داليا عاصم
السينما فن وصناعة تجمع المبدعين من مؤلفين ومخرجين وممثلين، ليخرجوا بمعزوفة بصرية تمتع المشاهد وتحرك بداخله الأسئلة، وتحفزه على التفكير، ولما لهذه الصناعة كقوة ناعمة من أهمية فى خلق الوعي، فإن صناعة مهمة مثل صناعة السينما بحاجة ماسة لمنظومة متكاملة تعمل على خلق بيئة مستدامة لها.
مر على مولد السينما 125 عاما منذ أن عرض الأخوان لوميير عام 1895 أول فيلم لهما فى الجراند كافييه بباريس، لكن لا تزال السينما العربية لم تحفر مكانتها المستحقة، وربما يعود ذلك فى رأيي لعدم السيطرة على قدرات السينما وروح المحافظة والخوف من التجريب والتجديد، فالسينما كما قال المخرج الروسى سيرجى أيزنشتاين «هي أكثر الفنون تقدمية.. ونرجو أن تقدم للشعوب طريق التضامن والوحدة الذى يجب أن تسلكه».
فى شهر مارس المقبل، تتجه الأنظار إلى جدة عروس البحر الأحمر؛ حيث نحتفى بانعقاد أول مهرجان سعودي دولى للفن السابع، وهو مهرجان البحر الأحمر السينمائى الدولى.
ومثلما أعلن تحالف سياسى استراتيجى لدول البحر الأحمر، نتمنى أن يكون هذا المهرجان بوتقة صناعة الأفلام العربية المشتركة التى تنطق باسم شعوبنا وتحررهم من غياهب الجهل والتخلف الذى تركته لنا الحقب الإمبريالية، ويبشرنا رئيس المهرجان المخرج السعودي المبدع محمود صباغ، مخرج فيلم «بركة يقابل بركة»، أن المهرجان يتبنى شعار «تغيير السيناريو»، وهو ما لاحظنا تصدي الأفلام السعودية المنتجة مؤخرا له، إذ أعلن صباغ أن اختيار هذا الشعار جاء ليعكس لحظة التحوّل التى ولد فيها المهرجان، وقدرة السينما على التوثيق والاستجابة لهذه التحوّلات الاجتماعية.
ما أنتظره شخصيا بشغف هو مشاهدة مشروع المهرجان الذى تقدمه مخرجات ومبدعات سعوديات عبر 5 أفلام قصيرة، وهنّ: هند الفهاد، جواهر العامري، نور الأمير، سارة مسفر، وفاطمة البنوي، فيما قامت السينمائية الفلسطينية الحاصلة على عدة جوائز سهى عرّاف، بالإشراف العام على تطوير السيناريوهات.
فبعد مشاهدة عدة أفلام سعودية مؤخرا، وجدت روح وأفكار خلاقة لا تستنسخ تجارب سابقة، بل تبحث عن مسار خاص بها ومدرسة سينمائية تتحدى الثوابت، ومن الجلي أن المهرجان سيركز على تصور جديد لـ «سينما المؤلف» التي تفرض نفسها فى عالمنا العربى، في تحول جديد يمكن أن نرى أفلاما ممهورة بأسلوب مخرج عربي معين وخصائص إنتاجية تفرض نفسها.
الملصق الدعائي للمهرجان يحمل هذه الروح أيضا؛ فهو يحمل صورة عارضة الباليه السعودية سميرة الخميس، كعروس بحر متوجة تخرج عن صمتها فى الأعماق، فى تعبير عن موجة التغيير الثقافى التى تشهدها المملكة، والفرص الواعدة للسينما السعودية الجديدة.
وفي إعلان أسماء المكرمين في المهرجان دلالات كثيرة على رؤية مستقبلية محفزة لها منطلقاتها الرصينة، فهو يكرم ثلاثة من روّاد التغيير والابتكار في بلدانهم وأقاليمهم الجغرافية، ممن استطاعوا طبع علامات فارقة في عالم صناعة السينما، هم جاك لانغ، وزير الثقافة الفرنسي الأسبق، تكريما لدوره فى خلق آفاقا جديدة للفيلم الفرنسي، وكيم دونغ-هو، مؤسس مهرجان بوسان السينمائي في كوريا الجنوبية، ودانييلا ميشيل المديرة المؤسسة لمهرجان موريليا السينمائي الدولي بالمكسيك، فضلا عن تصدي المهرجان لترميم أفلام المخرج المصري خيري بشارة أحد أبرز رواد السينما الواقعية في موجتها الجديدة، فهو صانع الأفلام الذي تشكل وعينا بنسج من مشاهد أفلامه، حيث تعرض أفلامه طوال أيام المهرجان بحضوره وحضور أبطال أفلامه، فمن منا ينسى السهر ليلة الخميس لمتابعة عرض فيلم «آيس كريم في جليم» أو «كابوريا» أو «حرب الفراولة»، أو الوقع الذي تتركه مشاهدة فيلم «الطوق والإسورة»، فهو احتفاء مستحق بمخرج له بصمة على أفلامه التى لن تخطئها العين.
وقد أعدت المجلة العربية السعودية تحت قيادة المثقف السعودي البارز محمد السيف ملفا خاصا في عدد فبراير الجاري حول المهرجان كتب فيه المخرج محمود صباغ مقالا مهما حول أهداف المهرجان الرئيسة، وهي: دعم صناعة السينما الوطنية، وتنظيم سوق التوزيع الصاعد، وتعزيز الإنتاج السينمائي المحلي، إضافة إلى خلق ثقافة سينمائية جديدة، والترويج والاحتفاء بذائقة بديلة متنامية، معلنا أنه سيكون محفل دولي لتداول الأفكار، ومنصة لعرض تجارب وأساليب السرد الفنية المختلفة، ومساحة تتناغم بها المدارس والتجارب الكونية، حيث يركز المهرجان على السينما التي تأتي من مواقع جغرافية غير مكرّسة، ويفسح المجال لتشكيلة متنوعة من العروض التي تبتعد عن التنميط السائد.
المهرجان أعلن عن تقديم مجموعة من المبادرات الداعمة لإنتاج الأفلام السعودية والعربية، مثل معمل الأفلام وصندوق تمهيد، بمنح تمويلية تصل إلى 500 ألف دولار لإنتاج الفيلم الواحد، وهو أمر سيحقق دعما قويا للشباب السينمائيين.
يُنظم المهرجان من قبل مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، التي تأسست فى عام 2018، وهي أول منظمة غير ربحية على المستوى الوطني تعنى بدعم صناعة وثقافة السينما.
والمهرجان مدعوم بشكل مباشر من وزارة الثقافة السعودية، بوصفه إحدى مبادراتها الرئيسية، كما أنه مرتبط بشكل عضوي وأصيل برؤية السعودية 2030، التي أفسحت للفن والفنانين مساحة كبرى من أهدافها وبرامجها.
ومن الواضح من خلال مراحل التنظيم والتنسيق التى يعكف عليها المخرج محمود صباغ وفريقه الدؤوب تواكب تطلعات جيل جديد من السينمائيين السعوديين الشغوفين بالفن السابع، وأصحاب المشروعات السينمائية الهادفة.. نحن نتطلع معكم للموجة السينمائية التي ستحدث على ضفاف بحيرة الأربعين التاريخية بجدة.
البوابة نيوز