أمير العمري
ماذا ستفعل مهرجانات السينما التي تقام في العالم العربي، وما هي خططها الجديدة في الوقت الحالي. سؤال يبدو من الصعب كثيرا الإجابة عليه. الجميع يقولون إنهم يواصلون العمل لإقامة الدورات القادمة من مهرجاناتهم التي تقام عادة في أشهر الخريف والشتاء.
الجميع يأملون أن ينقشع وباء كورونا، وتُصبح هناك إمكانية لاستئناف المهرجانات والاحتفال بالنجوم والأفلام الجديدة كما جرت العادة. إلاّ أن الأمر ليس بهذه البساطة، فلا أحد يعرف متى تنتهي هذه الموجة الشرسة من الوباء المنتشر في العالم ويحصد يوميا المئات من الأرواح؟ ولا أحد يعرف متى يمكن التوصّل إلى لقاح فعّال يمكن استخدامه ويضمن عدم إصابة جمهور السينما الذي من دونه لا توجد مهرجانات السينما؟
لدينا في العالم العربي ثلاثة مهرجانات كبيرة هي حسب ترتيب مواعيد إقامتها: قرطاج والقاهرة ومراكش. ولدينا عدد آخر من المهرجانات الصغيرة مثل مهرجان الإسماعيلية الذي يقام دون ميزانية تقريبا، ومهرجان الجونة الذي تقيمه عائلة ساويرس في المنتجع الذي يمتلكونه على ساحل البحر الأحمر، ومهرجان تطوان لسينما بلدان البحر المتوسط الذي تقيمه جمعية من هواة السينما، ومهرجان شرم الشيخ الذي تقيمه جمعية أخرى من المتحمّسين للسينما، ومهرجان الإسكندرية وتقيمه أيضا جمعية أهلية، ومهرجانات أخرى صغيرة متفرّقة في العراق والمغرب والجزائر وتونس.
مهرجان كان أكبر مهرجانات السينما في العالم، لا يعرف القائمون عليه حتى هذه اللحظة متى يقام؟ أو ما إذا كان سيُقام أصلا هذا العام أم سيتم إلغاء دورته القادمة الـ73؟ وهو الاحتمال الذي يُرجّحه كثيرون حتى من داخل إدارة المهرجان نفسه.
ومهرجان فينيسيا (البندقية) الذي من المقرّر إقامة دورته القادمة في الأيام العشرة الأولى من شهر سبتمبر القادم، لا أحد يعرف هل ستسمح ظروف المدينة والمنطقة التي يقام فيها بل وظروف إيطاليا كلها، وهي أكثر الدولة المنكوبة بالوباء، بإقامة هذا المهرجان الدولي الكبير؟
ورأيي الشخصي أنه لن يُقام، فلا أحد يمكنه المغامرة بإرسال وفود إلى هذه المدينة التي أصبحت منذ فترة خالية من السياح الذين كانوا يتدفقّون عليها بالملايين. ولا أحد سواء في كان أو فينيسيا يمكنه ببساطة استقبال أفلام ووفود سينمائية وإعلامية من الصين وكوريا وإيران وفرنسا وإسبانيا بل وربما أيضا من إيطاليا وفرنسا!
المهرجانات العربية السينمائية تعتمد اعتمادا كبيرا على مهرجان كان. ومُبرمج مهرجان الجونة كان قد صرّح على سبيل المثال، بأن 80 في المئة من أفلام مهرجانه يأتي بها من مهرجان كان.
وكذلك الحال مع مهرجاني القاهرة وقرطاج، ثم سائر المهرجانات الصغيرة التي تعيش على ما يتبقّى من الأفلام التي تخرج من التظاهرات الفرعية والهامشية في كان وفينيسيا، بل ويمكنني القول أيضا إن الأفلام العربية الجديدة التي تعرض في مهرجانات العالم العربي تأتي أيضا من مهرجاني كان وفينيسيا، فالعرب يفضّلون عرض أفلامهم ضمن عروض عالمية أولى في كان مثلا، وبعد ذلك تذهب أفلامهم إلى العرض في المهرجانات التي تُقام في بلدانهم أو البلدان المجاورة في المنطقة. وهو أمر ليس بغريب فهذا نفس ما يفعله السينمائيون في العالم كله.
وزارة الثقافة المصرية التي تُقيم كلا من مهرجان القاهرة ومهرجان الإسماعيلية ستخضع في قراراتها بالتأكيد لما تُقرّره الحكومة المصرية، فيما يتعلّق بالإجراءات الاحتياطية والوقائية لمواجهة وباء فايروس كورونا.
ونجيب ساويرس وشقيقه، سوف يتردّدان كثيرا في المضي قدما لإقامة مهرجان لن يُحقّق لهما شيئا، خاصة مع الخسائر المالية الفادحة التي ضربت استثماراتهما في مصر وتوقّف السياحة وابتعاد السياح تحديدا عن زيارة المنتجعات، وخاصة أن سميح ساويرس صاحب قرية الجونة السياحية كان قد أعلن ظهور حالة لمصاب بالفايروس في قريته السياحية وطالب بضرورة تخصيص مستشفى قريب، في مدينة الغردقة لاستقبال الحالات المُماثلة وعزلها!
ومهرجانات مصر الأخرى، مثل أسوان لأفلام المرأة والأقصر للفيلم الأفريقي وشرم الشيخ الآسيوي والإسكندرية، وغيرها تخضع في قراراتها لما يُقرّره المحافظون المسؤولون عن إدارة الأمور في المحافظات التي تقام فيها مثل هذه المهرجانات، كما أن الدعم الأساسي يأتي من جانبهم ومن جانب وزارة السياحة. ولكن هل سيستمر الإنفاق على هذه المهرجانات في ظل الانحسار الكبير للسياحة، وذهاب الموارد المالية للإنفاق على وسائل مكافحة الوباء؟!
هناك أيضا الكثير من الأسئلة الصعبة التي تواجه القائمين على أمر هذه المهرجانات مثل: هل ستكون الأوضاع في العالم قد تحسنّت مع نهاية الصيف كما يأمل الكثيرون؟ وهل سيصبح ممكنا إعادة فتح دور العرض السينمائي؟ علما بأن الصين التي تباهت قبل أسبوع بإعادة فتح قاعات السينما هناك عادت فقرّرت إغلاقها من جديد.
وهل ستتوفّر أصلا أفلام جديدة صالحة للعرض في المهرجانات العربية، خاصة في ظل توقّف الكثير من شركات الإنتاج عن استكمال أفلامها؟ وإن وجدت أفلام منتهية وجاهزة للعرض فهل ترقى إلى المستوى المطلوب؟ وهل سيقبل الجمهور على العودة إلى مشاهدة الأفلام في قاعات مغلقة؟ وما هو وضع الموظفين الذين يعملون في هذه المهرجانات؟ وهل سيكتسبون الثقة مجددا لكي يعودوا إلى العمل المباشر معا في مكاتب مغلقة؟
وقبل هذه الأمور كلها، هل ستكون الحكومات العربية قد سمحت بالتجمّع وتكون حالة الطوارئ وحظر التجوال التي وصلت في بعض البلدان العربية إلى الحظر التام، قد انتهت وعادت الأمور إلى مجاريها؟
الإجابة على هذه الأسئلة ببساطة هي: لا أحد يعرف. وإذا كان لا أحد يعرف فكيف يمكن التخطيط ورصد ميزانيات وتشغيل الأفراد ولو من منازلهم، على حدث قد لا يحدث؟
لكن المؤكّد أن لا أحد في العالم الخارجي، وأظن أيضا لا أحد في العالم العربي، بعد اتساع موجة الوباء، يُمكنه أن يواصل ادعاء الشجاعة والبطولة، والتصدّي لفايروس كورونا، بمهرجانات السينما والرقص والغناء، فالحكاية أصبحت أكبر من هذه الادعاءات المُضحكة!
الحل الوحيد في رأيي القابل للنجاح، بل وربما يفوق في نجاحه وجذبه للجمهور، الشكل التقليدي المعروف للمهرجان، هو أن تُخطّط مهرجانات العرب من الآن، لإتاحة عدد من الأفلام الجيدة التي يمكنها العثور عليها، على شبكة الإنترنت من خلال إنشاء منصات رقمية خاصة مشفّرة، يمكن للجمهور التعامل معها مقابل مبلغ مالي يدفع بالبطاقات المصرفية، مع إتاحتها للنقاد والصحافيين ولجان التحكيم التي يُشاهدها أعضاؤها من منازلهم، ويتناقشون معا من خلال برامج المُناقشة المُباشرة الجماعية المُتاحة.
وميزة هذه الوسيلة أنها تُتيح مشاهدة الأفلام لجمهور داخل وخارج الدولة المنظمة. وعلى الأقل هذه تجربة تستحقّ أن نختبرها الآن، فربما أصبحت هي الشكل المستقبلي للمهرجانات السينمائية. من يدري؟!
جريدة العرب اللندنية