د. مسفر الموسى
من الصعب وربما المستحيل، أن تتخيل أن مهرجانا للأفلام السينمائية تأسس واستمر دون أي مؤشرات أو مقومات لقيام الصناعة السينمائية، ولو في حدها الأدنى، ولأنها المعادلة المعكوسة، فقد استطاع هذا المهرجان أن يتجاوز ظروف غياب الأكاديميات المتخصصة، وصالات السينما والتشريعات التنظيمية والتمويل، وأن يؤسس مجموعة الصناع، ليقدمها على طبق من ذهب لمبادرات الصناعة الثقافية التي شملتها الرؤية الاستراتيجية للسعودية.
“المهرجانات السينمائية ليست ترفاً”، بهذه العبارة انطلق مهرجان أفلام السعودية قبل أكثر من عقد، فما الذي جعل القائمين عليه يؤمنون بهذه العبارة إلى الحد الذي جعلهم يقلبون المعادلة الطبيعية ويبدأون من نقطة النهاية.
تكوين المجموعة السينمائية وجمعها سنويا في مكان واحد يخلق الإحساس بالإنتماء، ويزيد الشعور بالمنافسة وتجويد الإنتاج.
عبدالرحمن صندقجي الذي أتى من خارج أسوار السينما، ليجد نفسه على رأس القائئمة في الدورتين الأخيرتين لفيلمي “جليد” الذي فاز بجائزة لجنة التحكيم و “الكهف” الذي حقق النخلة الذهبية في دورة المهرجان الأخيرة، يروي قصة تدرجه في هذا التحدي، فيقول صندقجي إنه أتى إلى المهرجان لأول مرة لمجرد المشاركة وللتعرف على المجموعة السينمائية، وكسب المزيد من الصداقات التي قد يتشارك معها في مشاريع قادمة، شارك عبدالرحمن لأول مرة في الدورة الثانية، وبالرغم من عدم منافسته في تلك الدورة إلا أنه استطاع أن يدخل المجموعة السينمائية، ويتعرف على أصدقاء جدد من المهنة، كما تعرف على جودة الإنتاج واستشعر ثقافة الفوز ويقول إنه في الدورة التالية استطاع أن يفوز بجائزة التحكيم، ثم بعد ذلك استطاع أن يحصل على دعما ماليا من (إثراء) شريك المهرجان، ليحقق الجائزة الكبرى في فيلم الكهف.
المهرجانات السينمائية، بيئة مناسبة لخوض التجربة الإبداعية لأول مرة، كما أنها مكانا مناسبا للتعلم من الأقران ومن ورش العمل المصاحبة. المخرجة والكاتبة السينمائية هناء العمير التي حضرت هذا العام بقوة على شاشة نيتفلكس كانت بدايتها الأبرز كما تقول من خلال مهرجان أفلام السعودية. تقول هناء ” كانت تجربتي الأولى في عوالم السينما من خلال فيلم هدف، تجربة اضطررت معها للقراءة والاطلاع المركز على طريقة كتابة السيناريو”، وأعادت هناء كتابة سيناريو فيلم “هدف” لأكثر من مرة، وشاركت به في فئة السيناريو للدورة الأولى وحصلت على جائزة النخلة الفضية، قصة هناء العمير مع المهرجان ليست نجاحا لها فحسب، وإنما للإنتاج الثقافي السعودي الذي بات جزءا من المحتوى الدرامي العالمي على منصة نيتفليكس من خلال مسلسل وساوس.
المهرجانات السينمائية لا تقف عند حدود تكوين المجموعة السينمائية وتجميع المواهب، وتحفيز الإنتاج والتنافس، وإبراز الموارد الإبداعية الشابة والتعلم من الأقران، وإنما تتعدى ذلك إلى إبراز المواقع والمدن، وإلى زيادة فرص التوظيف المؤقته والدائمة وتنمية المحتوى الاقتصادي، كل ذلك يثبت أن مهرجان أفلام السعودية مهد الطريق للحراك السينمائي السعودي، وأن المعادلات المعكوسة ليست دائما خاطئة.
نقلاً عن نشرة “سعفة” الصادرة عن مهرجان أفلام السعودية الدورة السادسة 1-6 سبتمبر 2020م.