سوليوود «الرياض»
كشف تقرير للمركز المصري للدراسات الاقتصادية عن حجم التأثيرات الضخمة التي تعرض لها قطاع صناعة السينما في مصر جراء أزمة فيروس كوفيد 19، حيث دخلت صناعة السينما هذه الأزمة وهى تعانى من مشكلات كثيرة في الأصل وهو ما جعل تأثير الجائحة شديدا على كل من يعمل بها، وهذا ما يستدعى دعم الدولة حتى لا تفقد مصر هذه الصناعة الهامة خصوصا أنها صناعة تصديرية من الدرجة الأولى وأيضا كثيفة العمالة، وبالتالي دعمها من خلال مجموعة الإجراءات المطلوبة وإصلاح الضعف المؤسسي المرتبط بها سيكون له تأثيرا إيجابيا مضاعفا، بما يساهم في تعويض مصر جزئيا عن الهبوط المفاجئ لإيرادات السياحة وعوائد العاملين في الخارج وقناة السويس.
أشار التقرير إلي أن صناعة السينما تعد من الصناعات الضخمة عالميا، حيث يزيد حجم إيراداتها السنوية عالميا عن 60 مليار دولار في المتوسط خلال السنوات الأخيرة، ويتضاعف هذا الرقم إذا أضيف إليه الترفيه المنزلي المتربط بهذه الصناعة، وهو ما يتعدى إيرادات الكثير من الصناعات التحويلية الأخرى.
ورغم أن طبيعة هذه الصناعة فنية ثقافية، إلا أنها صناعة متكاملة الأركان، وقد تنبهت الدول إلى أهمية الوزن الاقتصادي لهذه الصناعة فاهتمت بدعمها بشكل كبير وجنيت وتجني بالفعل ثمار هذا الدعم، فنجد على سبيل المثال أن نشاط هوليوود، أقدم وأعرق سينما وطنية في العالم، قد ساهم إيجابيا وبشكل ملموس في دعم الميزان التجاري للولايات المتحدة الأميركية منذ ثمانينيات القرن الماضي، وعوض كثيرا من تراجع الصناعات التحويلية في هذه الفترة هناك من خلال تصدير الأفلام الأميركية وخلق وظائف مرتفعة العائد بالإضافة لدعم السياحة ودعم صناعات البرمجيات وتكنولوجيا المعلومات، والتي أظهرت تطور الولايات المتحدة في هذا المجال.
ودلل التقرير على ضعف صناعة السينما المصرية، من خلال عدد من المؤشرات بالمقارنة مع الدول الأخرى، أو حتى مقارنة بوضع الصناعة المصرية في بداية الأربعينات، حيث تراجع حجم صناعة السينما ووزنها في مصر على مدار السنوات الماضية، سواء من خلال عدد الأفلام المنتجة، أو الإيرادات السنوية، أو عدد دور وشاشات العرض مقارنة بعدد السكان، حيث بلغ عدد الأفلام المنتجة في مصر عام 2019 نحو 33 فيلما فقط، مقارنة بـ1813 فيلما في الهند و997 فيلما في نيجيريا، و660 فيلما في الولايات المتحدة، كما بلغت إيرادات مصر من صناعة السينما العام الماضي 72 مليون دولار، مقابل 42,5 مليار دولار في الولايات المتحدة، و2,415 في الهند، وهوما لا يتناسب تماما مع مكانة مصر الثقافية، ويوضح مدى تدهور الصناعة.
ويشير التقرير إلى التدهور الشديد في أداء صناعة السينما المصرية مقارنة ببداياتها عام 1946، سواء من خلال عدد الأفلام المنتجة والتي بلغت 67 فيلما في ذلك العام متراجعة إلى 33 فيلم فقط العام الماضي، أو مؤشر عدد شاشات العرض لكل مواطن، والذى بلغ 320 شاشة بواقع شاشة لأكثر من 260 ألف مواطن العام الماضي، بينما كان الوضع في عام 1966 “أي قبلها بخمسين عاما” بواقع شاشة لكل 117 ألف مواطن عام 1966.
ويرتبط هذا التدهور بمجموعة من العيوب المؤسسية، فرغم وجود غرفة صناعة سينما منذ عام 1947 مما يعنى أن الدولة تعترف بها كصناعة منذ بدايتها، ولكنها في الواقع لا تحصل على مميزات الصناعة، وتتعدد جهات تبعية الصناعة، كما تعانى من مشكلات تتعلق بالقرصنة وضعف حقوق الملكية الفكرية، كما أن لها اقتصاديات ذات طبيعة خاصة، فوجود تكاليف ثابتة مرتفعة على أصحاب دور العرض السينمائي يعني أن هناك حد أدنى للإشغال يجب الوصول إليه لعرض الأفلام، حتى يتم تغطية تكاليف الإنتاج وتحقيق أرباح معقولة وتقدر هذه النسبة من 30% – 40% في المتوسط على مدى العام، وتعد من الصناعات كثيفة العمالة حيث يعمل بها ما لا يقل عن نصف مليون عامل، “40% نسبة ثابتة و60%عمالة متغيرة مرتبطة بصناعة الأفلام بكل مراحلها وكل تخصصاتها”، حسب التقرير.
وأشار التقرير إلى أن الصناعة تعرضت لخسائر ضخمة جراء أزمة كوفيد 19، حيث دخلت الأزمة ضعيفة ومتهالكة وهو ما عمق من التأثير، وانتهى التحليل إلى مجموعة من السيناريوهات المتفائلة والمتشائمة لطبيعة التأثير خلال الفترة الزمنية لدراسة الأزمة، مع ما يرتبط بها من تداعيات اقتصادية وعلى البطالة، وفقا لطبيعة تطور الأزمة، وهو ما يتطلب تدخلات من الدولة لتقليل حدة تأثيراتها على هذه الصناعة الهامة.
وأشار التقرير إلى الإجراءات التي اتخذتها العديد من الدول لمواجهة تأثيرات الأزمة على صناعة السينما باعتبارها من الصناعات التصديرية الهامة، وأورد بشكل تفصيلي الإجراءات التي اتخذتها الدول الأوروبية، والتي تتنوع ما بين الدعم المالي للصناعة – وهو إجراء اتفقت عليه كل الدول لحرصها على استمرار هذه الصناعة وتفهمها لما تعرضت له من تأثير سلبي – وكذلك نوعية أخرى من الإجراءات مرتبطة بالحفاظ على صحة المشاهد وصحة العاملين في هذه الصناعة.
وطالبت الدراسة بعدد من التدخلات المطلوبة لتخفيف آثار الأزمة على قطاع السينما في مصر، والتي تتمثل في الآتى:
1 .خفض الضرائب المفروضة على تذاكر السينما لمدة ستة أشهر حتى يتسنى لأصحاب دور العرض والمنتجين تعويض الخسائر التي وقعت عليهم خلال الفترة الحالية أو على الأقل حتى تعود الصناعة لنسبها المعتادة في الإشغال.
2.مراجعة العبء الضريبي على قطاع السينما والتخلص من الازدواجية أو أي عوار ضريبي آخر.
3 .تأجيل الالتزامات الضريبية على الشركات المنتجة ودور العرض حتى نهاية العام حتى تتمكن من التقاط الأنفاس بعد الأزمة.
4 .تبني إجراءات مماثلة للدول الأخرى – أوضحه التقرير بشكل تفصيلي – يجمع بين تسهيل تنفيذ الإجراءات الاحترازية من قبل الدولة والدعم المالي للصناعة.
5 .إضافة صناعة السينما إلى القطاعات الأخرى المستفيدة من القروض الميسرة التي يقدمها البنك المركزي خلال الأزمة، حيث إن شروط هذه القروض حاليا لا تناسب احتياجات صناعة السينما، على أن يتواجد حل دائم للتمويل بغض النظر عن الأزمة.
6 .تصنيف صناعة السينما تصنيف متوسط “بين الصناعة والنشاط التجاري” حتى يتم خفض تكلفة الكهرباء وغيرها، ومساعدة القطاع على تأجيل التزام دفع إيجارات دور العرض للمراكز التجارية لفترة حتى تعود الصناعة تدريجيا إلى طبيعتها.
7 .المساهمة في دعم الأفلام التي يتم إنتاجها خلال فترة الأزمة من خلال تخصيص بعض مواقع الدعاية والإعلان المملوكة للدولة بدون مقابل حتى نهاية عام 2020 حتى تعود السينما تدريجيا إلى نسبها الطبيعية في الإشغال والإيرادات.
8 .التشاور مع العاملين في هذه الصناعة من أجل وضع برامج تفصيلية سريعة لمنصات رقمية أكثر شمولية من الموجودة حاليا تتناسب مع نشاط السينما وما يستلزمه ذلك من تمويل وتطور تكنولوجي، حتى يتم الاستعداد ولو بشكل جزئي في حال استمرار الأزمة الحالية لفترة أطول أو تكرار الأزمات.
وشدد التقرير على أهمية إصلاح أوجه الضعف المؤسسي للقطاع، والتي كشفتها الأزمة وهو ما يتطلب حلولا عاجلة، ومنها على سبيل المثال وجود جهة واحدة مسؤولة عن صناعة السينما بدلا من تفتتها الحالي، والوصول إلى حل جذرى لمشكلة القرصنة من خلال تفعيل وتحديث قانون الملكية الفكرية، وإنشاء صندوق لدعم الصناعة يعتمد تمويله في الأساس على نسبة من ضريبة الملاهي المفروضة على تذكرة الفيلم الأجنبي لضمان دخول موارد مستمرة، وعودة تبني الدولة لصناعة السينما كصناعة كثيفة العمالة وواعدة اقتصاديا من خلال برامج دعم متخصصة كما يحدث في الدول الأخرى.
جدير بالذكر أن المركز المصري للدراسات الاقتصادية أعد بمبادرة منه، مجموعة من التقارير التحليلية لدراسة تأثير تداعيات أزمة كورونا على القطاعات الاقتصادية والخدمية المختلفة، تحت عنوان: “رأي في أزمة”، والتي تهدف إلى تحليل تداعيات الأزمة على مصر بالنسبة لعدد من القطاعات الإنتاجية والخدمية الحيوية وعلى أهم المتغيرات الاقتصادية الكلية، والتي بدأ نشرها اعتبارا من منصف مارس الماضي.