سوليوود «الرياض»
بينما لا يزال وباء كورونا ومشتقاته يجول بحرية في أغلب مناطق العالم، ينحسر عدد ضحاياه ويتضاءل حجم سطوته، مما يدفع صناعة الفن المرئي المتحرك (بشقيها السينمائي والتلفزيوني) إلى العودة إلى العمل ملتقطاً الرحلة من حيث كانت توقفت مع مطلع الشهر الثاني من هذا العام. في جمهورية التشيك، التي كانت أول دولة أوروبية تدخلت لمنع التصوير السينمائي نظراً لما يتخلل العمل على الأفلام من خطر التجمّعات، ينطلق تصوير حلقة جديدة من «عجلة الزمن»، وهو مسلسل تلفزيوني توفره شركة أمازون. ديزني غير بعيدة عن هذا السياق وها هي تصوّر «الصقر وجندي الشتاء»، وهي حلقات تلفزيونية أخرى، بينما تقوم شركة نتفليكس بتصوير «473 ترانسلفانيا».
وفي إسبانيا التي عانت من ارتفاع كبير في عدد الإصابات كشأن ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وفرنسا، يباشر حالياً تصوير بعض الأفلام المؤجلة. للقيام بذلك على خير وجه، نزح الإنتاج مبتعداً عن مدينة مدريد (ذات نسبة الإصابات المرتفعة) إلى مدينة فالنسيا التي لم تشهد مثل هذا الارتفاع حتى في أوج الصراع ضد الوباء.
وبينما ترزح السينما تحت ظل إلغاء دورة «كان» هذه السنة، خططت المدينة لعودة التصوير في بعض أحيائها، تلك التي شهدت إصابات أخف من أخرى. وتخطط كل من النرويج والسويد والدنمارك وآيسلندا وإيطاليا وآيرلندا لدوران عجلة التصوير خلال نهاية هذا الشهر ومطلع الشهر المقبل بما في ذلك إعادة فتح صالات السينما في تلك الدول التي تم إغلاق الصالات إغلاقاً تاماً فيها. عربياً كذلك، تعرضت بعض المسلسلات الرمضانية إلى التوقف عن التصوير وأبرزها، إنتاجياً على الأقل، مسلسل «خالد بن الوليد» لكن العودة إلى استكمال تصوير حلقاته بات قريباً حسب المصادر.في هذا المنظور، لا بد من الإشارة إلى أن كتّاب النصوص السينمائية والمسلسلات التلفزيونية هم الوحيدون الذين استفادوا من الحجر عموماً إذ قام العديد منهم باستغلال الظروف لكتابة سنياريوهات جديدة. لعل بعض هذه السيناريوهات يرى طريقه إلى شاشات السينما مع نهاية هذا العام أو إلى شاشات رمضان في رمضان 2021.
– «عشبة الخلود»
كان اختيار مسلسل «عشبة الخلود» تم عشوائياً. عروضه الخليجية ناجحة لكن بالمقارنة مع حجم المشاهدات العربية كافّة من المعقول أن يكون الإقبال عليه أقل على نحو ملحوظ من الإقبال الذي شهده البحرين مثلاً، البلد الذي تنتمي إليه شركة الإنتاج «مركز حوار للإنتاج الفني». «عشبة الخلود» كوميديا في شكل تاريخي عُني كثيراً في اتقان تفاصيله. تشعر كما لو أنه صُوّر في الزمن الذي تقع الأحداث فيه. وهذا التصميم يشمل الملابس والديكورات ومعدات الحياة المختلفة آنذاك. لكن هذا كله يأتي في المرتبة الطبيعية لمثل هذا العمل. ما هو لافت أكثر هو نجاح التوليفة بأسرها من كتابة وتوزيع شخصيات وإخراج. طبعاً الموسيقى تعبث بالمسلسل حسب العادة مع كل المسلسلات ولو على نحو أقل ضرراً. مما يصل بنجاح هو المضمون المرح الذي يحتويه المسلسل. الحكايات بسيطة التأليف وتبدو كما لو كانت ناتجة عن الرغبة في مواصلة حكايات ألف ليلة وليلة (وهو نص أدبي ما زال يبحث عمن يهتم به)، وذلك بتوفير مواقف فيها القليل من الفانتازيا والغرابة. في الحلقة الحادية والعشرين مثلاً يستوقفنا المشهد الذي تؤكد فيه «بصّارة» حاجة بطل المسلسل لجلب أوراق من عشبة الخلود لكي يشفي الأميرة التي يحب والتي تعرضت لمرض أخفق الأطباء في علاجه. وقبل انتهاء الحلقة نسمع إن تعافت بالفعل. طبعاً لهذا النجاح الكلي حدوداً لا يعمد المسلسل إلى تجاوزها. لجانب أن الكتابة والإخراج مناسبان لمفهوم الكوميديا التلفزيونية ومستواها الذي عادة ما ترزح تحته، هناك تلك القدرات الإنتاجية التي تحد بدورها حتى من الرغبة في رفع شأن العمل وتضخيم أحداثه أو معالجة الموضوع بعيداً عن السذاجة في أحيان صوب ما هو أجدى.
في مثل هذه المسلسلات التي تهدف للإضحاك فإنه من الطبيعي أن نجد الشخصيات تمثّل الأوضاع عوض معايشتها. تستخدم التعابير ذاتها كما يستخدم الكاتب الأنماط نفسها. لكن هناك حلاوة في هذا العمل تفتقد إليه العديد من الكوميديات التلفزيونية الأخرى.
– «الحرملك»
في الإطار التاريخي ذاته، إنما من دون كوميديا، تتبوأ حلقات «الحرملك» (MbC 1) الصدارة بين المسلسلات التي تنهل من الماضي على قلّتها هذا العام. ولو قسنا الجهد المبذول لإتقانه إنتاجاً وفناً لتجاوز الكثير من المسلسلات المعروضة حالياً. من تأليف سليمان عبد العزيز وإخراج تامر إسحاق مع جبهة من الممثلين الأوائل تم استقطابهم من سوريا ومصر وتونس ولبنان من بينهم خالد الصاوي وأحمد فهمي ووفاء موصللي وكارمن لبّس وجمال سليمان (ينتهي دوره في منتصف الحلقات) وباسم ياخور وأحمد الأحمد من بين كثيرين.
إذا ما أغفل مسلسل كوميدي يتظلل تحت سقف مرحلة تاريخية بعض التفاصيل يستطيع أن يعوّض هذا النقص عبر المواقف الكوميدية ذاتها، إذ ليس من المطلوب منه أن يضع العربة قبل الحصان، لكن في مسلسل قائم بوضوح على الفترة التاريخية التي تدور فيها الأحداث برمتها، كما حال «الحرملك» فإن نجاح التوليفة الزمنية بكاملها يصبح الشرط الأول. أي خلل يعرض المسلسل للعرج طوال حلقاته.
هذا هو حال «الحرملك»، فأول ما يلفت التقدير هو اتقان كل شيء من الديكورات المختلفة (داخلية وخارجية) ومن تصاميم الملابس والإكسسوارات وتصاميم الشعر وصولاً إلى اللهجات المتداولة، خصوصاً تلك اللهجة الشامية المحببة دوماً للأذن التي قلما بتنا نسمعها بعدما تكاثرت المسلسلات التي تدور في الزمن الحاضر وتشتمل على شخصيات مختلفة المصادر.
الحكاية التي يعتمدها الفيلم تتضمّن الكثير من الشخصيات تدخل وتخرج من حلقة لأخرى في نص قوامه ما آل إليه وضع أربع أشقاء وأشقياء اعتادوا البلطجة والسرقة وسوء معاملة الآخرين. الخلاف يدب بين الأشقاء لاحقاً (في الحلقات الفاصلة بين الحلقة الأولى والحلقة التي بثّت يوم أول من أمس) لكن الأهم كيف تتشعب ويدخل إليها رهط من الشخصيات الأخرى.
لا مسلسل تاريخي من دون طرح وضع المرأة حتى إذا ما كانت من النوع المتسلط (كما في بعض مسلسلات السنوات الماضية) لكن هنا نتوقف عند شريحة تتعرض للضغط وسوء المعاملة الاجتماعية من قبل الرجل. كذلك إلى رغبة إحداهن الاستقلال عن شريكها في «الخان» الذي تديره. وشقيقة هاربة من تهديد إخوتها بقلتها.
«الحرملك» لما سبق بالإضافة إلى تمثيل من باب أول يؤمه كل الممثلين على نحو متساوٍ، هو من بين تلك التي لا بد من متابعتها لأنها تحمل ما لا توفره المسلسلات الأخرى هذا العام من رحيق التاريخ والحارة وشجون الشخصيات المتضاربة وممثليها الذين يعرفون متى يتوقفون عند ذلك الخط في الأداء الفاصل بين التجسيد والافتعال.
– «الفتوّة»
شخصية الفتوّة كانت خبز وملح السينما في زمن مضى امتد من الخمسينات وحتى منتصف الثمانينات. ليس بعيداً، كموجة، عن أفلام الوسترن الأميركية على سبيل المثال، ليس من حيث المكان طبعاً وليس فقط من حيث انقسام الشخصيات بين الأخيار والأشرار، بل من حيث الكم الإنتاجي المعني بفترة تاريخية تشكّلت منها ملامح المجتمع المصري في مرحلة امتدت من أواسط القرن التاسع عشر حتى ما قبل العصر الحالي بعقود قليلة.
رغبة المسلسل المصري «الفتوّة» العودة إلى تلك الفترة الزمنية (تحديداً سنة 1850) تشبه رغبة «الحرملك» في العودة إلى رحى تاريخه (سوريا أيام الحكم العثماني وشخصياته المتسلّطة في الفترة ذاتها تقريباً) والناتج في الحالتين هو رحلة شغف بذلك الأمس البعيد والفريد.
يتمحور «الفتوّة» حول شخصية رجل واحد (يؤديه ياسر جلال) يحترمه البعض ويخشاه الكثيرون. رجل أخلاقي المبادئ يواجه الظلم والبلطجة ويجيد استخدام «النبّوت» وبل، منذ الحلقات الأولى، يعلم ابنته فن الدفاع عن النفس.
كان المسلسل يستطيع العمل على إتقان شروط تلك الفترة التاريخية. حسب أحد المصادر، هناك الكثير من الأخطاء التاريخية سواء على صعيد التفاصيل البصرية للمكان أو تلك المتعلقة بالمواقف الاجتماعية ما بين مواطني الفترة. كذلك هناك تباين في استخدام عبارات لم تكن سارية حينذاك. فنياً، بعض الحلقات أفضل من بعضها الآخر. في تلك الأخيرة جمود في الانفعالات وردات الأفعال حواراً وتمثيلاً وإخراج رتيب إيضاحي الغاية ومسترسل في التفسير أكثر مما يلزم.