محمد الرشيدي
خلال هذا الشهر يوليو 2020 تمت دعوتي لحضور عرضين افتتاحيين لفيلمين سعوديين في سينما موفي السعودية بالرياض، هذا الأمر بالنسبة لي قصة لوحده لأنه يعني مرحلة تاريخية جديدة ثقافياً واجتماعياً بالسعودية، فيلم نجد في 8 يوليو، وفيلم “شمس المعارف” في 25 يوليو، يمثلان مراحل جديدة في ماهية الفيلم السينمائي السعودي، هناك اختلاف فكري وثقافي بين الفيلمين ولكنهما ينضمان للمخزون السعودي الثقافي الغني لدينا بالمملكة.
“شمس المعارف” اسم الفيلم يجعلك أمام نقطة تحول رقابية في اختيار الأسماء للأفلام أو الكتب لدينا، أن يكون كتاب من المحذورات التي نشأنا عليها في بيئتنا الاجتماعية والثقافية عنواناً فلسفياً لفيلم سعودي، يرتكز على محاور تجسيد واقع الكتاب. أمر جديد فيما يُعرف بالخطوط الحمراء الرقابية التي صنعها تيار كان مسيطراً لعدة أجيال على المشهد الثقافي السعودي ومن دواعيه تأثر المجتمع والاقتصاد بصورة سلبية، جعلتنا نفرح بأي إنتاج نستطيع أن نطلق عليه فيلماً حتى لو لم يكن جيداً، وهذا واقع مع الزمن سينتهي وسنصل لمرحلة مختلفة تجسد واقعنا السينمائي بقرب أكثر من الواقعية والآمال.
ظروف جائحة كورونا المستجد وتأجيل مهرجان البحر الأحمر السينمائي جعلت من فيلم “شمس المعارف” ينتقل وهذا الأفضل له، من العرض الرسمي الخاص بالمهرجانات للعرض الشعبي للإنسان البسيط المتشوق لسينما تحكي قصتها بلهجته وداخل محيط ثقافته وعبر أبناء بلده، جملة “كاميرا ومخ” التي رددها بطل الفيلم المخرج داخل الفيلم أو “مخرجنا الطالب” كما كان يناديه أستاذ تجارب المواد العلمية بمدرسته الثانوية “عرابي” كانت هذه الجملة هي التجسيد الحقيقي للفيلم بصورة عامة كفيلم ركز على الحياة بصورتها الطبيعية من داخل أفقر الأحياء الشعبية بمدينة جدة والغنية بأبنائها، كان الفيلم انعكاساً بصرياً رائعاً للجانب الآخر والحقيقي من حياتنا الشعبية البسيطة، اعتمد على الحارة كما هي أدبيات أغلب الكتب لأدباء بلادنا في مكة والمدينة وجدة والطائف، كانت ملامح أبطال الفيلم مختارة بعناية وتفاصيل تمثيلهم باحترافية غطت على الكثير من الهفوات في الترابط النصي أحياناً.
العمل لا يمثل مرحلة بداية صناعة المحتوى بالسعودية والتي بدأت مع نجومية أصحاب برامج اليوتيوب، وانتهت موضتها في الوقت الحاضر، الفيلم من وجهة نظري يمثل نظرة مستقبلية للعهد السعودي الجديد في الاهتمام بمهن إبداعية مهمة كان مجرد وجود المواهب بها وتعلقهم بها من علامات ضياع المستقبل، انفتح في وقتنا الحاضر وعبر وزارة الثقافة ما كان حلماً أو أشبه بالخيال الابتعاث الخارجي للفنون والإخراج والأعمال الإبداعية، كان المخرج المبدع بالفيلم وهو يحارب داخل مجتمعه أن يكون طموحه إكمال إبداعه، وكان بالإمكان أن تصبح شخصيات الوكيل وغيره من الزمن الماضي وهو الحاصل حالياً في التناقض ما بين الظاهر والخارج أو الشخصيات المتعددة والمتناقضة في مجتمعنا.
كان بالإمكان أن يكون الفيلم أكثر بعداً من الناحية الفنية التي لا تلتزم بفترة معينة لو لم يعتمد على تجسيد النقد بالفيلم لشخصيات كانت شهيرة على اليوتيوب، وأن يكون النقد داخل الفيلم بصورة مجازية كما هو معمول عالمياً، لأنه من وجهة نظري لا يفترض أن يكون غارقاً بالمحلية. فيلم “شمس المعارف” كان رائعاً منذ الوهلة الأولى ويحتاج لنقد يتناسب مع المرحلة التي نعيشها، دون أن نغفل أننا مازلنا نعيش في حلم!
جريدة الرياض