سوليوود «الرياض»
لم ترفع السينما الراية البيضاء أمام الهجوم الكاسح من وباء كورونا، الذي فرض حجراً فنياً على الأفلام والمواهب وألغى مهرجانات وأحال بعضها للواقع الافتراضي، وأغلق الآلاف من دور السينما في أنحاء العالم.
وبدأ المبدعون السينمائيون بالفعل في التفكير في أساليب لمواصلة تصوير الأفلام ومواجهة تداعيات كورونا، معتمدين على التقنيات الرقمية وتقليل الاستعانة بالكومبارس والتصوير عن بعد والاستعانة بالمؤثرات البصرية والصوتية وأماكن التصوير الافتراضية.
ويبدو أن مواجهة مبدعي الفن السابع لكوفيد-19 لن تنتظر طويلاً بعد أن بدأت الأنباء تتناثر عن إنتاج أفلام عن الوباء وتأثيراته الدرامية على الملايين، والقصص الإنسانية وراء كل باب منزل، وجهاز تنفس في غرف العناية المركزة.
وتدور قصة أحد الأفلام المستقلة في هوليوود الآن حول بشر محاصرين في مصعد معطل، يواجهون السقوط والوباء والخوف والموت بين السماء والأرض.
ويقفز بنا فيلم آخر بعنوان Songbird إلى سنتين بعد انتشار الوباء، ليحكي لنا قصة انتشار الوباء وتأثيراته الأسرية على المحاصرين خلف أبواب بيوتهم يخشون الخروج من صومعتهم، ومع ذلك يتسلل الوباء إليهم.
من جهة أخرى، تراقب كل الشركات الكبرى إنتاج تلك الأفلام وهي تحاول أن تنشر إجراءات السلامة والوقاية في أماكن التصوير.
وفي نفس الوقت هناك خطط لبدء تصوير أفلام متوقفة مثل أفاتار 2، واستوديوهات تطلب أفكاراً عن حكايات الوباء.
وبالفعل، أنفقت استوديوهات باينوود أتلانتا أكثر من مليون دولار في إجراءات السلامة والأمان داخل أماكن التصوير الخارجي والداخلي، لتقليل مخاطر العدوى على العاملين والفنيين.
وهناك مخاطر كثيرة توجه صناعة الأفلام من العبث أو خطر الاستهانة بها، منها التقارب الحتمي بين طاقم العمل، والتلامس الجسدي، وأمور الماكياج والشعر، والأزياء، وكل الأدوات التي تتناقل من يد ليد.
الغريب أن إجراءات السلامة جاءت في تقرير عن «مستقبل السينما» صدر قبل تطبيق الحجر الصحي بأيام قليلة وكأنه يتنبأ بالتحديات التي تواجه السينما، حيث يعرض رؤية لمستقبل الفيلم «الشمولية والمستدامة تكافئ الابتكار والإبداع، مفتاحها تقنيات الإنتاج الافتراضية».
ويطالب التقرير بزيادة الاستعانة بالتكنولوجيا الرقمية في إنتاج الأفلام بديلاً عن «المجاميع» الكثيرة، لتحقيق الوفر الاقتصادي في الأجور والتنقل، وتقليل مخاطر انتشار الوباء بين العاملين.
وعلى سبيل المثال يمكن تسجيل حوار بين ممثلين وكل منهما في استوديو مختلف مع دمجهما بالتقنيات الحديثة ليبدو وكأنه على الطبيعة.
وبالفعل غيرت عملية تعرف باسم «ما قبل الصورة» ـ التصوير المسبق لعالم السرد السينمائي جذرياً ـ دورة إنتاج الفيلم التقليدية التي كانت موجودة منذ ولادة السينما وذلك حتى يتمكن المخرج من اتخاذ خيارات إبداعية وإنتاج خطط لوجستية مرشدة واقتصادية للتصوير.
وعلى سبيل المثال فإن الجزء الأخير من فيلم «الأسد الملك» صنع باستخدام مكان تصوير افتراضي. ويمكن مكان التصوير الافتراضي الممثلين من أداء أدوارهم بسلاسة عبر البيئة الرقمية.
ولنا سابقة أخرى مماثلة في فيلم Gravity الحائز على الأوسكار، والذي تدور أجواؤه في الفضاء الخارجي، وكان التمثيل الحي الوحيد بين وجوه الأبطال، بينما كل شيء آخر جرى ضبطه وخلقه بواسطة الكمبيوتر.
ولا يتطلب الإنتاج الافتراضي من طاقم الإنتاج التواجد في نفس المكان، إذ يمكن للأطقم الإبداعية المختلفة العمل من أماكن مختلفة.
وتستخدم الأفلام ذات الميزانيات الضخمة بالفعل الكمبيوتر والتكنولوجيا الرقمية لعمل مؤثرات صوتية وبصرية مثل خدع السحر في سلسلة أفلام هاري بوتر، وفي أفلام «حرب النجوم»، ويمكن لصناع الأفلام المستقلة ذات الميزانيات المحدودة الاستفادة بصورة أكبر من تلك التقنية.
ومن المؤكد أن أزمة كوفيد-19 ستؤثر بالإيجاب على المدى البعيد على صناعة السينما في العالم بتخفيض عمليات الإنتاج والأجور المبالغ فيها للنجوم، وتقليل الاعتماد الجذري على المجاميع البشرية واللجوء أكثر إلى التكنولوجيا.