سوليوود «الرياض»
عادت برامج الكاميرا الخفية التي تبثها القنوات التلفزيونية المحلية الجزائرية خلال رمضان لتثير الجدل والغضب الشعبي، كان آخرها برنامج “أنا وراجلي” (أنا وزوجي) الذي قوبل باستهجان واسع منذ بث الحلقة الأولى مع أول أيام رمضان.
وتسبب برنامج المقلب الذي بثته قناة “نوميديا تي في” الجزائرية في غضب شعبي ورسمي، استدعى تدخل “سلطة ضبط السمعي والبصري” الحكومية بعد أن وجهت إنذاراً للمحطة التلفزيونية، متبوعاً بحملة شعبية لما أسمته “تطهير الإعلام الجزائري”.
وأجمعت ردود الأفعال الغاضبة خاصة عبر مواقع التواصل على اتهام القناة التلفزيونية بـ”إهانة الزوالي” وهو مصطلح في اللهجة الجزائرية يعني الفقير أو “الغلبان”، ما اضطر “نوميديا تي في” للرضوخ لكم الانتقادات الواسع بإعلانها وقف البرنامج وتقديمها اعتذاراً لمشاهديها ولضحايا الكاميرا الخفية.
“إهداء” زوجة
فكرة الكاميرا الخفية المختلفة في مضمونها هذا العام في الإعلام الجزائري و”المحافظة” على عنصر “إثارة الجدل” مثل الأعوام الماضية، تمثلت في استضافة شباب غير متزوجين، يتم إيهامهم بأنهم في برنامج تلفزيوني يشبه برامج المسابقات التي تقدم فيها هدايا بعد الإجابة على مجموعة من الأسئلة.
وبعد رد “الضيف الضحية” على الأسئلة التي طرحت عليه، يقوم مقدم البرنامج بإيهام الشاب بأنه فاز بـ”امرأة كزوجة له” وبأن “أهلها موافقون على زواجها منه، وينتظرون انتهاء البرنامج للاتفاق على بقية تفاصيل زواج ابنتهم” من ضحية البرنامج.
غير أن الحلقة التي “أفاضت غضب الجزائريين” من محتوى برنامج المقالب، تلك التي استضافت شاباً فقيراً وبسيطاً في هندامه يبلغ من العمر 39 عاماً اسمه “سفيان”، “وكم كانت فرحته كبيرة” بعدما أبلغه مقدم البرنامج بأنه “ربح فتاة أحلامه زوجة له”.
وجاء ذلك بعدما أجاب الشاب “بكل ثقة في البرنامج” عن صفات فتاة الأحلام التي يريد الزواج منها، حتى ظهرت فتاة جميلة بمثل المواصفات التي تحدث عنها، زادها مقدم البرنامج بإيهام الضحية بأنها “غنية وتملك الكثير من المال”، وطلب منه إحضار الإمام وخاتم الخطوبة لعقد قرانهما.
قبل أن يصاب ضيف المقلب بالذهول والصدمة بعد إبلاغه بأنه شارك في كاميرا خفية وبأن الأمر لا يعدو أن يكون “حلماً في اليقظة”، وسط صمت مطبق من الضحية.
إنذار رسمي
سارعت “سلطة ضبط السمعي البصري” لتوجيه إنذار لقناة “نوميديا تي في” على برنامج الكاميرا الخفية “أنا وراجلي”، ووصفت مضمونه بـ”المخالفة الجسيمة التي مست بقواعد المهنة وأخلاقياتها وأخلت بمبادئ وقواعد النظام العام”.
وأقرت الهيئة الحكومية بأن تحركها جاء بناء على ردود الفعل الشعبية الغاضبة من محتوى المقلب التلفزيوني، واتهمت المحطة التلفزيونية المحلية بـ”بالمساس بالحياة الخاصة وشرف وسمعة الأشخاص وعدم احترام الكرامة الإنسانية”.
وهددت باتخاذ إجراءات أخرى ضد القناة في حال تماديها وعدم التزامها “الفوري” بعدم تكرار مثل هذا النوع من البرامج، وذكّرت بقية وسائل الإعلام المحلية بضرورة “احترام أخلاقيات المهنة وقوانين الجمهورية”.
و”سلطة ضبط السمعي البصري” هي هيئة تتبع وزارة الاتصال (الإعلام)، تأسست عام 2016 بالتوازي مع الانفتاح الإعلامي الفضائي بالجزائر، ومن صلاحياتها مراقبة مدى احترام ومطابقة البرامج التلفزيونية في القنوات التلفزيونية الخاصة والحكومية للقوانين والتنظيمات بينها “قانون السمعي البصري” وقانون العقوبات.
وقناة “نوميديا تي في” ملك لرجل الأعمال محي الدين طحكوت القابع في سجن الحراش بتهم فساد متعددة، اشتراها عام 2016 من مالكها السابق الراحل سامر رياض، ويعد طحكوت من بين رجال الأعمال المقربين من نظام بوتفليقة.
واضطرت القناة إلى إصدار بيان توضيحي حصلت “العين الإخبارية” على نسخة منه، استبعدت فيه “نية الإساءة للفقير” وبأن القصد من البرنامج “تقديم فكرة جديدة وغير مستنسخة عن برامج الكاميرا الخفية”، وقدمت في المقابل اعتذارا لمشاهديها.
وأقرت القناة في بيانها بأن بث البرنامج “خطأ معزول وسوء تقدير”، وسعت لتبرير ما حدث بالإشارة إلى أنه “لا يعكس تماما حرصها على خدمة العائلة الجزائرية وتقديم محتوى يتماشى ومقدسات المجتمع خاصة في شهر رمضان”.
وقررت المحطة التلفزيونية وقف بث البرنامج، وحملت المسؤولية لـ”فريق عمله المستقل عن شبكتها البرامجية” وفق بيانها، وتقدمت باعتذار للضحية سفيان ولعائلته.
حملة “تطهير الإعلام”
مقلب القناة التلفزيونية سرعان من انقلب عليها بعدما تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحة لمحاكمة قناة “نوميديا تي في” وجميع القنوات المحلية الجزائرية، وتحولت قضية الشاب سفيان إلى “قضية رأي عام”.
واتهم رواد مواقع التواصل الاجتماعي المحطة التلفزيونية بمحاولة “البحث عن الشهرة وأكبر عدد من المشاهدين على حساب مشاعر الفقراء” وبأنها “إهانة لكل فقراء الجزائر”، ولما وصفه البعض بـ”الإساءة لصورة المرأة الجزائرية”.
واعتبر بعض النشطاء أن “الإهانة” التي حملها البرنامج كانت لـ”المرأة” عندما تم تصويرها على أنها “هدية” مشبهين ذلك بعهد “الجاريات” على حد تعبيرهم.
في مقابل ذلك، أطلق جزائريون حملة أسموها “تطهير الإعلام الجزائري”، طالبوا فيها “سلطة ضبط السمعي البصري” بممارسة صلاحيتها وعدم “التساهل مع كل المحتويات الإعلامية التي تسيء للمجتمع الجزائري وقيمه” وفق ما ورد فيها.
ودعوا إلى “تطهير” وسائل الإعلام من “دخلاء المهنة” الذين حملوهم مسؤولية ما أسموه “الوضع الكارثي” لواقع السمعي البصري في الجزائر، واتهمت وسائل الإعلام المحلية بتصوير الجزائريين على أنهم “عديمو الأخلاق أو مهووسون بالجنس”، والشباب على أنه “مذلول ولا يهمه إلا ملذات الحياة، ولا احترام بين الزوج والزوجة” وغيرها.
كما أطلق بعض رواد مواقع التواصل حملات لمساعدة ضحية البرنامج “سفيان” على الزواج، وتعهد عدد منهم بالتكفل بكل مصاريف زفافه.