محمد اليامي
لا أتفق مع من يعتقدون أن تسليط الضوء على وجود اليهود في بعض مجتمعات الخليج مطلع القرن الماضي يعد “تطبيعا” مع الكيان الصهيوني المحتل، لأنه ببساطة قول للحقيقة، وأي حقيقة هي مقابل موضوعي وعقلي للكذب أو لكذبة، وبما أن العدو الإسرائيلي ارتكز على أكاذيب كثيرة فإن أي حقيقة تؤلمه، هكذا تفترض النظرية، أو لعله المنطق.
الدراما الخليجية الموسومة بأم هارون عمل درامي ينضم إلى سلسلة طويلة من الأعمال العربية – خاصة المصرية – سلطت الضوء نسبيا على وجود اليهود في مجتمعات عربية مختلفة قبل احتلال فلسطين، وهو عمل أراه يصب في مصلحة الصورة الذهنية الحسنة عن المجتمعات الخليجية.
يفترض في الدراما أن تعكس جزءا من الواقع، وتقول بعضا من الحقيقية، وهي حتى لو بالغت في تصوير بعض الظواهر لضرورات فنية أو تسويقية أو ما يسمى المعالجة الدرامية، فهي تظل مرتبطة بواقع ما، والواقع الذي قدمه المسلسل – إلى الآن – يعكس روح تعايش عالية عند الخليجيين المسلمين أكثر منها عند اليهود والمسيحيين.
نص وسيناريو المسلسل ركز على تطرف المسيحيين أكثر من اليهود وتطرف الاثنين أكثر من المسلمين، حيث عمد “القس” كثيرا إلى محاولة تبشير أبناء اليهود والمسلمين بتوزيع الإنجيل عليهم وبإيقافهم في الشوارع لدعوتهم إلى المسيحية، وحيث رفض اليهودي تزويج ابنته من مسلم رغم موافقة والد المسلم وهو “الملا” أي إمام المسجد وقائد المسلمين في الحي.
وعلى عكس ما يظن البعض أن المسلسل له أهداف سياسية، فأنا أعتقد أنه لم يخرج كثيرا عن “فخ” الدراما الخليجية إجمالا المتمثل في غلبة القصص العاطفية والمنزلية على الأحداث، وصراعات الزواج والطلاق، ومكائد النساء خصوصا، وأن وجود اليهود والمسيحيين وانبثاق قضية فلسطين لم يستغل دراميا بشكل عميق يبعد المسلسل عن دائرة المعتاد خليجيا.
لم تقدم المعالجة الدرامية الشخصية اليهودية بشكل يسهم في التطبيع، بل قدمتها كما هي، شخصية البخيل والجبان “الحاخام مثالا”، أو الخائن الذي تنكر لخير البلد الذي يستضيفه “عزرا وزوجته مثالا”.
هذا الانطباع عن العمل يجعلني أسخر ممن أشاروا بأصابع الاتهام إلى الخليجيين منتجي العمل أو عارضيه على شاشة يملكونها، بأنهم يمارسون التطبيع، بينما هو أو هي يتابع السينما والدراما العالمية ونصف أبطالها وملاكها ومروجيها من يهود متعصبين للكيان الإسرائيلي الغاشم.
نريد تحرير بيت المقدس، علينا أولا تحرير عقولنا، وإطلاقها إلى فضاءات إنسانية قوية، تتزود بما يشكل المعنى الحقيقي للقوة في العصر الحديث.
صحيفة الإقتصادية