سوليوود «الرياض»
يحاكي فيلم “لاست ووردز” (الكلمات الأخيرة) الذي قدّمه المخرج الأميركي جوناثان نوسيتر ضمن مهرجان دوفيل السينمائي، الواقع الراهن في العالم خلال جائحة كورونا.
ويتناول الفيلم قصة نهاية البشرية بعدما أهلكها فيروس في عالم غاب عنه تقريباً أي تواصل جسدي واختفت فيه الطبيعة.
وعُرض الفيلم أمام نحو ألف مشاهد يضعون الكمامات، ونبّه نوسيتر (58 عاماً) خلال حلقة نقاشية إلى ان هذا الفيلم الروائي “قد يكون وثاقياً استباقياً”، لكنّه أمل في “ألاّ يكون كذلك”.
وقال نوسيتر لوكالة الأنباء الفرنسية إن عمله بعيد من “هندسة الخوف الهوليوودية”، واصفاً إياه بأنه “دعوة إلى الحبّ، وفيلم فرح، لكنه فرح مروّع نوعاً ما، نظراً إلى الاحتباس الحراري، والأحوال الكارثية في 2020″، واعتبر المخرج الذي يعيش راهناً في إيطاليا ويهتم بالزراعة أن “من لا يلاحظ ذلك هو كمن يعيش في سبتمبر 1939 ولا يرى أن هتلر يشكل خطراً”.
ورأى الأستاذ الجامعي جيل إريك سيراليني وهو صاحب دراسة عن الكائنات المعدّلة وراثياً أحدثت ضجة كبيرة عام 2012، أن فيلم نوسيتر المدرج ضمن مسابقة المهرجان هو بمثابة “تحية إلى الحياة”، حيث “الثقافة والزراعة تشكلان الضحكتين الأخيرتين للبشرية”.
ويؤدي الممثلان نيك نولتي وتشارلوت رامبلينج الدورين الرئيسيين في “لاست ووردز” الذي تنطلق عروضه في 21 تشرين الأول/أكتوبر المقبل. وتدور أحداث الفيلم سنة 2085، في عالم أصبح مجرّد صحراء ضخمة تتناثر فيه حقول ركام.
ويعثر البطل، وهو شاب أسود لا يعرف اسمه الأول، على بكرات أفلام من مكتبة بولونيا السينمائية الإيطالية (تشينيتيكا دي بولونيا) في كومات الحصى في باريس، فيقرر التوجه إلى المدينة الإيطالية لكي يفهم ماهية هذه الأشرطة التي تثير فضوله، وفي طريقه، يلاحظ لافتة صدئة كُتب عليها “الحجر الوبائي الفيروسي”.
بدأ نوسيتر كتابة السيناريو عام 2014، وصوّر فيلمه عامي 2018 و2019، وقال “صورّنا المشاهد الخارجية بين الدار البيضاء والصحراء، هذا ليس خيالاً، نعلم جيداً أن دوفيل ستكون شبيهة بطنجة بعد 30 عاماً ربما”.
في هذا المناخ المخيف الذي يبدو فيه أن كل غطاء نباتي انقرض، يولد الأمل مجدداً بين أنقاض بولونيا. ويتولى رجل عجوز محجور في أقبية “تشينيتيكا” مهمة جعل البطل يكتشف السينما بواسطة جهاز عرض يُشغّل بالدواسة، أما السينمائي العجوز، فغمره السعادة لتفضيله “مشاهدة الأفلام مع غرباء”.
الكمامات على وجوه الناس
ويتوجه الرجلان معاً إلى أثينا للتحقق من شائعات مفادها أن العشب نما فيها مجدداً، وفي المدينة، يجدان بضع مئات من الناجين الذين نسوا ما كانت عليه العلاقات بين البشر.
البحر في الفيلم بنيّ اللون، والمزروعات سامّة، وقال المهندس الزراعي فيليب ديبروس، وهو المؤسس الشريك لحركتي “إيه.بي” (الزراعة العضوية) في فرنسا وأوروبا، إن “ثلث الأراضي الأراضي الصالحة للزراعة دمّر أصلاً” في السنوات الأخيرة.
وخلال الجلسات التي ينظمها البطل، يعيد الجميع اكتشاف الحنان والعلاقة مع الآخر كما مع الأرض ومع الضحكة، وعندما يرون سمكة للمرة الأولى منذ عقود، يستلذون يتناول طعام “غير معلّبات” البودرة. ولاحظ نوسيتر أن “مجرّد مصافحة يمكن أن تتحول لحظة تقارب عاطفي كبير” بين شخصين.
لكنّ الجائحة تواصل قتل الناس في الفيلم، وآخر الصامدين يعانون السعال. وفي صالة عرض الفيلم في دوفيل، “جمهور يضع الكمامات خوفاً”، على ما لاحظ نوسيتر.
وتابع المخرج “رؤية هذا القدر يضعون الكمامات يصير حزنا لامتناهياً”، لكنه رأى أن “وجود ألف شخص في صالة سينما أمر رائع، وهو يعني الحفاظ على مجتمع مدني في ظروف شنيعة”.
ودعا نوسيتر الذي يتقن أكثر من لغة إلى “مقاومة سعيدة” ضد تسميم العالم، من خلال إنتاج أفلام من دون كيمياء أو دعم مثل هذه الأفلام.
واعتبر نوسيتر أن “إنتاج فيلم ليس شيئاً بالمقارنة” مع “العمل بالأرض”، وختم قائلاً إن “تناول الطعام هو فعل سياسي، قد يعكس تعاوناً أو مقاومة”.