محمود الزواوي
يقترن اسم هوليوود حول العالم بالسينما؛ فهي ليست عاصمة السينما الأميركية فحسب، بل تحولت أيضا إلى عاصمة السينما العالمية. وتضم هوليوود أهم وأشهر مركز لإنتاج الأفلام السينمائية في العالم، ويتجاوز أثر أفلامها حدود الولايات المتحدة ليعم جميع أنحاء العالم.
وتمركزت صناعة السينما الأميركية في أيامها الأولى في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين في عصر السينما الصامتة في مدينة نيويورك وفي ولاية نيو جيرزي المجاورة على الساحل الشرقي للولايات المتحدة، وكان من روادها في ابتكار وتطوير أجهزة العرض والتصوير السينمائي المخترع الأميركي الشهير توماس إديسون.
ولعبت الصدفة دورا كبيرا في اختيار هوليوود كموقع للإنتاج السينمائي في جنوب ولاية كاليفورنيا وتحوّلها إلى عاصمة السينما الأميركية قبل أن تصبح عاصمة السينما العالمية. ففي أوائل العام 1910 كلفت شركة بيوجراف السينمائية في نيويورك رائد المخرجين الأميركيين ديفيد وارث جريفيث بالتوجه مع فريق سينمائي إلى ولاية كاليفورنيا لتصوير فيلم سينمائي، وقام بتصوير الفيلم القصير المتميز «في كاليفورنيا القديمة» في الأراضي الريفية الشاسعة الواقعة في قرية هوليوود الصغيرة وأتبعه بتصوير عشرات الأفلام القصيرة في هوليوود. وتوجّه المخر? جريفيث مع طواقمه السينمائية إلى هوليوود في ثلاثة فصول شتاء متتالية بين العامين 1910 و1912 لتصوير مشاهد أفلامه. وتم تصوير رائعتيه السينمائيتين «مولد أمة» (1915) و«تعصب» (1916) في هوليوود. وتم بناء أول ستوديو سينمائي في هوليوود في العام 1911.
وبعد النجاح الذي حققه المخرج جريفيث في كاليفورنيا تبعه عدد كبير من المخرجين من نيويورك إلى هوليوود، ومنهم المخرج الشهير سيسل بي. ديميل الذي أخرج فيلمه المتميز «رجل المرأة الهندية» (1913) في هوليوود.
وتواصل قدوم الفرق السينمائية إلى هوليوود التي تحولت بسرعة إلى مركز سينمائي ضخم تقاطرت عليه شركات سينمائية أكبر حجما خلال السنوات اللاحقة، حيث وجدت في ولاية كاليفورنيا مزايا كثيرة، أهمها الطبيعة الجغرافية التي وفرت السهول الواسعة وسلاسل الجبال والصحراء والمحيط، علاوة على سطوع الشمس وعدم سقوط الأمطار لعدة أشهر في فصل الصيف، وذلك خلافا للساحل الشرقي الأميركي الذي لا تنقطع فيه الأمطار على مدار السنة وتهطل فيه الثلوج في الشتاء.
وجميع هذه المزايا مهمة للتصوير السينمائي، خاصة توفر الشمس الساطعة بالنسبة للتصوير في الهواء الطلق في عصر كانت فيه التكنولوجيا السينمائية في بداية عهدها، ولم تكن معدّات الإضاءة قد شهدت الكثير من التطورات التكنولوجية. واكتشف المصورون والفنيون في هوليوود أنهم لم يكونوا بحاجة في كثير من الأحيان إلى أجهزة الإضاءة التي كانوا يستخدمونها أثناء التصوير السينمائي في الساحل الشرقي الأميركي.
وبحلول العام 1915 كانت غالبية شركات السينما الأميركية قد انتقلت إلى ضواحي مدينة لوس أنجيلوس واستقر معظمها في هوليوود. ومما شجعها على ذلك أن الأراضي في هوليوود كانت توفر المتطلبات الأساسية للتصوير السينمائي. ولا تخفى أهمية المساحات الشاسعة لبناء الاستوديوهات السينمائية والمباني المكتبية والمستودعات والاستوديوهات الخارجية والمزارع وحقول المواشي والخيول التي تعتبر أساسية بالنسبة لكثير من الأفلام السينمائية، وخاصة أفلام رعاة البقر التي احتلت مكانا بارزا في الإنتاج السينمائي الأميركي منذ بداية انطلاق السينما ال?ميركية واكتسبت شهرة وانتشارا واسعا حول العالم. وتقع في هوليوود استوديوهات السينما الأميركية الرئيسية الشهيرة الستة مترو – جولدوين – ماير ويونيفرسال وباراماونت وكولومبيا وفوكس للقرن العشرين والأخوة وارنر.
وهكذا جاء تأسيس عاصمة السينما في هوليوود نتيجة لعدة عوامل من أهمها المناخ المعتدل والطبيعة الجغرافية المتنوعة وجاذبية الأراضي الرخيصة التكاليف والابتعاد عن التسلط والاحتكار.
يشار إلى أن المخرجين ديفيد وارث جريفيث وسيسيل بي. ديميل فنانان متعددا المواهب يجمعان بين الإخراج والتأليف والإنتاج وكتابة السيناريو والتمثيل. وشملت المسيرة السينمائية للمخرج دفيد وارث جريفيث إخراج 520 فيلما بين العامين 1908 و1951 بينها عدد كبير من الأفلام الصامتة القصيرة، وتم تكريمه بمنحه جائزة أوسكار فخرية في العام 1936. وقام المخرج سيسيل بي. ديميل بإخراج 80 فيلما ناطقا و60 فيلما صامتا بين العامين 1914 و1958 وفاز بثلاث من جوائز الأوسكار.
صحيفة الرأي