سوليوود «الرياض»
منذ أن انطلقت المملكة العربية السعودية بحقبة الترفيه، بدأت تتوالى الأعمال السينمائية، وأخذت تحلق عاليا لتنافس أكبر الإنتاجات الخليجية والعالمية، وآخرها كان فيلم “نجد” الذي حصد الجوائز ورفع راية المملكة السينمائية في عديد من المحافل، وكانت بدايته مواكبة للمرحلة الحالية في المملكة، خاصة مع اللقطة التي ظهر فيها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ما بين جهاز جوال تقليدي وآخر بالغ التطور.
ووفقا لصحيفة الاقتصادية يعد فيلم “نجد” بمنزلة البداية الحقيقية للسينما السعودية بشكل تجاري، كونه أول فيلم سعودي يعرض في صالات السينما، وسيتم عرضه على التلفزيون السعودي الرسمي إثر الانتهاء من طرحه مباشرة في دور العرض السينمائي، وفضلا عن كل ذلك سيسهم – دون أدنى شك – في إظهار المواهب السعودية التي تتكشف يوما بعد يوم.
بين الكويت والرياض
تدور أحداث فيلم “نجد” في فترة الخمسينيات من القرن الماضي، حول الحياة الاجتماعية والظروف المعيشية التي سادت منطقة نجد في هذه الفترة، عبر مجموعة من القصص والحكايات، التي ترصد تاريخ المملكة، وتتناول قصة حب تنشأ بين الشخصية الرئيسة في العمل “نجد” التي تلعب دورها الفنانة الكويتية حياة الفهد، و”خالد” الذي يقوم بدوره الفنان ماجد مطرب فواز، وتربط قصة الفيلم، الذي تم التحضير له قبل خمسة أعوام، ما بين الماضي والحاضر، حيث هربت “نجد” من ذكريات الماضي المؤلمة في الرياض، التي لم يكتب لقصة حبها الوحيدة أن تنتهي بالزواج، بسبب ظروف والدها المادية، وفقدت فيها أيضا حبيبها وزوجها، لتعيش في الكويت أعواما طويلة، قبل أن يدفعها التغيير الذي تعيشه المملكة أخيرا إلى العودة من جديد إلى الرياض.
فخالد تقدم من ذوي نجد طالبا يدها، ولأنه لا حيلة له ليكون ذا دخل مادي جيد، يطلب والدها منه ضمانة ميدانية، من خلال عمل ثابت وبدل شهري كاف لهما، ليضمن حياة محترمة لابنته، ويباشر الشاب تحركه مستندا إلى شرط والد نجد، ويتقدم بطلب الانضمام إلى السلك العسكري، ويوفق ليصبح واحدا من رجال الأمن بملابس رسمية معتبرة، وبدل مادي ثابت، وفي البال دائما وجه نجد، يعطيه الدافع القوي لترتيب وضعه المادي، بحيث يحظى لاحقا بموافقة والد من يحب.
تتطور الأحداث مع تراجع عمل والد نجد في الخياطة، ما أوصل حاله إلى الصفر ولم يعد قادرا على سداد ديونه، واستغل واقعه جاره الميسور الذي يعيش وحيدا مع تقدمه في السن، وحين وقف على احتياجات جاره جاءه عارضا عليه إنقاذه من إحراج الدائنين له، على أن يحظى بموافقته على الزواج من ابنته، رغم وجود 40 عاما كفارق سن بينهما، وترفض الفتاة بقوة عرض البيع هذا، لكنها تنصاع لرغبة والدها حين وجدته مفلسا، دون أمل في تحسن حاله.
تزوجا وطار صواب خالد، لكنه لا يستطيع أن يفعل شيئا، ومن جهة أخرى فرض الزوج على نجد البقاء في المنزل عقابا لها لأنها لا تتجاوب معه، وكانت المشكلة حين عرف أنها حادثت خالدا، فانهال عليها ضربا في وسط السوق، وتصادف مرور خالد بملابسه العسكرية، فحاول حمايتها بدفع زوجها بعيدا عنها، وإذا برجل يورط خالد ويطعن الزوج في مقتل، فيهرب الحبيب والكل يعتقد أنه القاتل، ثم يلتجئ إلى قبيلة في المنطقة لحمايته، وبعد فترة يقرر زيارة والدته في الحارة، ويخوض محاولة للقاء نجد، لكن النهاية غير متوقعة، وتحمل كثيرا من المفاجآت.
نص مميز
يحمل الفيلم الذي ألفه وأنتجه خالد الراجح كثيرا من التميز على مستوى النص والصورة بشكل احترافي، كتجربة سعودية ما زالت في البدايات فيما يتعلق بالأفلام الروائية الطويلة بالتكنيك السينمائي، حيث أظهر الفيلم الحياة الاجتماعية والاقتصادية في منطقة الرياض القديمة في صورة رائعة تنبض بالحنين إلى التراث، كما يمزج الفيلم بطريقة مشوقة، بين عديد من التفاصيل ضمن أسلوب تشويق درامي جيد، بدأها بالرومانسية التي كانت حاضرة بقوة ضمن ملامح الحياة الاجتماعية قبل أكثر من 60 عاما، ثم الدخول في مستويات متدرجة من الإثارة والدراما والأكشن، وفق تسلسل منطقي، حيث اعتمد الفيلم على أحداث متنوعة عاشها المجتمع السعودي خصوصا قبل الطفرة النفطية فترة السبعينيات الميلادية، في حين كان يسرد بصورة ذكية ولماحة مرحلة التعليم وأرامكو، وتكوين المجتمع النجدي المترابط بتفاصيل حياته البسيطة. وفي حديث لـ”الاقتصادية” أوضح خالد الراجح كاتب ومنتج الفيلم، أنه سعيد للغاية بعرض فيلمه “نجد” في دور العرض السينمائي في المملكة، مقدما الشكر لفريق العمل وكل من شارك في صناعته، وعلى رأسهم الفنانة القديرة حياة الفهد، التي عادت إلى السينما من جديد بعد غياب 50 عاما منذ فيلمها “بس يا بحر”، وأبدى رضاه التام عن تجربته في إنتاج وتأليف الفيلم، مبينا أن أهم ما في هذا العمل الفني أنه إنتاج وصناعة أبناء وبنات الوطن، بمشاركة عدد كبير من الفنانين والفنانات الشباب في البطولة.
إخراج رفيع المستوى
لم يظهر الإبداع في الفيلم فقط في السيناريو والقصة، بل الإخراج جاء على المستوى نفسه، حيث أبدع المخرج سمير عارف في لقطاته التي تم تصوير 90 في المائة منها في العاصمة السعودية الرياض، تحديدا في القرية التراثية في بلدة سدوس شمال الرياض، ليتم الانتقال بعدها إلى الكويت لتصوير باقي المشاهد كتجسيد لمرحلة الوقت الحاضر.
وفي حديث خاص مع سمير عارف قال لنا، “إن الفيلم يربط الماضي بالحاضر، ويروي كثيرا من الأحداث، وهو فيلم منوع يتضمن قصة حب ودراما وأكشن وإثارة”، وأضاف، “أحمد الله أن هذا العمل الفني نال إعجاب الحضور في العرض الخاص في الرياض”، وتمنى أن يكون فيلم “نجد” بداية حقيقية وانطلاقة للسينما السعودية والأفلام الروائية الطويلة في المملكة.
حصل الفيلم السعودي “نجد” على جائزة أفضل فيلم في مسابقة الصقر الخليجي الطويل في مهرجان العين السينمائي 2020، وشارك في بطولته إلى جانب حياة الفهد عدد من المواهب العربية من ضمنهم: ميساء مغربي، زهرة الخرجي، أميرة محمد، مريم الغامدي، إبراهيم الحربي، النجم المصري مصطفى هريدي، وغيرهم كثير من الفنانين الصاعدين، مع الإشارة إلى أن الفيلم أعاد الفنانة حياة الفهد “سيدة الشاشة الخليجية” إلى شاشات السينما بعد 50 عاما من الغياب، حيث كانت لها تجربة وحيدة في السينما عام 1969 بفيلم “بس يا بحر”.