ماجد الجريوي
في الأسبوع الأول من مارس الماضي أطلقت قناة ذكريات كمبادرة من هيئة الإذاعة والتلفزيون لعرض الأعمال السعودية والعربية الخالدة. وهي ليست القناة العربية الوحيدة التي تستحضر الماضي وأعماله التراجيدية والكوميدية والبرامج القديمة. فأولى التجارب العربية كانت متمثلة في قناة ART حكايا زمان في عام 2008 ثم قناة روتانا زمان عام 2009 التي انضمت لاحقا لقناة روتانا طرب ثم روتانا كلاسيك، ثم بعدها وجدت قناة دبي زمان 2015 وفي العالم الماضي ظهرت قناة البحرين لول بنفس الهدف والفكرة.
استعرضت تاريخ هذه التجارب عالميا وبحثت ما إذا كانت هذه الفكرة موجودة في الإعلام الأوروبي أو الإعلام الأميركي، فوجدت بعض الأفكار المشابهة والقنوات المختلفة التي إما كانت موجودة واندمجت مع قنوات أخرى أو غيرت تماما محتواها ليكون أكثر حداثة وملاءمة للوقت الراهن مع الحفاظ على ساعة أو ساعتين من البث الكلاسيكي في فترات ما بعد الظهر أو العصر. والبعض من هذه القنوات يعتمد على المحتوى الموسيقي الكلاسيكي فقط، أما المحتوى الدرامي يتحول لمحتوى على منصات مثل نيتفليكس أو هولو وغيرها من المنصات التي تستوعب فكرة الأرشفة. فقط قناة وحيدة روسية اسمها «الحنين» هدفها الرئيسي هو الإحساس بالحنين للاتحاد السوفيتي وأيامه، حيث بدأت في عام 2004 وما زالت مستمرة في بث برامج وأفلام وثائقية عن الاتحاد السوفيتي وتكرر المحتوى من فترة لأخرى.
العامل المشترك في أغلب هذه القنوات هو عدم الاستمرارية، تنتهي بها المطاف للإلغاء أو الاندماج أو تغيير المحتوى، حتى النسخة الرقمية من هذه الفكرة الموجودة تحديدا على منصة تويتر من حسابات الزمن الجميل وجيل الطيبين ومجموعة من الحسابات التي تتناول الماضي، واستحضار تفاصيله في الحاضر لإشعال فتيل الحنين والأيام الخوالي يكتب لها عدم الاستمرارية وشح في المحتوى بعد فترة من الزمن.
لماذا الماضي يبدو أفضل من الحاضر في كل شيء، بما فيها الأعمال الدرامية والبرامج؟ الأبحاث النفسية تشير إلى أن أتعس لحظة لدى الإنسان هي اللحظة الآنية، ودائما الماضي أفضل. فاستمتاع الإنسان أثناء وجوده في رحلة أو نزهة ما قليلة مقارنة بحماسه واستمتاعه بعد نهاية الرحلة. فمنطقيا أثناء الرحلة سيكون متعبا ومرهقا من الصعوبات التي واجهها، أما النهاية وعندما تصبح التجربة في الماضي فهي أفضل بكثير من مرحلة عيش التجربة، فيسعى الإنسان دائما إلى تجميل الماضي من موقع الحاضر، وكل هذا مؤقت وغير متجدد.
عدم استمرارية هذا النوع من القنوات والمحتوى لفترة طويلة يعود لعدة نقاط، أبرزها أن ذائقة المتلقي اختلفت ومشاهدته لمحتوى مسلسلات وأفلام أجنبية أسهم في ارتفاع معاييره، حتى وإن حنّ لماضيه. ومعطيات الجمهور اليوم اختلفت تماما، فكوميديا اليوم ليست كوميديا الأمس، فتجربة بث مسلسل درب الزلق على سبيل المثال في وقت الذروة لم تكن موفقة، إذا كانت هناك ضرورة لتلبية موضة الذكريات والعودة للماضي، فاختيار الأعمال والمواضيع المراد إحياؤها فن بذاته. حتى مواضيع تراجيديا اليوم ليست كمواضيع تراجيديا الأمس، فلا نتوقع من تجربة تلفزيونية نجحت في فترة زمنية معينة ستنجح اليوم، والبرامج هي الأخرى ليست معصومة من هذا السجال، فهل ستستمتع بمشاهدة برنامج من سيربح المليون برتمه البطيء في وجود جوجل وكل محركات البحث فقط بغرض الحنين للماضي؟ ثم إن الفئة المستهدفة لهذا النوع من الطرح في الغالب ليست كبيرة. كما أن يوتيوب والنت فليكس وغيرهما من المنصات تخدم الفكرة وبتحكم للمتلقي بشكل أكبر. وفي الأساس تكمن متعة استرجاع الماضي بالمقاطع القصيرة وبالقصاصات العفوية والكلمات البسيطة، لا بمحتوى يمتد أسابيع وشهورا.
كل استحضار للماضي ومحاولة موضعته في الحاضر يعتبر مؤقتا.
صحيفة الوطن