حسين شبكشي
كما هو الحال في الأعمال الدرامية التي تعرض سنوياً في شهر رمضان المبارك، يطغى أحدها على الآخرين، وهذه السنة لا تختلف عن غيرها، فالاهتمام والجدل من نصيب المسلسل الكويتي «أم هارون»، والذي يروي بشكل درامي قصة أسرة يهودية في المجتمع الكويتي خلال حقبة الأربعينات الميلادية في القرن الماضي. المسلسل يمثل «صدمة نوعية» للمشاهد العربي، فهو لم يعتد على رؤية الرموز اليهودية مثل نجمة داود والشمعدان اليهودي المعروف باسم المينورا وشمعاته التسع والشال اليهودي على رأس الحاخام وسوالف الشعر الملفوفة، وحديث باللغة العبرية، وعبارات مثل شالوم ومازلتوف تردد على ألسنة نجوم العمل، من دون أن تكون المشاهد متعلقة بجاسوس إسرائيلي أو ضابط استخبارات إسرائيلي. المسلسل جريء في إقدامه على طرح عمل يخاطب مسألتين شائكتين جداً. الأولى عامة، وهي تتعلق بمشكلة مستمرة هي التعايش مع الآخر المختلف وقبوله له ومعالجة العنصرية والتنمر، والمسألة الثانية هي تاريخ وجود اليهود في العالم العربي عموماً وفي منطقة الخليج العربي من الجزيرة العربية تحديداً.
هذا الموضوع تم التطرق إليه في بعض الكتب المهمة مثل كتاب «تاريخ يهود الخليج البحرين – عمان – الأحساء – الكويت» لنبيل الربيعي وكتاب «اليهود في الخليج» ليوسف علي المطيري.
والحقيقة أن هناك مدارس تاريخية مختلفة بحثت بعمق في تاريخ الوجود اليهودي في الجزيرة العربية والخليج العربي، ومنها من جاء بنظريات «مختلفة تماماً» في كتب برهنت وأكدت الوجود التاريخي لليهود في الجزيرة العربية على الأقل، بما يؤكده علم الآثار التاريخي الأركولوجي، ولكن كل ذلك الجهد لم يوضح أن اليهود الذين وجدوا تاريخياً في الجزيرة العربية هم ليسوا من اليهود التلموديين. وشتان الفارق بين الاثنين وهذا بحث آخر تماماً.
هذه الجاليات التي كانت تعيش في الغالبية العظمى من الدول العربية وكانوا من «مواطني» هذه الدول تم تحميلهم «مسؤولية قيام دولة إسرائيل» على أرض فلسطين، وأصبحوا الهدف الأسهل للتنمر والعنف، وبدأ خطاب الكراهية في الصعود حتى فرغت الدول العربية من مواطنيها اليهود. يروي أحد العراقيين اليهود الذين فروا وهاجروا إلى إسرائيل، أنه كان دوما ما يشارك في مسيرات الاحتجاج في بغداد ضد قرار التقسيم في فلسطين، وكان الشعار المرفوع في المسيرات هو «يسقط الانتداب الغربي في فلسطين» ثم فجأة تحول الشعار إلى «يسقط اليهود»، ووجد نظرات بعض الذين من حوله ينظرون إليه بغضب شديد فحزم أمره وقرر الرحيل فورا. يتطرق المسلسل إلى تاريخ مسكوت عنه تمت روايته بشكل أحادي متشدد وعنصري سواء أكان يحمل القالب الديني أو القالب السياسي القومي. غادر يهود الخليج وهاجروا إلى أوروبا وأميركا وقلة قليلة جدا هاجرت لإسرائيل، وذلك بحسب ما ذكر في كتابين إسرائيليين مهمين الأول اسمه «الملايين المنسية» بقلم مالكة هيليت شوليويتز، والثاني «ليس العدو» بقلم رايشيل شابي. والكتابان يركزان بشكل رئيسي على أحوال اليهود الذين قدموا إلى إسرائيل من البلاد العربية.
المسلسل «أم هارون» قسم المشاهدين قبل بداية عرضه إلى فريقين، فريق مؤيد لفكرة المسلسل، وفريق حمله نظريات سياسية كالمعتاد. أي نجاح يحسب للمسلسل قبل أن يبدأ، هو جرأة التطرق للجانب الذي منعت روايته من التاريخ. تاريخ كان فيه قدر عظيم من المواطنة السوية والمعايشة والتسامح بعيدا عن العنصرية الجاهلية، وقد يفتح هذا المسلسل شهية الآخرين لرواية جوانب أخرى من تاريخ غني في المواسم القادمة.
الشرق الأوسط