وليد الأحمد
الاهتمام الواسع من وسائل إعلام غربية بارزة بمسلسل درامي عربي يعرض في قناة سعودية اسمه “أم هارون” بالغ الدلالة، ويقدِّم وصفة سحرية للإجابة عن سؤال مؤرق للحكومات والمؤسسات عن الطرق الفعالة لمخاطبة الرأي العام الغربي عند الحاجة لتصحيح صورة مغلوطة، أو لإيصال رسالة محددة.
وبغض النظر عن الجدل حول اعتباره دعوة للتطبيع مع إسرائيل، وبعيدًا عن تقييم جودة التمثيل والنص والإخراج، فإن المسلسل بدا كقوة سعودية ناعمة، ونقل صورة مجتمع خليجي عربي إسلامي متسامح مع الآخر، ولا سيَّما أتباع المسيحية واليهودية عبر شواهد من تاريخ المنطقة، إلى درجة أنه لا يرى حرجًا في مصاهرتهم، ولا ينكر عليهم سوى خيانة الوطن ونصرة المحتل، حتى خلال حقبة الأربعينيات من القرن الماضي، التي تزامنت مع مقاساة اليهود لويلات محارق الهولوكوست النازية والاضطهاد الأوروبي.
هذه الرسائل الإنسانية والسياسية العميقة عن المجتمع الخليجي والعربي والمسلم، ساهمت في نقلها كبرى مؤسسات الإعلام الغربي، مثل: “نيويورك تايمز”، صاحبة أكبر جمهور لصحيفة في العالم، ومن بريطانيا مجلة “الإيكونوميست” الرصينة، وصحيفتي “فايننشال تايمز” و”الميل”، ومن النمسا صحيفة “ستنادرد” التي تصدر بالألمانية، إضافة إلى وكالات الأنباء الشهيرة، مثل: “رويترز” و”أسوشيتد برس”.
“نيويورك تايمز” عنونت تقريرها عن الجدل بين المؤيدين للتنوع الديني في المسلسل وبين المعارضين بحجة رفض التطبيع، ونقلت رأي قناة “إم بي سي” في تركيز المسلسل على “التسامح والاعتدال والانفتاح والتعايش وعرض منطقة قبل الطائفية”، مع رأي للكاتب السعودي، حسين شبكشي، يشيد بالعمل ويصفه بالجريء في الحديث عن تاريخ الوجود اليهودي في العالم العربي. كما تطرقت للمشاهد الإنسانية حين تذرف امرأة مسيحية دموع حب تاجر مسلم، عالق في زواج بائس من امرأة تتوق لرجل مسلم آخر، لكنها لا تستطيع الحصول عليه؛ لأنه مهووس بحب ابنة الحاخام اليهودي، فضلاً عن الحياة الطبيعية للعائلات المسلمة والمسيحية واليهودية في المجتمع، التي تتشارك الأكل وتتبادل الزيارات، وتدير محلات متجاورة في السوق.
“الإكينوميست” اعتبرت العمل الدرامي السعودي مؤشرًا لرؤية تعايش متوفرة في المنطقة، في حين نقل “الفايننشال تايمز” رأيًا من مقالة الكاتب السعودي الآخر، عبدالرحمن الراشد، في صحيفة الشرق الأوسط، الرافض للجدل غير الموضوعي حول اعتبار العمل تمهيدًا للتطبيع مع إسرائيل، فالظروف السياسية التي تمنع التطبيع لا تزال قائمة.
وباللغة الألمانية كتبت “ستاندرد” النمساوية أن المسلسل يحمل رسالة مهمة، فهي تعزف على وتر حساس لجيل قديم من العرب الذين يتذكرون كيف اعتاد المسلمون واليهود والمسيحيون العيش معًا.
أمَّا صحيفة “الميل”، فأشارت إلى أن احتلال إسرائيل لفلسطين وارتكابها للفظائع ضد الشعب الفلسطيني، كان الحدث الذي غير شكل العلاقة مع اليهود، ونقلت عن علي شمس، أحد كتاب المسلسل، لوكالة أسوشيتد برس: “أردت أن أكتب هذه الدراما لأوصل رسالة مفادها أن مجتمعاتنا كانت أكثر تسامحًا مما هي عليه اليوم، وعلى الناس أن يعودوا إلى نفس القيم”.
لست خبيرًا في الدراما، لكن العمل بمنظور إعلامي واتصالي، قدَّم خارطة طريق لكيفية التخاطب مع الغرب واستثارة تفاعل مؤسساته الإعلامية. وما كان لحملة تسويقية، أو حملة علاقات عامة تقليدية عن التسامح في المجتمع الخليجي، أن تحقق ربع الانتشار والتفاعل مع الرسائل التي حملها مسلسل “أم هارون”.
*متخصص في الإعلام والاتصال
@woahmed1