد بوند وليس الرجل البهلواني المتضخم” وتبين لاحقا صواب قرار بروكولي.
وبعدها انهالت العروض على كونري حيث شارك في أفلام من روسيا مع الحب عام 1963 والإصبع الذهبي عام 1964 وثاندربول 1965 ولا تعيش مرتين فقط 1967.
وكان العمل في افلام جيمس بوند مرهقاً وخطراً أحياناً فقد ألقي به ذات مرة أثناء تصوير أحد الأفلام في حوض مليء بأسماك القرش ولم يفصله عنها سوى حاجز رقيق شفاف وتمكنت إحدى أسماك القرش من اختراق الحاجز واقتربت من كونري كثيراً.
ومع الانتهاء من فيلم “تعيش مرتين فقط” وصل كونري الى مرحلة الملل من أفلام جيمس بوند وبات يخشى أن يصبح أسير دور بوند.
وقام سالتزمان وبروكولي بإغراء كونري بالعودة إلى فيلم “ألماس إلى الأبد” عام 1971 واستجابا لطلبه بدفع مبلغ قياسي بلغ 1.25 مليون دولار لقاء دروه في الفيلم. وخصص كونري المبلغ لاقامة صندوق التعليم الاسكتلندي الدولي لدعم ورعاية الفنانين الاسكتلنديين الصاعدين.
ولعب كونري دور البطولة في فيلم “الرجل الذي سيصبح ملكاً” إلى جانب صديقه الممثل العملاق مايكل كين عام 1975. ولكنه أمضى معظم العقد التالي في أداء أدوار ثانوية.
لا تقل لا أبداً
بعد أن خسر الكثير من المال في صفقة شراء أراض في إسبانيا قبل عرضاً مغرياً للعب دور بوند مرة أخرى في فيلم Never Say Never Again حيث أصبح العميل 007 رجلاً عجوزا لكنه لا يفتقر الى الحكمة وينتقد نفسه ولكنه لا يزال صلباً.
فاز كونري بجائزة بافتا عن أدائه دور ويليام باسكرفيل في الفيلم المأخوذ عن راوية أومبرتو إيكو The Name of the Rose.
وبعد عام فاز عن أدائه دور شرطي أيرلندي مرهق يتحدث بلهجة إسكتلندية خاصة في فيلم The Untouchablesبجائزة أوسكار عن أفضل ممثل مساعد.
ورفض لعب دور غاندالف في فيلم سيد الخواتم في عام 2006 ، معلناً أنه سئم التمثيل وسئم “الأغبياء الذين يصنعون الأفلام الآن في هوليوود”.
منفى
كان يكره أسلوب الحياة في هوليوود فقد فضل لعب الغولف في منازله في إسبانيا والبرتغال ومنطقة البحر الكاريبي مع زوجته الثانية ميشلين روكبرون وهي فنانة التقى بها في المغرب.
وانتهى زواجه السابق من الممثلة الأسترالية ديان سيلينتو في عام 1975 وسط مزاعم بأنه تعامل معها بعنف وأنه كان صاحب سلسلة من العلاقات الغرامية. ولديهما ابن واحد هو الممثل جيسون كونر.
على الرغم من عيشه بعيداً عن اسكتلندا إلا أنه ظل وفيا متحمساً لاسكتلندا رغم قوله ذات مرة أنه يثني على مزيج من الويسكي الياباني.
وعزا مزاجه المتقلب ونزقه إلى جيناته السلتية. وقال ذات مرة: “وجهة نظري هي أنه لكي تحقق أي هدف في الحياة يجب أن تكون شرساً وإلا سيتم التهامك”.
وبعد فترة انتظار طويل حصل على لقب الفروسية عام 2000 وقيل حينها ان التأخير في منحه اللقب كان بسبب معارضة حكومة حزب العمال بسبب تأييد كونري لاستقلال اسكتلندا.
ورحل كونري وخلف وراءه مجموعة من الأعمال التي يفخر بها أي ممثل، وليس أقلها أن لقب “أعظم اسكتلندي على قيد الحياة” بات شاغراً برحيله.