فهيد العديم
عندما أكتب عن شخصية ما «في هذه الصفحة» فأنني أحاول أن تكون الكتابة شبيهة بروح وملامح من أكتب عنه، لكن الأمر مع القامة عبد الحسين عبدالرضا مختلف تماماً، إذ أنك لابد أن تكتب مقالاً «يَضحك» لا «يُضحك»، وهنا تحديداً هي الورطة الحقيقية، ولهذا أنا أنحاز للرسام أكثر من المصوّر, المصورّ ينقل لك في «البورتريه» الملامح كما هي، أما الفنان الحقيقي هو الذي ينقل لك الملامح كما يشعر بها، فالملامح الساخرة أو الكوميدية على سبيل المثال تأتي على هيئة دبابيس حادة ومدببة ونافذة، ويمكن أن تكون خطوط سوداء متداخلة مع بعضها كفيلة بإيصال الفكرة عن شخص مكتئب، ونقطة في كون هائل تشي بالوحدة وشيئاً من الحزن.
ولا أخفي عليك قارئي العزيز أن هذه المقدمة هي حيلة لتجاوز رهبة الكتابة عن عبدالحسين، كلما هممت بالدخول لشخصيته فأن أول ما يتبادر لذهني وقفته المهيبة على المسرح، وهذا ما قصدته في البداية عندما قلت أنه وجه يَضحك ولا يُضحك، فكلما صعد على «خشبة» المسرح أعاد لها الروح وأعادها «غصناً» أخضرَ نديّاً، باختصار هو يحّول الخشبة إلى حقل، ينفض عنه التهريج والابتذال، ويعيد له هيبته ووقاره، وتشعر بألفة عظيمة بينه وبين المسرح وكأنهما يعرفان بعضهما، وهما كذلك، لا يتسول الضحك، ولا يتصنّعه، وفي المقابل لم يظل أسيراً «لكركتر» واحد في ذاكرة الناس, إنما كان «بو عدنان» دائماً، لا يمكن أن ترى «بو عدنان» دون أن تبتسم، سواء رأيته على خشبة المسرح، أو لمحته وهو منزوِ يدخن سيجارته في «ديوانية» كويتية تضج بالناس، لم يكن حب الناس لحسين لأنه يقول ما يريدون هم قوله، وللأمانة هو لا يفعل ذلك، هو يُشير ولا يفصح، تلك الإشارة يفهمها المواطن على أنها رسالة قاسية للمسؤول، ويتقبلها المسؤول وهو مبتسم، وهذا قمّة الفن، أقصد أن تنتقد دون أن تجرح أو تحرج، فعبدالحسين يستطيع أن يصف لك مشهداً مؤذياً بكلمات لطيفة ومؤدبة، دون أن يجعلك تشاغل ابنك الصغير كي لا ينتبه لما يُقال.
الفنون تبتعد عن المروءة والنُبل كلما أصبح الفنان يعتقد أنه يقوم بعملٍ سهل، والفنان الحقيقي هو من يوصل رسالته بأدب، حتى لو كانت الرسالة الإضحاك والترفيه، عندما رحل عبدالحسين عبد الرضا أخذ معه الشجرة، بل الحقل، ما تبقى مجرد خشبة ذابلة أظنها أصبحت سيرك للقرود، وهذا الوصف ليس شتيمة للقرود، ولا إنصافاً للخشبة، ولا هو أيضاً نوع من الرثاء، لكنني في كل مرة أتذكر وجهه أتساءل هل سبق أن رأيته يضحك، حتى في المرات الكثيرة الذي جعلنا فيها غرقى بالضحك كان هو يتكلم فيها بكل جدية، ومع ذلك كان له حضور مهيب، وكأنه يقول للجمهور : توقف عن الضحك وأفهم ما أقول، لم يكن يخرج عن النص، لكنه يبني نصاً موازياً للنص الأصلي، ينجح النصّان معاً، لو تخلّى أحدهما عن الآخر لسقطا معاً، وهذا سرّ الفنان «بو عدنان» وسرّ المسرح!
مجلة اليمامة